يعاني كثير من المعتقلين الموت البطيء والتعذيب المادي والمعنوي الممنهج، وأصيب الكثير منهم بأمراض مزمنة في ظل الإهمال الطبي والتعنت من قبل إدارات السجون..
هناك روايات مفزعة لحالات إنسانية حدث في حقها انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان منها من رأى النور وكثير منها مازالت مع صاحبها في طي الكتمان لترى النور في الوقت المناسب.
أقدم إليكم رواية لشاب مصري ورحلته مع الموت البطيء والقتل الممنهج الذي تم ممارسته ضده خلال أربعة سنوات من الاعتقال، وأترك إليكم صاحبها يرويها بنفسه كما وصلت إليّ..
أنا خليل أسامة محمد العقيد والشهير بـ(عمرو العقيد) والذي كانت قضيته في يوم من الأيام الأولى في مصر بسبب الإعلام “الظالم”، اُعتقلت في 15 / 12 / 2012 م وإلى اليوم لم أرى الحرية، اعتقلت في عهد الدكتور محمد مرسي، اعتقلت وثورة يناير تحكم، اعتقلت والثوار ينادون في الشارع “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية” وفي ذلك الوقت كنت في زنزانة “مترx متر” لي رغيف من الخبر كل يومين.
أما العدالة فحدث ولا حرج داخل السجون، اُعتقلت قبل الانقلاب العسكري بستة أشهر لأصبح بذلك أقدم معتقل في مصر بعد ثورة يناير، حين تم القبض عليّ أخذوني إلى قسم شرطة التجمع حيث كان في انتظاري رتب كتيرة وطبعًا استقبلوني استقبال يليق بهم وهو السب واللعن والضرب والإهانة، من رتبة عميد فأقل، وذلك قبل العرض على النيابة.
حدث ذلك في عهد الدكتور مرسي، وكان أول سؤال وجه إلى من العميد بينما أقف بين ضباط ومخبرين طول بعرض “اسمك إيه يا رووح أمك”، رفضت الرد عليه لأني ظننت أن حالنا تغير وأصبح هناك عدل وكرامة إنسانية واحترام للإنسان أيًا كانت تهمته، لكن من رد عليه ضباط ومخبرين، ليس بلسانهم ولكن بأيديهم عليّ أنا، أدركت بعدها أن مبارك مازال يحكم.
وُجه إلي كثير من التهم وأنا رفضت الإجابة، ثم بدأوا بالاعتداء علي بالضرب لأعترف على أشياء لم أفعلها، بعدها أنزلوني الحبس بغرفة “4×4 ” متر بها أكثر من أربعين فرد من كل الجرائم وذلك بعد تجريدي من كل شيء، نمت هذه الليلة واقفًا، حتى حضرت الترحيلة في الصباح وتم عرضي على النيابة ووجهت لي تهمة حيازة سلاح بدون ترخيص، بينما في الحقيقة كان السلاح مرخص، ثم تم تجديد حبسي أربعة أيام على ذمة التحقيق ظلمًا وزورًا، عدت بعدها للقبر في قسم شرطة التجمع الأول، وبعد ساعتين من دخولي القسم تقريبًا في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حضرت ترحيلة مكونة من أعداد كبيرة من ضباط القوات الخاصة أخذوني إلى سجن طرة استقبال، وحين وصلنا السجن كان لزامًا على سيادة الرائد وسيادة النقيب أن يستعرضو قوتهم عليّ، حيث رفع كل منهم هاتفه وبدأت حفلة التصوير وهما رافعين علامة النصر، كأنهم نجحوا في اعتقال جاسوس إسرائيلي، وذلك بسبب “الزفة الإعلامية” التي شهرت بي أثناء اعتقالي، ودخلت طرة استقبال وأول ضابط قابلته كان برتبة عقيد قال لي نصًا ( أهلًا انت شرفت متقلقش مش هتكون لوحدك، بكرة حنجبلك مرسي وخيرت)، بينما أتى ضابط تاني من الترحيلات وقال لي ( متزعلش الباشا غِلط، مش مرسي وخيرت بس، كل الخرفان هيتحبسوا وبكرة تشوف بنفسك ووحياة أمك ما انت خارج من السجن إلا على ضهرك).
