نشرت صحيفة “ميدل إيست آي” مقالًا للصحفي عمر خليفة تحدّث فيه عن الإمبراطورية الاقتصادية للجيش في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر.
وإلى نص المقال:
خلال السنوات السابقة أجريت مقابلات مع المدنيين من سيناء، وقالوا إن من يجب عليهم حمايتهم قتلوهم. وفي 19 أبريل الماضي، نشرت قناة “مكملين”، التابعة للإخوان المسلمين، مقطعًا لقتل الجنود المصريين للمدنيين بدم بارد.
وفي الأيام التالية، قالت وسائل إعلام ومنظمات حقوق إنسان إن المقتولين ظهروا في منشور تابع للصفحة الرسمية للمتحدث باسم القوات المسلحة في ديسمبر الماضي زعم فيه أنهم إرهابيون قُتلوا في عملية تبادل إطلاق نار مع الجيش في شمال سيناء، ويعتبر هذا الفيديو الجزء المرئي الوحيد من انتهاكات الجيش ضد المدنيين.
وبدلًا من حماية الجيش للمدنيين، التي تعد من واجباته؛ إلا أنه الآن متهم بالتربح بمليارات الدولارات من الهيمنة الاقتصادية.
ويعيش معظم قيادات الجيش في رفاهية؛ إذ يستفادون من اقتصاد الدولة في الوقت الذي يقبع فيه عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، وهكذا يعتبر وجود الجيش ضروريًا لنفسه وليس للشعب.
ومن خلال الفترة الماضية رأينا أن الجيش هو من يحدد دور الرئيس، ويرى السيسي أنه من أجل ضمان استقرار الدولة يجب عليه وضع قبضة القوات المسلحة على الاقتصاد؛ بسبب دعمهم له أولًا، وبسبب ما اعتبره “كفاءة لا مثيل لها” ثانيًا.
وقد تكون هذه التكتيكات سببًا في سقوطه، حيث قالت الخبيرة في الشأن المصري بمؤسسة كارينجي للسلام الوطني “ميشيل دون” إن الحكومة المصرية تتبنى سياسات ستؤدي إلى عدم الإستقرار، مضيفة أن الدولة تصارع، ويمكن أن تدخل مرحلة من الاضطرابات.
وبالطبع فإن السيسي يعرف أن سياساته تُسبب حالة من الغضب؛ ففي خطاب غير رسمي له هذا الأسبوع قال إنه على علم بغضب الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع الأسعار، مضيفًا أنه سيرحل إذا شعر أنه سبب في ذلك، وبعدها بيوم تصدّر هاشتاج “لا نريد السيسي” على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
وعلى الرغم من أن السيسي المتسبب في فوضى الاقتصاد؛ فإنه ألقى باللوم على القادة السابقين الذين افتقدوا الشجاعة وفشلوا في بدء الإصلاحات الضرورية، وفق ما قاله. وفي الشهر الماضي، مع استمرار الانهيار الاقتصادي، وصل مستوى التضخم إلى 30.9% للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود.
روابط محذوفة
وإذا كان السيسي المشتبه فيه الأول في الانهيار الاقتصادي الذي تشهده مصر؛ إلا أن الجيش يعتبر المشتبه فيه الثاني.
وتعتبر القوات المسلحة الحارس الأساسي للاقتصاد المصري، ولمعرفة الأزمة يجب أن نعرف ما يحدث وراء الكواليس؛ ولكن الجيش لا يتيح ذلك أبدًا.
في 2012، في مناخ سياسي جيد جاء بسبب الثورة، أُجبر الجيش على الكشف عن الأرقام؛ وأظهرت أن عوائد المشروعات التي يسيطر عليها وصلت إلى 198 مليون دولار.
ولكن هذا الرقم أيضًا اعتبره البعض غير صحيح؛ حيث وصلت العوائد في السنة المالية 2009-2010 إلى 345 مليون دولار، حسبما قال وزير الإنتاج الحربي السابق سيد مشعل.
