مقال للكاتب والمحلل “آدم ونشتاين” بصحيفة “ناشونال إنتريست”
تُعتبر أزمة قطر الأخيرة نسخة مصغّرة من رؤية الرياض للشرق الأوسط بعد استغلالها التهديد الإيراني لحشد الدول خلفها فيما يسمى “الناتو العربي” وتلقن درسًا لما يقاوم، وستنضم مصر والأردن والإمارات إلى هذا التحالف بناء على طلب الرياض.
على الرغم من الهدف المُضلِّل للتحالف لمحاربة الإرهاب؛ فإن هدفه عزل إيران وتعزيز مكانة السعودية في المنطقة، ولكن نجاحها أمر مشكوك فيه؛ بسبب الانشقاق داخل التحالف، والتاريخ الذي أثبت أن أي محاولة لاحتواء طهران سوف تأتي بنتائج عكسية.
توضح ثلاثة تطورات تاريخية سبب فشل أيّ محاولة لعزل إيران؛ وهي: التحالف السوري الإيراني القوي، الأساس الاستراتيجي لتحالفات طهران، تجربة حرب إيران والعراق.
1- التحالف السوري الإيراني
واجه التحالف الإيراني السوري اختبارات في وقت الحرب؛ في الثمانينيات تورّطت إيران والعراق في صراع وحشي اعتبرته بغداد حربًا ضد التوسع الإيراني، وشكلت السعودية ومصر والأردن والعراق وأميركا تحالفًا لعزل طهران عن نظام حافظ الأسد.
لم يتأثر التحالف السوري الإيراني حتى مع انخراط سوريا في معركتها في لبنان. وأكد الكاتب جوبين جودارزي أن حافظ الأسد رفض عرضًا سعوديًا بمليوني دولار إذا أعاد فتح أنابيب الغاز عبر سوريا إلى العراق.
على الرغم من حدة الضغوط العسكرية والاقتصادية؛ فإن هذه الاستراتيجية عزّزت من التحالف بين طهران ودمشق فقط، واستمرت قوة العلاقات حتى في أوقات الخلاف بينهما.
2- استراتيجية تحالفات طهران
تختار إيران تحالفاتها وصراعاتها بطريقة عملية وليست أيديولوجية. على سبيل المثال، تجاهلت طهران الأقلية الشيعة في السعودية وباكستان؛ للحفاظ على علاقات شبه ودية مع الرياض وإسلام آباد. وتعتبر الروابط بين سوريا وإيران شراكة حقيقية لها أهداف استراتيجية مشتركة على الرغم من اختلافهما الأيديولوجي.
ترى سوريا وإيران أن علاقتهما شراكة لمقاومة “إسرائيل”، وتريان أنهما متسامحتان دينيًا تجاه الأقليات والطوائف الدينية في منطقة يغلّفها العنف الطائفي. الأهم من ذلك أن طهران ودمشق أظهرتا نفسيهما ككتلة عربية تمثل تهديدًا وجوديًا لـ”إسرائيل”؛ اتضح ذلك عقب قطع مصر وسوريا علاقتيهما بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”، وعندما شكّلت الدول العربية تحالفًا مناهضًا للجمهورية الإسلامية في إيران؛ لذا فإن طهران ودمشق تريان أنهما شريكتان في القتال ضد الكتلة العربية المدعومة من أميركا.
3- حرب إيران والعراق
تسببت تجربة شبيهة بعزل إيران على أيدي صدام حسين في تطويرها لأنظمتها الدفاعية والقذائف. ودفاعًا عن ذلك، اعتبر وزير خارجية إيران أن دولته أُطلقت عليها قذائف وأسلحة كيميائية ولم تستطع الدفاع عن نفسها، وكان يجب عليها تطوير نظام دفاعي.
أدت الحرب القاسية بين العراق وإيران إلى طموحات طهران في نشر ثورتها وأيديولوجيتها. ومنذ نهاية الحرب، ركّزت طهران على تطوير تحالفات استراتيجية خارج نطاق الشرق الأوسط، بجانب تطوير مجمع عسكري صناعي محلي.