بعدها تم تجريدي من ملابسي ولبست بدلة ميري ممزقة ودخلت زنزانة متر في مترين، وأنا داخل الزنزانة طلبت من المخبر بطانية لأن الجو بارد، قال لي نصًا ( خلي مرسي يجيبلك، وأحمد ربنا إنك داخل بالبدلة اللي على جسمك)، وما كان يجعلني صابرًا هو أني نسيت أن الدكتور مرسي رئيس وتخيلت أن مبارك مازال يحكم، بعد ثلاثة أيام نزلت عرض نيابة وتم منع الطعام عني عدة أيام وفي العودة من النيابة بدأت حفلات التعذيب المعنوي والنفسي والجسدي حيث أني لا أدخل على المباحث إلا حافي القدمين وممنوع النظر في عين أي ضابط أتحدث معاه وكانوا يقولون لي أنت عندنا مش مسجون أنت أسير لأنك فلسطيني مش مصري، ويوم إقالة وزير الداخلية أحمد جمال الدين جاء إليّ تفتيش في الزنزانة قام أحد المخبرين بوضع وجهي في الحائط وقام بوضع سلاح أبيض على عنقي كنوع من أنواع استعراض القوة وقال لي بالنص ( انا ممكن أشيل رقبتك مكان وزير الداخلية بس أنا هطلع أجدع من رئيسك وهسيبك تتعلق على الحبل أحسن).
ولما فرض الدكتور مرسي حظر التجول في محافظات القناة فرضت عليّ المباحث حظر التجول في السجن والذي كان عشر دقائق تريض في مساحة متر في 3 متر، وقال لي أحد الضباط ( لما مرسي بتاعك يفك حظر التجول هنفتح عليك)، وللعلم انتهى الحظر في محافظات القناة ولم يتم الفتح عليّ، وللأسف كل قرار كان يأخذه الدكتور مرسي يتم أخذ قرار ضدي وكأني صاحب القرار، وذلك بسبب الإعلام اللي أوهم كثير من الناس منهم ضباط الشرطة أني حارس محمد مرسي وخيرت الشاطر وكل قيادات الإخوان، وأني ليس مصري بل فلسطيني الجنسية مدرب لدى حماس وجئت إلى مصر لإنشاء الحرس الثوري المصري لحماية الدكتور مرسي.
وحينما أرادوا تغيير أشكال وأنواع التعذيب نقلوني في زنزانة 3×4 بها أكثر من ثلاثين جنائي من مختلف الجرائم وكان زعيمهم معه تكليف من المباحث بتعذيبي، بدأت بالتدخين المستمر ثم المنع من النوم ثم عدم دخول الحمام، وهناك المزيد لن أذكره الآن.
قضيت الليل واقفًا وفي الصباح غيروا طريقة التعذيب قاموا بنقلي إلى زنزانة بها عدد من رموز االحزب الوطني وقائد البلطجية في موقعة الجمل وذلك لخدمتهم وغسيل ملابسهم وترتيب اماكن النوم لهم وخرجت من الزنزانة بعد ساعة من دخولها للأسباب لن اذكرها الان.
بعدها تم نقلي من سجن طرة استقبال إلى سجنًا أخر وحُكم عليّ بالسجن لمدة عام، كانت القضية قانونا سنة مع الإيقاف لأن السلاح كان مرخص ولكن القاضي قال القضية لها حيز إعلامي كبير فلابد أن يتم الحكم عليك، وذلك بسبب الإعلام، مع العلم أن في الوقت نفسه خرج أحمد عرفة وهو متهم بحيازة سلاح ألي وكان الممثل المعروف محمد رمضان متهم بنفس التهمة ولم يقضي ليلة واحدة في الحبس، وأذكر أني متهم بحراسة الدكتور محمد مرسي وهم خرجوا وأنا لم أخرج، وبقيت لست مدركًا من حارس ومن محبوس.
