تأكدوا أنه يمثل تهديدا لمصالحهم المتشعبة بتوجهاته السلمية و رغبته في التعايش مع الإتحاد السوفيتي بل و التعاون معه في المجال الفضائي . كان هناك آلة رهيبة يرتبط عملها باستمرار الحرب و كان يمثل عائقا أمام عملها بتوجهاته السلمية . ,فلم يكن يدع حربا تشتعل و كان هذا يصيب البضائع بالركود . ليس هذا فحسب و إنما كان ينحي المؤسسة العسكرية عن المشهد , فكيف يكتسب أصحاب السلاح مكانتهم إن لم يكن هناك حرب . شعرت شبكة السلاح الذي تقود هيئة الأركان حملته و يحميه كهنة المخابرات و يصنعه مجمع هائل للصناعات العسكرية بالخطر يهدد حياتهم الطبيعية القائمة على الصراع بين القوتين العظميين . و بما أنها آلة فهي صماء قاسية لا تفكر و لا تعرف إلا الوصول لهدفها و إتمام عملها و الأهم أنها تسحق أي عائق يوضع أمامها , لذا فقد صدر قرار بسيط بأن كينيدي يستحق الموت . تم تنفيذ القرار في 22 نوفمبر عام 1963 و قتل كينيدي أثناء زيارته لمدينة دالاس تم تلفيق القضية للي هارفي أوزولد الذي قتل قبل أن تتم محاكمته . تم تكوين لجنة وارن من قبل الكونجرس للتحقيق في القضية و قد توصلت في النهاية إلى نفس النتيجة المطلوبة .. لقد قتله أوزولد رغم أن جانب صغير من عملية الإغتيال و هو زاوية إنطلاق الرصاصة القاتلة التي أصابت كينيدي في الرأس لا علاقة له بمكان القبض على أوزولد . المهم أنهم غطوا جميع الأدلة سيطروا على كل الشهود و كان الأمر متقنا … من "هم " ؟ لم يثبت الأمر رسميا أو قضائيا إلى الآن و لكن هناك نظرية معتبرة جدا تتهم مجتمع الإستخبارات الأمريكية العسكرية و المركزية . و هذه النظرية تبدو قوية بالنظر إلى الخلافات التي كانت تنشأ بين كينيدي الذي أراد إنهاء الحرب في فيتنام و قاوم كل محاولة لغزو كوبا و الطرف الآخر المتمثل في المؤسسة العسكرية و المجمع الصناعي العسكري . قتل كينيدي و تولى جونسون نائبه الرئاسة مؤقتا .. لم يتم سحب القوات من فيتنام و إستمرت الآلة الرهيبة في عملها .
إرتبطت دائما قضايا إغتيال الشخصيات العامة بنظرية المؤامرة , عندنا قضية إغتيال السادات مثلا التي يصر البعض حتى الآن أن العملية تمت بتواطؤ من داخل الجيش لإستحالة دخول ذخيرة حية إلى العرض دون هذا التواطؤ . لكن قضيتنا تمتلك عدة أدلة حقيقية على تورط أجهزة المخابرات الأمريكية في عملية الإغتيال . إن إمتلاك أجهزة الإستخبارات و المؤسسة العسكرية للسلاح و إمكانية العمل السري المنظم و النفوذ بإعتبارهم حماة الامن القومي للدولة إذا لم يقترن بقاعدة أخاقية متينة و إنتماء حقيقي للوطن دون أي مصالح شخصية يجعلهم بالفعل كائنات خطيرة . حين تضع هذه المؤسسات نفسها في موقع الوصي على الشعب و مقدراته سواء بدافع وطني باعتبارهم الأقدر على تحديد المصالح العليا و تحقيقها أو بدافع شخصي لتحقيق منافع ذاتية فإنها لا تتورع عن إستعمال إمكانيات القوة لديها من سلاح و غيرها لتحقيق أهدافها . و المفارقة أن مصدر هذه الإمكانيات هو الشعب نفسه الذي تعمل هذه المؤسسات في أغلب الأحيان ضد إرادته لكن المسلح إذا فقد الأخلاق فلن يلتفت إلى الإعتبارات الأخلاقية . و هي لا تتورع عن إزاحة أي شخص عن طريقها حتى و لو كان رأس الشرعية في الدولة فدائما ستجد القانون المعوج و رجاله الفاسدون و الإعلام الموجه الذي يغطي الجريمة أمام الشعب الساذج سهل الخداع , و نحن نرى كيف تستخدم هذه الأدوات نفسها في مصر لإلغاء إرادة الشعب و إجهاض ثورته .و إن كانت هذه الأجهزة لم تمنعها الديموقراطية الراسة في الولايات المتحدة ن إرتكاب الجرائم فإن أجهزتنا التي إعتادت كونها الحاكم الوحيد في مصر طوال الأعوام الماضية سوف تقاتل بالتأكيد للحفاظ على مكانتها و إمكانيتها .
و بالتالي لا يجب أن يسمح أبدا بوجود عناصر النظام القديم في المواقع القيادية داخل مؤسسات السلاح و العمل السري , التطهير في حقها فرض و إلا صارت تهديدا خطيرا لمسيرة الثورة . لا يجوز أن يسمح لمن عرف عنه الفساد و العمل لمصالحه الشخصية أن يستخدم إمكانيات هذه الأجهزة لفرض نفسه على الشعب المصري و الدولة المصرية . إن إمكانيات هذه المؤسسات و قوتها إنما هي ملك للشعب المصري و بالتالي لا تستخدم إلا لتحقيق إرادة الشعب المصري . و بناء أساس جديد بتربية الضباط الصغار و هم طلاب في الكليات العسكرية على الوطنية الحقيقية و التجرد لحماية الأمن القومي المصري دون إعتبار موقعه في هذه المؤسسات ميزة أو مدخلا لتحقيق النفوذ . يجب أن ينشأ الطالب منذ البداية على أنه يتدرب ليقدم خدمة الأمن القومي للسشعب المصري و ليس لإكتساب مهارات يصبح بها فوق أفراد هذا الشعب العاديين و يجب أن تكون التربية الإسلامية التي تبني خوف العبد من ربه إذا قصر في تأدية واجبه أو ظلم أحدا بإستخدام قدراته ركنا أصيلا في التنشئة التي تنتج ضابطا صالحا للعمل في هذه المؤسسات . إن القانون الدقيق و الرقابة المدنية الصارمة و الإختيار لمن يحمل السلاح تابعا للدولة أدوات أساسية لإصلاح الدولة العميقة في مصر حتى تصبح نسيجا يحفظ الدولة و لا يسعى للإستيلاء عليها . إن ثورتنا الآن في مواجهة الدولة العميقة السرية و المسلحة و لكننا إستطعنا أن نوصل لرأسها رجلا منا فيجب عليه أن يستخدم الأدوات المتاحة لإصلاحها و وضع القواعد الجديدة لإعادة بناءها على أسس صحيحة . التطهير الآني و إختيار العناصر الصالحة لملأ الفراغ ووضع قواعد تنشئة الكوادر المستقبلية ثلاث أسس تنبني عليها الدولة العميقة في مصر بعد الثورة , و على الرئيس أن يراجع قصة كنيدي … و يسرع
المصدر: رصد