جاء تأكيد زعماء الدول الإفريقية ومن بينها مصر -خلال القمة الإفريقية التاسعة عشرة التي عقدت بأديس أبابا على ضرورة تعزيز التجارة البينية ليجسد حرص تلك الدول على مواصلة الجهود لإقامة السوق لإفريقية المشتركة، وتعزيز الاعتماد المتبادل لضمان الاستغلال الأمثل لموارد القارة الإفريقية في ضوء تنامي المنافسة الشرسة من جانب الدول الكبرى لالتهام مواردها، وحالة عدم الاستقرار السياسي التي يعاني منها عدد من دول القارة.
وأعلنت مصر -على لسان الرئيس محمد مرسي- استعدادها لتسخير جميع مواردها لدعم السوق الإفريقية المشتركة من منطلق اقتناعها أن "رخاء العالم يمكن أن يأتي من إفريقيا".
وبدأت الجهود الإفريقية الرامية إلى دعم التجارة البينية والحرة خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي مع إنشاء التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا / ايكواس / والذي استهدف دعم التعاون الاقتصادي والتكامل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بين الدول الأعضاء، وإنشاء اتحاد اقتصادي ونقدي عن طريق الاندماج الكامل لاقتصاديات الدول الأعضاء، وتحسين الأوضاع المعيشية وتعزيز التنمية بالقارة الإفريقية.
إلا أن تجمع اكواس اخفق في تعزيز التجارة البينية بين الدول الإفريقية نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي شهدتها بعض الدول الأعضاء.
وفي ذلك الصدد أبدى مدير إدارة خفض الفقر والإدارة الاقتصادية لإفريقيا بالبنك الدولي مارشيلو جوجالي قلقا بالغا نتيجة تدني حجم التجارة بين الدول الإفريقية، وأشار إلى أن اقتصاديات دول القارة الإفريقية تكبدت خسائر تقدر بنحو مئات المليارات من الدولارات وملايين الوظائف نتيجة "حالة التفتت التجاري" التي شهدتها خلال السنوات الماضية وتدني معدلات التجارة البينية.
ومن جانبه أوضح المحلل الاقتصادي مارك بيرسون أن تعزيز حجم التجارة البينية الإفريقية يستلزم تسريع المفاوضات بين أكبر ثلاث تكتلات اقتصادية بالقارة السمراء : السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا / كوميسا / وتجمع دول شرق إفريقيا / إياك / وتجمع التنمية لدول الجنوب الإفريقي / سادك / – التي بدأت عام 2008 – والرامية إلى إنشاء منطقة كبرى للتجارة الحرة.
وأضاف أن منطقة التجارة الإفريقية الكبرى – حال إنشائها – سوف تضم سوقا ضخمة تشمل حوالى 590 مليون مستهلك، وناتج محلي إجمالي يصل إلى 860 مليار دولار.
وتشير التوقعات الاقتصادية الدولية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء بكوميسا وسادك وإياك سوف يرتفع إلى حوالي تريليون دولار بحلول عام 2013 – وهو ما سوف يعزز الأهمية الاقتصادية والتجارية للقارة الإفريقية التي تزخر بموارد طبيعية ضخمة.
وسوف تلتزم الدول الأعضاء بمنطقة التجارة الحرة المقترحة للتجمعات الاقتصادية الثلاث بإفريقيا بإسقاط الرسوم الجمركية المفروضة على 85 في المائة من المبادلات التجارية من اجل دعم الاندماج الاقتصادي والتجاري ومواجهة التكتلات الاقتصادية الدولية.
ومن ناحية أخرى قال علي خوجلي كبير الخبراء الاقتصاديين بلجنة إفريقيا الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة: إن القارة الإفريقية تمتلك إمكانيات هائلة للنمو الاقتصادي من بينها الموارد الطبيعية والبشرية، لافتا إلى إفريقيا تمتلك 12% من احتياطات النفط الدولية و40 % من احتياطات الذهب و52 % من إجمالي الأراضي القابلة للزراعة في العالم، بالإضافة إلى ثروات ضخمة من الأخشاب وسوق واسعة غير مستغلة.
ومن ناحية أخرى باتت القارة الإفريقية ساحة تنافس قوية بين الدول الكبرى وخاصة الصين والولايات المتحدة للسيطرة على الموارد الطبيعية للقارة الإفريقية.
وشهد حجم التجارة بين الدول الإفريقية والصين نموا ملحوظا خلال السنوات الماضية نتيجة المساعي المحمومة التي بذلتها بكين لتأمين احتياجاتها من المواد الخام وعدم فرض أية شروط مسبقة من جانبها سواء سياسية أو اقتصادية على الدول الإفريقية على النقيض من الولايات المتحدة التي تربط في كثير من الأحيان بين نمو حجم التجارة والإصلاحات الديمقراطية والسياسية بالدول الإفريقية.
وأضاف أن منتدى التعاون الصيني الإفريقي ينبغي أن يكون أكثر شمولا للقطاع الخاص من أجل تعزيز التجارة.
وتشير الإحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا بلغ 120 مليار دولار عام 2011 بينما بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية 82 مليار دولار فقط.
وتؤكد المؤشرات على أن تعزيز التجارة البينية الإفريقية يمكن أن يمهد الطريق لكبح مشكلات الفقر والبطالة وتدني النمو الاقتصادي بالدول الإفريقية وسط مساعٍ محمومة من الدول الكبرى لفرض سطوتها على الموارد الطبيعية بالقارة السمراء.