قضيت السنة وقبل الخروج بيومين وبعد فض اعتصام رابعة في عهد عدلي منصور فوجئت بقضية جديدة اسمها التخابر مع حماس وحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وأثناء التحقيق قال لي وكيل النيابة ( مكان التحقيق بتاعك مش هنا اللي زيك ليهم أماكن نعرف نخرج منهم المعلومة) وقام بتهديدي هو ومأمور السجن بعد رفض التوقيع على المحضر.
ثم نقلت إلى سجن العقرب ودخلت زنزانة انفرادية ومن هنا بدأ الصداع النصفي في ازدياد بسبب الإهمال الطبي في سجن العقرب، وبدأت محاولات عديدة لتصفيتي جسديا بدءًا من منع العلاج عني وانتهاءًا بطعن بسلاح أبيض من قبل أحد ضباط المباحث أدت إلى إصابات بالغة في ذراعي الأيمن مما تسبب ذلك في عاهة مستديمة وقمت برفع قضية أمام نفس القاضي الذي كان يحاكمني في قضية التخابر، ولكن ليتني لم أرفعهان لأن النيابة جاءت لي بالسجن وقال لي وكيل النيابة بالنص (عاوزين نقفل القضية يا خليل ولا أعملك قضية هروب من السجن)، رفضت إغلاق القضية وبالفعل تم عمل قضية هروب من السجن وزيادة بلاغ كاذب عليها، تم الحكم ببرائتي فيها، لكن بعدها تم نقلي إلى H2 داخل العقرب وهو أشد خطورة وبدأت حملة التجريدات على العقرب وبدأ معها الصداع النصفي يتزايد والتدهور الصحي في استمرار حيث منعت المباحث عنا العلاج والطعام حتى المياه، كانت لا تأتي إلا ساعة واحدة في اليوم والتريض وصل لـ 10 دقايق والوضع من سيء لأسوأ إلى أن تم اغتيال النائب العام.
كان هذا في شهر رمضان وبدأت حملة شديدة وعنيفة على العقرب جردوا فيها كل شيء، منعوا الأكل الميري يدخل في الزنازين وكان التفتيش في اليوم ثلاث مرات، كانت تأتينا وجبة واحدة في رمضان وكان كل 6 أفراد يقرأوا في مصحف واحد، وصل الحال بنا أننا أكلنا قشر البيض،أما عن العلاج فمُنع تمامًا وبهذا المنع مات فريد إسماعيل والشيخ مرجان والشيخ نبيل المغربي والدكتور عصام دربالة وحالات المرض لا تعد.
عشت الموت البطيء بنفسي وكنت أنتظر متى سيأتي دوري، وبعد ذلك قاموا بنزع كل شيء كان يحمينا من الحشرات السامة، وتفننوا في التعذيب و قاموا بسد المجاري وذلك ليس من أجل الريحة الكريهة، بل لأجل الناموس والأمراض، وفعلا نجحوا في شيء واحد وهو منعنا من صلاة التراويح لعدم استطاعتنا الإطالة بسبب الناموس، ووصل بي الحال أني في ليلة واحدة “فتكت” 1800 ناموسة وانتشر المرض بيننا وانهارت الأجساد وأصبحنا نتمنى الموت ولم نجده.
