التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأهم حلفاء لأميركا في الشرق الأوسط؛ حيث استقبل في البيت الأبيض ملك الأردن عبدالله، ثم رئيس تركيا رجب أردوغان، وبعدهما ذهب في جولة استمرّت أيامًا إلى السعودية و”إسرائيل”؛ وفي كل لقاء من هذه اللقاءات ناقش نقاطًا هامة في إطار جهود مشتركة لإيجاد نتائج وحلول مشتركة لمصلحة الجميع.
وأثناء لقائه بملك الأردن تحدّث بشأن أزمة الحدود الجنوبية بين سوريا والأردن، وهناك محاولات للتأثير على المعركة السورية رغم قلة الموارد المتاحة. ويبدو أن ترامب وافق على تزويد الأردن بالأسلحة والقوات المدربة بنيّة منع الجيش العربي السوري من السيطرة على الحدود بين الأردن والعراق وسوريا.
وفي هذا الشأن، تعتبر منطقة الوليد المثال الذي تريد أميركا وحلفاؤها تجنّبه؛ حيث سيسمح احتلال البلدة لدمشق بالربط بين إيران وبغداد؛ ما سيؤدي إلى إعادة تنشيط أحد خطوط إمدادات الطريق الرئيسة بين سوريا وإيران. ولهذا السبب؛ قررت أميركا والمقاتلون بالوكالة مهاجمة الجيش العربي السوري وتفجير قافلته عندما اقتربت من البلدة لاحتلالها.
فيما تعلّق التوجه الرئيس للقائه بأردوغان بالجهود المشتركة بين واشنطن والأكراد لدخول الرقة، على الرغم من أن القضية الكبرى لواشنطن هي الهجوم الخفي لإغلاق الحدود الشرقية مع العراق.
وتبقى الأزمة في امتلاك ترامب وأردوغان أفكارًا مختلفة بشأن دور الأكراد في الهجوم على سوريا، وفي الوقت ذاته، فإن ازدواجية واشنطن في نيتها لمواجهة الإرهاب توضّح أن الهجوم على الرقة ترك عمدًا طريقين مفتوحين جنوبي المدينة يربطان عاصمة تنظيم الدولة مع دير الزور، وهي المدينة الاستراتيجية التي تسيطر عليها قوات بشار؛ ويبدو أن النية في الرقة تتجه لنقل الإرهابيين إلى مدينة أخرى يسيطر عليها بشار حتى تستطيع الاستمرار في تدمير سوريا.
مناقشات غلق الحدود
وتزامنت الجولة في السعودية و”إسرائيل” مع التأكيدات المعتادة بشأن بيع الأسلحة مع المشروع الأميركي الجديد في سوريا للسيطرة المباشرة أو غير المباشرة على كل حدود الدولة. والهدف من ذلك غلق الحدود إلى الجنوب والجنوب الشرقي بقوات الجيش السوري الحر بقيادة الأردن، وكذلك غلق الحدود في الشمال والشمال الشرقي مع العراق وتركيا عبر القوات السورية الديمقراطية، أو الحل البديل وضع قوات تركية مرتبطة بجبهة النصرة؛ وما يتبقى بعد ذلك هو الحدود الغربية، التي تعتبر معقدة.
تسيطر قوات الجيش العربي السوري على الجنوب الغربي على الحدود مع الأردن. أما الجانب الآخر على هضبة الجولان، التي تحتلها “إسرائيل”، فإنها منطقة آمنة لإرهابيي تنظيم الدولة والقاعدة.
وفي الغرب، تقع أراضي البحر المتوسط في سيطرة الجيش العربي السوري، وكذلك الحدود مع لبنان. وأخيرًا، في الشمال الغربي، تقع الحدود مع تركيا في أيدي الإرهابيين الذين تدعمهم أنقرة، أو في أيدي الأكراد السوريين المتحالفين مع دمشق.
تحت وصاية أميركية
ومن الواضح أن هدف أميركا من المحادثات مع حلفائها إيجاد استراتيجية مشتركة تضمن مظهرًا من الانتصار في سوريا، مع قتال بشار ضد الإرهابيين؛ بفضل القوات المحررة، عبر اتفاقية الأستانة؛ فمن السهل أن نتوقع أن الحدود الأردنية والعراقية ستكون أهدافًا جذابة لدمشق، أما الحدود الشمالية التي يسيطر عليها الجيش التركي جزئيًا فإنها متوقفة الآن فيما يخص حرية الحركة، وسيُناقش وضعها في المفاوضات المستقبلية؛ ولكن من الصعب أن تغير أي جهود عسكرية الوضع الحالي.
