فى إطار صراع السلطه المحتدم بين المجلس العسكرى وبين الرئيس المنتخب محمد مرسى يصر البعض على أن حركة يوليو52 لا تزال مصدراً لشرعية الحكم رغم مرور 60 عاماً تغير فيها وجه مصر الثوره ، وهو خطاب تتبناه منظومة الثقافه والاعلام الناصريه والحكوميه المواليه للعسكر وللنظام البائد ، إذ حاولوا بعد انتصار ثورة 25 يناير منح شرعيه للعسكر بدعوى حمايتهم للثوره ، ثم أختلقوا أكذوبة الامتزاج بين شرعيتى يوليو52 ويناير2011 ، ما يعد توطئة لاستمرار العسكر فى الحياه السياسية بنص دستورى أو عبر تحكمهم فى أجهزة الدوله العميقه من وراء ستار.
تلك الفرية (امتزاج الشرعيتين) مطعون عليها من عدة وجوه:
1-إن حركة يوليو 52 تحولت الى انقلاب صريح ضد الرئيس نجيب 54 ليعتلى ناصر رأس السلطه و يستبد بالبلاد والعباد ، ولا شك انه اكتسب شرعية شعبيه عبر النصر السياسى الذى تحقق فى 56 بجهود المقاومه الشعبيه الباسله فى القناه ، إلا ان تلك الشرعية قد انهارت بعد كارثة67 التى أضاعت الضفه وغزه والجولان والقدس وسيناء ، فتلك الشرعية إذن (كزعيمها تماماً) قد ماتت اكلينيكياً فى يونيو67 وشيعت إلى مثواها الأخير فى سبتمبر70. وهذا باعتراف حوارى عبدالناصر (حسنين هيكل )الذى أعتبر أن (السادات) قد حكم بشرعية أكتوبر 73 التى سقطت بعقد اتفاقية (كامب ديفد)، ثم انتهت باغتيال السادات اكتوبر 81، فيما حكم مبارك بلا شرعية سوى فرض الأمر الواقع.
2-إن ثورة 25 يناير المجيده ما قامت الا للتخلص من حكم العسكر الممتد من ناصر الى مبارك لتنهى 60 عاماً من البطش والقمع ، فلقد ثار الشعب المصرى ضد الدولة البوليسية التى أهدرت كرامة المصريين والتى تعد إمتداداً طبيعياً الدولة البطش العسكرية التى أسسها نظام (ناصر) ؛ إذ تطورت الأمور للأسوأ فمن مخابرات (صلاح نصر) إلى مخابرات (عمر سليمان) ، ومن المباحث الجنائية العسكرية إلى أمن الدوله الذى بسط سيطرته على البلاد بدءاً من اعتقال المواطنين وتعذيبهم والتجسس على الأفراد والهيئات إلى السيطرة على مؤسسات الوطن عبر أحزاب وإعلام وصحافة أمن الدولة ؛ بخلاف تجييش الأمن المركزى لقمع أى تحرك شعبى ضد النظام ، مما جعل مصر فى مؤخرة دول العالم فى كافة مجالات العلم والتنميه و الديمقراطيه وحقوق الانسان.
3-لقد ثار الشعب لنيل الحريه والكرامه وللتخلص من متلازمة الاستبداد والفساد التى تحكم مصر منذ يوليو 52 ، فالحزب الوطنى المنحل هو سليل الاتحاد الاشتراكى الناصرى ، وأبناء التظيم التطليعى هم من حكموا مصر طوال تلك العقود فمنهم (فتحى سرور- مفيد شهاب – كمال الشاذلى – صفوت الشريف – حسين كامل بهاء الدين – مصطفى الفقى – على الدين هلال – أسامه الباز – فاروق حسنى … وغيرهم) ،والغريب أن (إقامة حياة ديمقراطية سليمة) كان احد أهداف حركة يوليو ، غير انها سرعان ما قضت على الحياة الديمقراطية من الأساس بحل الأحزاب والجمعيات وإقصاء كل صوت طالب بعودة الجيش لثكناته ، فكنا دولة الصوت الواحد وتعلم العالم العربى استفتاءات ال99.9% على يدى الزعيم الخالد ، ليدرك المصريون أن كرامة وحرية المواطن وتمتعه بكامل حقوقه هى المدخل للحكم الرشيد ، و أن نهضات الأمم تعلو أولاًَ عبر بناء الانسان قبل بناء المصانع وتشييد االعمران.
4-يبقى أن المتمسحين فى يوليو52 هم سندة الطغاه المبشرون بالعسكر كحماة للدوله المدنية ، وهم أنفسهم مثقفى الحظيره وإعلاميي التوريث المنتشرين اليوم بكثافة كاداة فعالة للتضليل اعلامى فى خضم المعركه المندلعه بين العسكر وحلفائهم من رجال اعمال وقضاة واعلاميين وبين الرئيس المنتخب ومن وراءه الشعب و قوى الثوره الفاعله. إن ثورة 25 يناير قد أعادت الشرعية للشعب وحده يمنحها لمن يشاء عبر صناديق الاقتراع النزيهه، فعلى جميع مؤسسات الدوله المدنية والعسكريه أن ترضخ لشرعية الرئيس المنتخب وألا تقف عائقاً فى وجه إرادة الشعب فدروس الماضى ليست ببعيدة والعاقل من إتعظ بغيره ، وعلى قوى الداخل والخارج أن تدرك أن الشعب المصرى الذى أبهر العالم بثورته وبذل دماء شهداءه الزكيه لن يرضى بالحرية بديلاً بعد اليوم.
المصدر : رصد