لم يكتفوا بذلك بل قاموا بتعذيب كبار السن وجعلوهم ينزلون على ركبهم ووجوهم في الحيط ومنهم من زحفوا في المجاري إلى أن تعدى التعذيب الخطوط الحمراء، قامت المباحث باقتحام جناح التأديب في h4 وأخرجوا بعض المعتقلين من زنازينهم وطلبوا منهم يهتفوا بإسم السيسي، وحين رفض المعتقلين وضعوا العصى في دبرهم وداسوا بالأقدام على أعناقهم إلى أن وصل الحال إلى إهانة المصحف، وعدنا مرة أخرى إلى عهد جمال عبد الناصر، ثم بعد ذلك حُكم عليّ بالسجن مدى الحياة وذلك في عهد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي.
أما عن الوضع الصحي الخاص بي؛ فأنا واحد من آلاف المعتقلين الذين أصيبوا بأمراض مختلفة، في 2014 قام مستشفى سجن العقرب بعمل تقرير طبي لترحيلي للعلاج خارج السجن ولكن الأمن الوطني رفض ذلك إلى أن تدهورت الحالة الصحية وكنت اقوم بضرب رأسي في حائط الزنزانة وتشريحها أو وضع الماء المغلي عليها وذلك بسبب شدة الألم وقيام مباحث السجن بمنع العلاج عني وزيادة على ذلك قاموا بمنعي من الزيارة لمدة 7 أشهر، فوجئت بعدها أنني لا استطيع ملامسة يد أمي بسبب القفص الزجاجي.
وفي عام 2016 وافق الأمن الوطني على ترحيلي للعلاج خارج السجن ثم رحلوني إلى مستشفى ليمان طرة وكنت أظن أني سأخضع لرعاية طبية وعلاج لحالتي ولكن كانت المفاجأة أني أشكو من الصداع النصفي إذ بي أشكو الآن من آلام في البطن، وقرحة في المعدة وذلك بسبب كثرة المسكنات ووصل الحال بي أنهم كانوا يعطوني جرعات مخدرة مما أدى إلى شعوري بالإدمان وأصبحت أنتظر الجرعة تلو الأخرى.
لكن هذا كله لم يشفع لي عند المباحث إذ في يوم من الأيام جاء التفتيش إلى المستشفى فخربوا كل شئ بها والمفترض أننا مرضى نحتاج إلى رعاية طبية خاصة، وفي أثناء التفتيش داخل المستشفى أخذوا صور خاصة بأهلي فاعترضت على ذلك فكان مصيري في زنزانة التأديب لا يوجد بها ماء ولا كهرباء ولا أي شيء، بل قاموا بصلبي على الباب بكلبشات لمدة12 ساعة، وكنت أطلب منهم 5 دقائق للصلاة ولكن كنت أحدث أشخاص من ملة أخرى، وكنا في شهر رمضان وأذن المغرب ولم يراعوا أني مسلم وهذا وقت الإفطار ولو بشرب ماء وذلك بأوامر من مفتش المباحث “أيمن خضر” وضابط التأديب “أمير صقر”.
في اليوم التالي جاء الطبيب وقال لهم نصًا (أنا غير مسؤول عن اللي بيحصل ده الحالة متدهورة ويجب نقله إلى المستشفى فورا)، ولكنه كالعادة تتلذذ المباحث بالتعذيب وتستمر في منع العلاج عني، وأنا في الاصل جئت للعلاج لا للعقاب وازدادت تدهور حالتي الصحية إلى أن وصل عدد الغرز في جسدي إلى أكثر من 150 غرزة.
وتستمر التصفية الجسدية لأقدم معتقل سياسي في مصر بعد ثورة 25 يناير ولألاف المعتقلين السياسيين في سجون مصر. انتهى كلام خليل العقيد ولم تنتهي قصته المآسوية التي تدهورت في الأيام الاخير وكادت أن تقضي على حياته فى ظل الضغوظ والإهمال المتعمد وفي ظل الانتهاك الصريح لحقوق الانسان.. فمتى ينتهى هذا المسلسل الإجرامي في حق كثير من المعتقلين؟