وهناك ثلاثة تطورات أخرى توضّح التكهنات بفشل تحالف “الناتو العربي” في مهمته: ترى المجتمعات العربية الشيعية أن الهيمنة السعودية والوهابية تهديد وجودي، يعاني التحالف السعودي من أزمات داخلية، ميل الصين وروسيا إلى التقرب من طهران.
1- تهديد الهيمنة السعودية
يعتبر التهديد الأساسي الذي يسعى التحالف السعودي إلى مكافحته هو ظهور الحركات والمليشيات العربية الشيعية، التي يرى أنها موالية لإيران. وعلى الرغم من بعد علاقات قوية بينهم وإيران؛ فإن وجود تحالف “الناتو العربي” سيؤدي في النهاية إلى تقرّب المجتمعات الشيعية من طهران.
2- اختلافات داخلية
حتى إذا تمكّن حلف “الناتو العربي” من تحقيق مهمته في عزل إيران، فإن رغبة الدول الأعضاء في مواجهة طهران لا زالت محل شك. رسميًا، يقدم التحالف جبهة موحدة لمواجهة إيران؛ ولكن خلف الكواليس لا يوجد توافق قوى في الآراء لطرق التعامل معها.
ادعى الأمير السعودي محمد بن سلمان أن إيران تستهدف السعودية، ولكن استشهد بتصريحات من شخصيات متشددة غامضة؛ ويبدو أن هذا التكتيك يتسبب في الانقسام بدلًا من الوحدة.
في الفترة الأخيرة، ظهرت تصريحات منسوبة إلى أمير قطر قال فيها إنه لا يوجد أي حكمة في العداء تجاه إيران، وسرعان ما تراجع مبررًا أن التصريحات مزيفة؛ ولكنها كانت كافية حتى تتخذ السعودية والبحرين ومصر والإمارات واليمن وليبيا قرارًا بقطع علاقتهم مع الدوحة.
وجّهت السعودية اتهامات إلى قطر بدعم الإخوان المسلمين وتنظيم الدولة واستخدمتها حجة لقطع العلاقات؛ ولكن يبدو أن هناك نية مبيتة لدى السعودية برفع وتيرة التوتر مع إيران.
رغم ذلك؛ إلا أنه غير مرجّح اتباع سلطان عمان خطة السعودية وترك دوره التقليدي وسيطًا بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي وأميركا، وهو الدور الذي تسبب في زيادة أهمية سلطنة عمان.
من ناحية أخرى، أوضحت دول التحالف العسكري الإسلامي أنها تفضّل الدبلوماسية؛ بينما أعلنت باكستان أنها لن تنضم رسميًا إلى التحالف دون الإعلان عن أهداف رئيسة؛ أهمها ألا تواجه طهران.
من المؤكد أن طهران ستستفاد من انشقاق التحالف السعودي مع زيادة تنسيقها العسكري مع القوى العالمية بعيدًا عن سوريا.
3- تحالف إيراني صيني روسي
لا يخفى على أحد أن التحالف السعودي يناقض مصالح الصين وروسيا في المنطقة؛ حيث استثمرت روسيا مؤخرًا في ميناء طرطوس بسوريا، وستستمر في دعمها لإيران ونظام بشار ضد أيّ تدخل خارجي.
وبالنسبة إلى الصين، فإنها تعمل على تعزيز علاقتها مع إيران؛ خاصة مع مبادرة “حزام واحد طريق واحد” في وسط آسيا، وتعد إيران شريكًا هامًا فيها. في المقابل، ستواصل بكين إثبات أنها شريك قوي لإيران فيما يخص القدرات العسكرية والصناعية والإنتاجية في الداخل؛ لذا فإن تحالف روسيا والصين وإيران سيشكّل خصمًا قويًا لطموح التحالف الذي تقوده السعودية وتدعمه أميركا.
وجود حلف “الناتو العربي” لن يمثل رادعًا قويًا؛ بل سيؤدي إلى سباق أسلحة، بجانب تعميق الصراعات الطائفية في المنطقة؛ وهو ما يأتي في مصلحة طهران في النهاية.