نشرت مجلة “ناشيونال إنتريست” الأميركية مقالًا للكاتب والخبير في الشأن الدفاعي دانيال ديبتريس أعرب فيه عن قلقه من عودة جماعات شبيهة بـ”تنظيم الدولة” بعد هزيمته إذا استمرت الحكومة العراقية في تغليب مصلحتها والطائفية على مصلحة الوطن.
ورصد دانيال أبرز التفاصيل منذ دخول “تنظيم الدولة” العراق والمعارك الضارية التي نشبت لاستعادة الجزء الأكبر من الدولة؛ ليتبقى جزء صغير على وشك العودة في أيدي العراقيين مرة أخرى.
وإلى نص المقال:
في يونيو 2014، صُدِمَ العالم بسيطرة أبي بكر البغدادي، قائد “تنظيم الدولة”، على ثانية أكبر مدينة في العراق في غضون أيام، وانتشرت الصور على الإنترنت تظهر قوات الجيش العراقي الذين خلعوا ملابس الجيش وتركوا أسلحتهم وهربوا للنجاة بحياتهم، واعتقل كثيرون منهم وأعدموا.
وفي واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي شهدها التاريخ الحديث، حاصرت قوات “تنظيم الدولة” مئات من طلاب القوات الجوية وهم يحاولون الهرب من قاعدة عسكرية في تكريت، وطلب من السنة العودة إلى المنزل والتوبة، أما المجندون الشيعة فأرسلوا إلى شاحنات وأطلق عليهم الرصاص وألقوا في مدافن جماعية.
ومنذ هذه السلسة من الهزائم قطع الجيش العراقي شوطًا طويلًا. وبمساعدة كبرى من قرار إدارة أوباما بإعطاء تصريح لحملة تفجيرات ضد تنظيم الدولة، تمكّنت القوات العراقية والمليشيات الموالية للحكومة من العودة مرة أخرى. وتقلصت نسبة الأراضي التي احتلها تنظيم الدولة من ثلث العراق في 2014 إلى حوالي 7%، وتطوّق قوات مكافحة الإرهاب العراقية مدينة الموصل، ووصلت قوات بغداد إلى المرحلة الأخيرة في حملتها؛ حيث تسير نحو غرب الموصل إلى واحدة من ثلاث مناطق تسيطر عليها الجماعة.
على الرغم من إخفاء الحكومة العراقية أي حصيلة عن عدد القتلى؛ فإن هناك تقديرات تشير إلى مقتل الآلاف وإصابة الآلاف في هجمات استعادة المناطق المحتلة من تنظيم الدولة.
وأفادت تقارير أن قوات تنظيم الدولة، المكلفة بالدفاع عن المدينة أو جعل المهمة صعبة لاسترجاعها، تقلّصت من خمسة آلاف إلى ألف، ولا توجد أي أرقام محددة عن عدد المدنيين الذي علقوا في القتال؛ ولكن هجوم الموصل كان شاقًا لهم، كما كان كذلك بالنسبة إلى قوات الجيش، وقتل منهم حوالي 101 شخص في هجمة للتحالف كانت تستهدف أفرادًا من تنظيم الدولة، بجانب مقتل كثير من المدنيين في تفجيرات أخرى للتحالف أو عن طريق استهدافهم من قنّاصي داعش أو بالمتفجرات أو بالهجمات الانتحارية أو بقطع رؤوسهم وغيرها من الطرق التي تكون نتيجتها الموت.
ووفقًا لإحصائيات الحكومة العراقية، شُرّد قرابة 742 ألف مدني من المدينة في الثمانية أشهر الماضية، وبسبب العنف الشديد للمعركة تدفق الآلاف من المدنيين عبر مركز الفرز الذي أنشئ خارج حدود مدينة الموصل.
وكانت هناك عوامل غير متوقعة في هذه الحرب؛ حيث زوّد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وقادة أميركا الحملات الجوية بالقوة التي احتاجتها، ما قلّل من تقديرهم لقوة مقاتلي تنظيم الدولة ومرونتهم. وتوقع عبادي أن تسترجع قواته الموصل في نهاية 2016، ولم يكن توقعه سوى تصريحات للاستهلاك الإعلامي. وتسبب تنظيم الدولة في ضرر كبير للجيش العراقي والمليشيات الموالية، التي كانت تتفوق على المنظمة من حيث العدد. وتعتبر حقيقة تمكّن تنظيم الدولة من حيازة أجزاء من الموصل لمدة ثمانية أشهر شيئًا مبهرًا من الناحية العسكرية، حتى وإن كانت أساليب التنظيم همجية وجعلت “القاعدة” تبدو أكثر هدوء ورزانة.
وما يمكن توقعه الآن هو أن الموصل ستُسترجع قريبًا، سواء كان ذلك في غضون أسابيع أو شهر؛ ولكن في هذه اللحظة عدد قوات تنظيم الدولة قليل، وقدرته على إدارة أي شيء في العراق بجانب الأحوال اليومية أصبح محدودًا، وأصبحت استعادة الحكومة العراقية للمدينة مسألة وقت.
وما يبدو غامضًا حتى الآن هو كيفية تصرّف الحكومة العراقية بمجرد التخلص من تنظيم الدولة من المناطق السكانية العراقية، ولا نحتاج للتذكير بأن سبب قدرة تنظيم الدولة على اجتياح العراق بهذه السرعة هو طريقة تعامل قوات الأمن العراقية مع السكان من السنة بالتشكيك والازدراء.
وإذا لم يبدأ القادة السياسيون في المناطق المنقسمة طائفيًا في إظهار قيادة وتعاون وحوار وشمولية ولا مركزية سياسية، واعتبارها أصولًا بدلًا من تهديد للسلطة؛ فربما نرى في المستقبل ظهور جماعة جديدة أكثر دموية من تنظيم الدولة في المدن والضواحي نفسها وارتكاب الجرائم نفسها.