رأى الكاتب حامد داباشي، أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة كولومبيا الأميركية، في مقاله المنشور على موقع الجزيرة الإنجليزية؛ أن فوز حسن روحاني بالانتخابات ضربة كبيرة للتيار الديني (الثيوقراطي) في البلاد، فيما أكد على ضرورة عدم تجاهل الطبقة الفقيرة مع اتجاه البلاد إلى تبني سياسة اقتصادية نيوليبرالية.
وقال الكاتب: “في استعراض مذهل للإرادة الديمقراطية للأمة ضد المؤسسات الثيوقراطية الراسخة للدولة، صوتت الأغلبية الساحقة من الإيرانيين لصالح حسن روحاني للبقاء في منصبه لمواصلة التحول الكبير في الجمهورية الإسلامية التي تمثل معقلا أيديولوجيا عميقا من الإسلاموية المتشددة إلى حجر زاوية إقليمي رئيسي لـ”النيوليبرالية الاقتصادية”..
وأضاف: “إطار وشكل الجمهورية الإسلامية سيبقى إلى حد كبير نفس الإطار الحالي، ولكن ستتم عملية زحف بطيء داخل هذا الإطار والشكل من الداخل إلى الخارج لكي يتحول إلى جسم أجوف، ولا يعد ذلك ثورة أو إصلاحا بل تحولا”.
واستطرد قايلا: ‘نعم، عندما يذهب الزعيم الحالي آية الله خامنئي لمقابلة خالقه والإجابة عن خطاياه في يوم من الأيام، قد ينجح رجل دين آخر كمرشد أعلى، لكنه لن يكون سوى قطعة من الظل الكاريزمي الذي تركه الخميني خلفه، وبعد الخميني سيتبقى خيال محارب ثوري زاهد.
ووصل إجمالي الناخبين الذين يحق لهم التصويت إلى 65 مليون مواطن من إجمالي 80 مليون مواطن، ذهب منهم 70% منهم، أي حوالي 41 مليون ايراني، إلى مراكز الاقتراع، وقضوا ساعات لا حصر لها في الصفوف، وصوتوا بشكل مذهل يظهر الإرادة الديمقراطية من وجهة نظر أولئك الذين لا يأخذون الحكم الثيوقراطي على محمل الجد، ومن مجموع الأصوات المدلى بها، صوت أكثر من 23 مليونا لصالح “روحاني “و 15 مليون لمنافسه المحافظ إبراهيم رئيسي”، بحسب الكاتب.
واستمر الكاتب في مقاله قائلا: “ولكن هذه الإرادة الديموقراطية ستختبر الآن ضد الصعاب الضخمة التي تواجه روحاني وحكومته، ويرجع ذلك جزئيا إلى الكونجرس الأميركي الغادر، و”إسرائيل” واقتصاد قائم على الغاز والنفط يعاني من أزمات فيما لم يتمكن “روحاني” من ترجمة نجاحه في التفاوض مع مجموعة 5 + 1 حول البرنامج النووي إلى مكاسب اقتصادية ملموسة للطبقة الوسطى.
ولا يعتبردونالد ترامب، في الوقت نفسه، دعامة للثقة والاستقرار لمستقبل العلاقات الأميركية مع إيران، ويترجم حرصه على بيع المزيد من الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية واسترضاء “الإسرائيليين” ومؤيديهم أمثال الملياردير “شيلدون أديلسون” إلى وضع المزيد من العقبات المالية أمام رئاسة روحاني، لكن الوجود القوي لإيران في العراق وسوريا ولبنان هو أيضا عامل حاسم لنجاح الولايات المتحدة وهدفها المعلن لمحاربة تنظيم الدولة.
ولكن خارج الولايات المتحدة وروسيا والصين، فإن إيران لديها قضايا إقليمية أكثر إلحاحا تتحدى نجاح روحاني ; فوجود إيران حالياً الآن مترسخ في الجغرافيا السياسية لمنطقة لا تنكمش فيها دولة رئيسية واحدة إلى داخل حدودها الإقليمية، وتتدخل جميع القوى الإقليمية مثل تركيا والسعودية، وبالتأكيد إيران، في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، ولن يكون لانتخابات روحاني تأثير يذكر على الجغرافيا السياسية الإقليمية، ولكن الجغرافيا السياسية الإقليمية سيكون لها تأثير خطير على رئاسة روحاني.
وكلما كان “روحاني” أكثر نشاطا على الصعيد العالمي لدعوة الاستثمار الأجنبي وتخفيف حدة التوترات في المنطقة، فهو بذلك سيزيد من قوته في الداخل.
إن انتصار روحاني هو انتصار لطبقة وسطى قوية تغلبت على الفكرة الأيديولوجية لثيوقراطية عفا عنها الزمن ،وإذا كانت الجمهورية الإسلامية ترغب في البقاء في الليبرالية الجديدة، فإنها تحتاج إلى توفير مساحة أكبر للطبقة المتوسطة التي لا تهدأ، ويعد الانتصاران المتعاقبان لروحاني على منافسيه في عام 2013 و 2017 هما إشارة إلى وجود طبقة متويطة قائمة على أساس عالمي من شأنها أن تبعد الثيوقراطية بعيداً عن اللعبة الديمقراطية.
وبالنسبة للجيل الأصغر فإن تعصب اليسار القديم الذي قاطع هذه الانتخابات أمر غريب مشابه لتعصب رجال الدين الحاكمين للبلاد، وترك هذا الجيل كل هذه الأضداد القطبية وراءه وتحرك إلى الأمام ليرتمي في أحضان النيوليبرالية .
وفي حال حرمان الفقراء مع اتجاه الدول إلى تطبيق النيوليبرالية الجديدة، فإن ذلك سيزيد من أعداد أولئك الذين لا يجدون مكان بناسبهم في السوق الجديد الموسع، وسيتجمع هؤلاء الغاضبون حول نسخة إيرانية أكثر رعباً من ترامب.
وكان لدى إيران بالفعل هاجس من هذا الدجال المستقبلي المخيف في شكل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ويجب التخفيف من آثار النيوليبرالية الجديدة مع إيلاء اهتمام دقيق للمصير الهش للفقراء في المناطق الريفية والحضرية، لأن أحمدي نجاد الأصغر سنا والأكثر طموحاً دائما، يكمن في الظلام، وقد يسيء استغلال غضب هؤلاء الفقراء المشروع ليحدث كارثة مشابهة لما يعيشه الأميركيون الآن في ظل حكم دونالد ترامب.