وبالتالي؛ هدفت رحلة ترامب للشرق الأوسط إلى تعزيز بيع الأسلحة والثقة في أميركا كحليف للمنطقة، وتنظيم استراتيجية للوضع في سوريا.
وهناك نية وخطة لإنشاء حلف ناتو عربي لتنسيق الأحداث الرئيسة في المنطقة بطريقة أسهل من التي تدار بها الأمور حاليًا، وتريد الخطة توظيف كل الموارد المتاحة لمنع بشار من السيطرة على الحدود بين سوريا والعراق وسوريا والأردن؛ ما سيجمّد الوضع في سوريا بشكل فعّال. وترغب واشنطن في منع الوحدة بين سوريا وإيران والعراق وحزب الله، الذي قد يؤدي إلى إنشاء تحالف شيعي يناهض السعودية و”إسرائيل” وقطر وتركيا.
ومن المحتمل أن يبحث ترامب والسعودية وإسرائيل عن استراتيجية تبرّر للعالم العربي التحالف السعودي مع تل أبيب؛ ما قد يعطي لترامب الثقة أمام المجتمع الدولي. وأول شيء في هذه القائمة المفاوضات بين “إسرائيل” وفلسطين لحل الصراع التاريخي بين الطرفين؛ وإذا نجحت المفاوضات فمن المحتمل أن تقضي على جزء كبير من الانقسامات بين إسرائيل وجزء من العالم الإسلامي لمواجهة عدوهم المشترك، وهم الشيعة المتمثلون في إيران وحزب الله وسوريا.
وإذا تمكنت هذه الاستراتيجية من منع تزايد قوة إيران في المنطقة فإن أميركا تتوقع أن دولًا مثل تركيا والسعودية وقطر و”إسرائيل” والأردن ستعمل على تهميش خلافاتهم بشأن مستقبل المنطقة من أجل التوحد تحت وصاية أميركية.
ويكمن الحافز الكبير لترامب في تدخله في اتفاقية السلام بين فلسطين و”إسرائيل” لرغبتة في رؤية العالم له على أنه أعظم مفاوض، وهو ما سيساعده في بناء إرثه. ومن وجهة نظر السعودية، فإن وجود دور قيادي لأميركا أمر مرحب؛ خاصة بعد انتهاء عهد أوباما.
إضافة إلى ذلك، أثار تقارب الرياض مع بكين مخاوف بين صُنّاع السياسة الأميركية، الذين يرون أن دور البترول السعودي وأوبك هو الطريقة الوحيدة لمواصلة تأجيج حروبهم؛ بفضل الهيمنة الاقتصادية للدولار.
تحوّل منتظر
بالنسبة إلى “إسرائيل”، هذا التحول الأميركي كان منتظرًا؛ فلمدة سنوات كانت تعقد لقاءات واجتماعات سرية مع الرياض من أجل هدفهما المشترك في وقف الهيمنة الإيرانية، ومؤخرًا بدأت أميركا في مشاركتهما الهدف نفسه.
وهناك جانب آخر يجب أخذه في الاعتبار، وهو دور قطر، التي يراها عديدون داعمة للإخوان والفصائل الفلسطينية مثل حماس. ورغم حلّ مشاكل بين الدوحة والرياض، لا زالت هناك أزمات باقية؛ من أهمها الدور الأيديولوجي والصراع بين “الوهابية” السعودية والإخوان المسلمين.
وترغب واشنطن والرياض، بمباركة تل أبيب، في جمع كل معارضي طهران ودمشق تحت راية واحدة، وهي “الناتو العربي”؛ وبهذه الطريقة ستُعطى الفرصة الحقيقية للتنسيق بين الأطراف المختلفة للسيطرة على الحدود السورية، ويعتبر هذا الخيار الأخير المتبقي لفرض السيطرة على الأحداث في سوريا.
