رأى الكاتب الأميركي الليبي فواز جرجس في مقال نشره موقع “قنطرة” أن هزيمة الدول العربية عام 1967 ساهمت بشكل كبير في ظهور تيارات الإسلام السياسي بسبب أزمة الثقة في القادة العرب التي ولدتها الحرب.
وقال الكاتب إن في الساعات الأولى من يوم 5 يونية عام 1967، استقل المشير عبد الحكيم عامر طائرة متجهة إلى الصحراء في شبه جزيرة سيناء.
ولم يدر في ذهنه آنذاك أكثر من تعزيز الروح المعنوية للقوات المتمركزة في منطقة تتزايد فيها التوترات مع إسرائيل وكان “عامر” على يقين من أن الحرب مع إسرائيل أمر لا مفر منه لكنه كان متأكداً أيضاً من أنها لن تندلع في هذا الصيف شديد الحر، لقد كان على خطأ.
وبعد الساعة 8 صباحا بقليل ظهرت أكثر من 180 طائرة “إسرائيلية” فوق سيناء وأطلقت صواريخها الأولى، وتمكن المشير من الفرار، إلا أن القوات لم تكن محظوظة بالقدر الكافي، ولم تتوفر أي حماية للطائرات المصرية على الأرض. .
وكما ذكر المؤرخ الألماني “هيلموت ميخر” في كتابه “حرب الأيام الستة”، فإنه في غضون 90 دقيقة فقط، دمرت إسرائيل أكثر من 300 طائرة مقاتلة قبل أن يتمكن الجيش المصري من الرد، وتم تدمير محطات الرادار والدفاع، وأصبحت مدارج الطائرات عديمة الفائدة.
وأصيب الجيش المصري بالشلل عندما استولت القوات الإسرائيلية على سيناء وتقدمت إلى قناة السويس، وهي الممر المائي الرئيسي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، وفي 8 يونيه، وافقت القاهرة، التي هُزمت وأُذُلت، على وقف إطلاق النار.
وبسبب هذه الهزيمة أُحرق الرئيس المصري جمال عبدالناصر بالنار التي لعب بها كثيراً، وعُرف عن الزعيم المصري ترويجه لشعارات العروبة التي غرست في العالم العربي فخرا جديدا، وأيد عبدالناصر الحركات المناهضة للاستعمار والعروبة والاشتراكية ومعارضة إسرائيل، لكنه كان أيضا تحت الضغط؛ داخلي: فقد فشلت اشتراكيته في خلق مستوى المعيشة الذي كان يأمل فيه الشعب، وأما في الخارج، فقد تأثرت مكانته بعد غزو مصر لليمن، وتسببت في حرب استمرت خمس سنوات أدت إلى مقتل آلاف الجنود المصريين.
وهنا لجأ عبدالناصر إلى خدعة قديمة أثبتت نجاحها في الماضي× فأمر جنوده بالتوجه إلى سيناء، حيث كانت قوات الأمم المتحدة متمركزة لتكون بمثابة حاجز بين مصر وإسرائيل، وغادرت قوات الأمم المتحدة بناء على طلب ناصر، ثم أغلق عبدالناصر مضيق تيران أمام حركة الملاحة البحرية وعزل مدينة حيفا الساحلية.
لكن هل أراد عبدالناصر حقاً اندلاع الحرب مع إسرائيل؟ يقول “ميخر” إن الجيش المصري جرّفته الحرب الجارية في اليمن آنذاك، ولكن ناصر كان تحت ضغط لإثبات قدرات قيادته ومصداقيته أمام العالم العربي، ويخلص “ميخر” إلى أن الحرب كانت الحرب “نتيجة لسوء التقدير وسوء الفهم وانعدام التواصل بين تل أبيب والقاهرة.
ودفع “ناصر” ثمناً باهظاً للمقامرة، معلنا استقالته في 9 يونيو، وأدى هذا الإعلان إلى مظاهرات جماهيرية تطالب بإبقائه وظل في السلطة لمدة ثلاث سنوات أخرى حتى وفاته في عام 1970.
ونتيجة لذلك فقدت الاشتراكية العربية، والأفكار السياسية الرائدة في الشرق الأوسط آنذاك، بريقها، واضطر ناصر إلى تحمل السخرية، على الرغم من البقاء في السلطة .
ويختم الكاتب بالقول: “أدت أزمة الثقة في القادة السياسيين العرب إلى إلى خلق فراغ شغله الإسلام السياسي”.