ومن الواضح أن الأرقام التي تم الإعلان عنها أقل بكثير من الرقم الحقيقي؛ ولكن كيف يمكن للباحثين والمحللين أن يصلوا إلى الرقم الحقيقي؟ غالبًا تفشل محاولات الوصول إلى معلومات بهذا الصدد؛ حيث إن أي روابط أو صفحات متعلقة بهذا الشأن تجدها محذوفة، وإذا لم يوجد للجيش شيء يخفيه فلماذا نجد روابط محذوفة؟
شركاء التوسّع
منذ عهد جمال عبدالناصر توسّع الجيش ليصبح الأول في تقديم الخدمات؛ مما يجعل الاقتصاد يعتمد عليه. أما السادات فتراجع قليلًا عن السير على هذا النموذج، وأعاده مبارك مرة أخرى ليضمن ولاء الجيش وتغاضيهم عن توريثه الحكم لابنه جمال مبارك.
وتسبب ذلك -في النهاية- في إسقاطه، وتحت حكم السيسي توسّعت هذه السياسة مرة أخرى بشكل أكبر، وأصبح الجيش يقود تقديم الخدمات.
وتعتبر قناة السويس الجديدة، التي أثبتت فشلها وفقًا لتقديرات عديدة، واحدًا ضمن المشاريع العديدة التي تم تسليمها للجيش، الذي تمتد أعماله إلى تعبئة المياه والمخابز ومحطات الوقود والأراضي والفنادق وغيرها.
ومن أهم الموارد التي ساهمت في إمبراطورية الجيش الاقتصادية في صناعات مثل تغليف المواد الغذائية ومصانع الصلب، ومصانع مستحضرات الصيدليات، هو وجود عمالة رخيصة متكونة من أكثر من 500 ألف مُجنّد.
ومثلما فعل مبارك بوضع علاء وجمال مبارك على رأس عشيرته، كشريكين له، للقيام بالمشاريع؛ فإن الجيش يتمتع بالمزايا نفسها في عهد السيسي.
ومع الاحتكار الظاهري لعديد من الشركات الهامة وإخفاء الفساد، فإن ذلك يعد إجابة عن وجود أزمة في الاقتصاد؛ إذ لا تستطيع الشركات الخاصة منافسة هذا الاحتكار.
انهيار وثورة ثانية
عندما خرج المصريون في 2011 لم يكن للاحتجاج على مبارك فقط، ولكن رأى ملاحظون أنه كان احتجاجًا على حكم الجيش للدولة. ولضمان نجاح الثورة كان يجب إحداث تغييرات هيكلية لتهميش دور الجيش من ناحيتي الاقتصاد والسياسة.
ومنذ هذه الأيام العظيمة للثورة الشعبية قاد الجيش ثورة مضادة هدفها السيطرة التامة على الاقتصاد والسياسة، مدفوعًا بالمصالح الشخصية لنخبة فرعية.
ولكن، لم يتعلم الجيش من التاريخ؛ حيث يمكن أن تقود المكاسب على المديين القصير والمتوسط إلى خسارة على المدى الطويل، ويمكن للهيمنة الاقتصادية والسياسية الظالمة أن تقود في النهاية إلى ثورة ثانية.
بعد الثورة بثلاثة أيام، حذّرتُ من أن الأشخاص الذين يسيطرون على خُمس الاقتصاد لن يذهبوا بهدوء وسيسعون إلى قمع أي محاولات مؤسسية ودستورية للتخلص من السيطرة على الاقتصاد.
إذا كان ما قلته يعتبر تنبؤًا؛ تشير تنبؤات المحللين للاقتصاد العسكري لما يحدث حاليًا إلى عدم الاستقرار للموجودين في السلطة، وإذا استمر الجيش بكونه دولة داخل دولة، واتجه إلى الاهتمام بالأموال بدلًا من الدفاع عن الشعب؛ سيؤدي ذلك إلى انهيار الدولة التي يدّعي أنه يحميها.
وبغض النظر عما سيحدث، يجب أن نتذكر دومًا جملة الجنرال المسؤول عن أموال الاقتصاد العسكري؛ حيث قال إن الإمبراطورية الاقتصادية للجيش جاءت من عَرَقِهم وسيحمونها بدمائهم.