استراتيجية صعبة
أما الاستراتيجية الأخيرة لواشنطن، ورغم بساطتها؛ لكن يصعب تنفيذها، وهي عزل إيران؛ بمنع ظهور روابط بينها والبحر الأبيض المتوسط، وهو ما يرتبط بتصدير الغاز والبترول من طهران إلى أوروبا؛ في تناقض حاد مع خطة قطر لتصدير الغاز عبر العراق وسوريا إلى أوروبا. وبالإضافة إلى ممرات الطاقة وهيمنة المنطقة، هناك صورة أوسع يجب أخذها في الاعتبار.
ترغب بكين في إعادة بناء سوريا في نهاية الصراع، وهي الرغبة نفسها التي ستمتد إلى كل الدول التي تحتاج أموالًا وتمويلًا في السنوات التالية للحرب، وتكمن الفكرة الصينية في التدخل اقتصاديًا لتنشيط المنطقة بعد انتهاء الحروب؛ وهو ما سيحدث عاجلًا وليس آجلًا.
أما دور موسكو القيادي، من وجهة نظر عسكرية، يستمر في الامتداد عبر التعاون مع مصر وإيران. ويرى الجميع الوجود الكبير لروسيا في سوريا؛ ولكن في العراق هناك تنسيقًا مع موسكو فيما يخص مشاركة المعلومات، وهو التنسيق نفسه الذي يحدث مع مصر وليبيا. وتقدّم روسيا الأسلحة والمتخصصين لهذه الدول من أجل محاربة الإرهاب، وتستخدمها أيضًا كوسيلة لتوسيع الوجود الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
برؤية هذه التفاصيل ومعرفتها يسهل علينا توقع كيف ستنشر إيران نفوذها في الشرق الأوسط، مع وجود دعم اقتصادي من بكين ودعم عسكري من روسيا، ويواجه الثلاثي تحديًا قويًا في مقاومة التدخل الأجنبي الموالي لأميركا، بإنهاء الأزمة السورية بالجهود الدبلوماسية والعسكرية. وإذا تمكن الثلاثي من تحقيق خطتهم فإنهم بذلك سينهون أي جهود “وهابية إسرائيلية”.
ويرى عديدون أن سوريا والهلال الشيعي مقدر لهما الهيمنة على المنطقة بفضل التطورين الصناعي والأمني، وهو ما لم يتحقق حتى الآن؛ ولكنه سيتحقق قريبًا. وتعلم بكين وموسكو أنه من أجل تحقيق الاندماج الكامل للقارة الأوروبية والآسيوية مع جيرانهما في الشرق الأوسط وإيران وشمال إفريقيا هناك حاجة كبرى وأبعد من أزمات المنطقة، مثل تلك المنتشرة في سوريا وليبيا. وتحتاج المنطقة إلى مشروع يستطيع إحياء الدول الفقيرة والدولة المتأخرة من ناحية التعليم؛ وهذه العوامل رئيسة لتجنيد الإرهاب المتطرف.
تأثّر الدولار
يعتبر الدولار رمز المجال المالي الذي يغذي ماكينة الحرب الغربية. ويعتبر حلف الناتو العربي آخر محاولة دولٍ لتغيير الوضع في سوريا، ويعتبر التقارب بين بكين والرياض عاملًا هامًا يقلل من أهميته الغرب، وكذلك هو الحال في الحوار الروسي المثمر بين تركيا و”إسرائيل”. وفي الوقت الذي تعتبر فيه أنقرة وتل أبيب والرياض مركز استراتيجية واشنطن؛ إلا أن هذا التواصل مع بكين وموسكو يلفت إلى نقص في الثقة بين معارضي طهران ودمشق من نجاح الخطط الوهابية والإسرائيلية.
وبمجرد فشل جهود أميركا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فمن المتوقع أن يتأثر دور الدولار، ولن يعتمد بيع النفط عليه. ويعتبر الوضع الذي تواجهه أميركا أكثر تعقيدًا وسلبية مما يبدو عليه. إذا نجح الهلال الشيعي في السيطرة على المنطقة بحماية اقتصادية من بكين، عبر مبادرة “حزام واحد طريق واحد”، بجانب “طريق الحرير” البحري؛ فلن تقدر واشنطن على حماية حلفائها الذين يرغبون في إجراء حوارات مع نظرائهم من الصين وروسيا.
تدرك أميركا أن آخر محاولة يمكنها القيام بها في سوريا السيطرة على الرقة واحتلال الحدود بين سوريا والعراق وسوريا والأردن، وتعتمد كل المشاريع المستقبلية للتحالف الوهابي الإسرائيلي على النجاح العسكري لهذه الإجراءات.