وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب التحية إلى ضابط البحرية “رايان أوينز” الذي قتل في غارة في اليمن أمر بها ترامب، وذلك أثناء إلقائه خطابًا في مجلس النواب الأميركي الثلاثاء. وفي أثناء ذلك، ركزت الكاميرات على “كارين” زوجة الضابط لحوالي أربع دقائق كاملة أثناء جلوسها بجانب ابنة ترامب التي واستها؛ بينما وقف الحاضرون في تصفيق حاد ومستمر مع استمرار ترامب في عباراته التي احتوت على الإشادة بتضحية زوجها.
واعتبر المتابعون هذا المشهد هو اللحظة التي أصبح فيها ترامب رئيسًا لأميركا. في الوقت نفسه، خشيت وسائل الإعلام الحليفة لترامب من أن تفيد هذه اللحظة الرئيس الأميركي، وبدؤوا في اتهامه بترتيب هذه اللحظات واستغلال زوجة الضابط لمنافعه السياسية.
في الوقت الذي توجد فيه بعض الحقائق في ادعائهم بأن ترامب يستخدم معاناة جنوده لمصالحه؛ إلا أن هذا المشهد تكرر عديدًا من المرات، وفق ما قالته صحيفة “إنترسبت”؛ حيث إنه يعد أمرًا شائعًا لرؤساء أميركا، واستخدمَ أوباما من قبل قصصًا لتضحيات الجنود في خطاباته السياسية، مثلما حدث في خطابه في 2014، وكذلك فعل بوش في 2007.
وتعتبر الطريقة التي يتم بها استغلال هذه المشاعر تركز بشدة على جوانب هامة من الحرب الدعائية بشكل عام.
الغارة، التي قُتل فيها “أوينز”، قتل فيها أيضًا حوالي 30 مدنيًا، منهم على الأقل تسعة أطفال لم يتم ذكر أيّ منهم في خطاب ترامب بسبب كونهم يمنيين؛ وبالتالي فإن حياتهم وموتهم يجب تجاهلها وفق منظوره.
وقالت صحيفة “إنترسبت” إن هذا يعد أمرًا طبيعيًا في الحرب الإعلامية الأميركية؛ حيث يتم التركيز على الموتى من أميركا وحياتهم ومحنة أسرهم، ولكن يتم تجاهل المدنيين الأبرياء الذين تقتلهم الحكومة الأميركية ويُعدّون أكثر من القتلى الأميركيين، مثلما حدث في حرب فيتنام؛ حيث يوجد نصب تذكاري في واشنطن لـ58 ألف أميركي في الوقت الذي قُتل فيه حوالي مليوني فيتنامي، ولا يعلم الغالبية العظمى من الأميركيين على الأقل اسم واحدٍ من القتلى المئات -بل الآلاف- الذين قتلتهم الحكومة الأميركية على مدار 15 عامًا.
وأضافت الصحيفة أن هذا لا يعني أن التركيز على ضحايا الجانب الأميركي وتجاهل الأبرياء من الجانب الآخر هو أمر جديد على أميركا.
ولا تعتبر هذه ظاهرة أميركية فقط؛ حيث ركز الإعلام الكندي على قصة جنديين كنديين قتلا في هجمتين ثم تحدث رئيس الوزراء الكندي حينها “ستيفن هاربر” عنهما، على الرغم من أن معظم الشعب الكندي لا يعلم اسم أي شخص من ضحايا حكومتهم خلال 15 عامًا.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه تعتبر أداة من أدوات حرب الإعلام؛ حيث يتم تحويل مقتل الأميركيين إلى موقف درامي، بينما يتم إخفاء أي شيء عن الضحايا الآخرين؛ لتأكيد إحساس شعبها بكونهم ضحايا للرعب والعنف ولكن عدم الشعور بكونهم معتدين، وهو ما يجعلهم يستمرون في دعمهم للحرب غير المنتهية ويتسامحون مع القتل المستمر للمدنيين عندما يتم إخفاء معاناة أسرهم.
رد الفعل على لحظة “أوينز” كان رائعًا؛ بسبب تصادم ازدراء الإعلام لترامب مع ما يخص الحرب الأميركية. في عديد من الحالات، التعاطف مع الجنود ينتصر على حالة الازدراء؛ وما يعتبر أكثر إثارة هو طريقة كشف هذا لطريقة تفكير الأميركيين بشأن الحرب، وهو ما يجعل الأمر سهلًا على الطبقة السياسية لمواصلة الحروب التى لا تنتهي وتصعيدها.