أكد الكاتب والمفكر السياسي عزمي بشارة، “أن الثورات العربية عام 2011، وكذلك تعثر التحول الديمقراطي الذي تلاها، كشفت ضمور الثقافة الديمقراطية وضحالتها عند النخب السياسية العربية، الإسلامية وغير الإسلامية”.
وقال في مقاله المنشور بـ”العربي الجديد”: “النخب الحاكمة لم تتوانَ عن ارتكاب المجازر (وتدمير البلاد والعباد في حالتي سورية وليبيا) من أجل البقاء في الحكم ، ونخب المعارضة، على اختلاف تياراتها، اعتبرت الثورة فرصةً سانحةً للوصول إلى السلطة، ولم تدرك، أو لم ترغب أن تدرك، أن هدف الثورة على الاستبداد هو الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية التي يوفرها النظام الديمقراطي، وأن مهمة بناء هذا النظام هي المترتبة على إطاحته”.
وأضاف :”من أجل الوصول إلى السلطة، كانت مستعدة لتقديم الانتخابات على تثبيت المبادئ الديمقراطية (الإسلاميون)، أو كانت مستعدّة للتحالف مع فلول النظام القديم ضد الإسلاميين (النخب التي تسمي نفسها علمانية)..أخذوا من الثورة ما يريدون، وتجافوا جميعاً عن الديمقراطية، والذين نادوا بها، وضحوا من أجل تحقيقها، ويتحمل المسؤولية عن تدهور الأحوال الذي تلا ذلك تمسّك القوى الحاكمة بالسلطة بأي ثمن، وضيق أفق نخب المعارضة التي آل إليها الأمر، بعد أن فرغت الميادين”.
وتابع: “الحقيقة أن الديمقراطية هي التي تصنع الانتخابات، كآلية في الحكم؛ وليست الانتخابات هي التي تصنع الديمقراطية، ففي ظل الحكم الديمقراطي، تكون الانتخابات آلية حكم، أما خارج إطار النظام الديمقراطي المتوافق عليه، فالانتخابات وحدها قد تقود إلى الديمقراطية، كما قد تقود إلى الفوضى وأنواع من الدكتاتورية”.
وأردف: “فشل الإسلاميون، بعد الثورات العربية، في فهم ضرورة التحالف مع القوى السياسية الأخرى، على أساس مبادئ ديمقراطية، لهدف تحقيق وحدة وطنية في مواجهة النظام القديم وفرض تغيير النظام ، وخضعوا لمزايدات القوى الإسلامية الأكثر تطرفاً، خشية أن تسلبهم قاعدتهم الانتخابية (حول مسؤولية القوى الأخرى غير الإسلامية كتبنا سابقا، وللتوسع في الموضوع يمكن مراجعة الجزء الثاني من كتاب المؤلّف الذي صدر أخيراً “ثورة مصر”)”.
ويكمل: بعد أن اكتفوا من الديمقراطية بمبدأ الانتخابات، لم يتمكّنوا من إقناع المجتمع بصدق نياتهم بشأن الحريات المدنية التي لا يمكن تصور أي ديمقراطية في عصرنا من دونها. ويعود ذلك إلى أنهم 1. لم يقتنعوا بها فكرياً وقيمياً، كما لم يقدّروا، بما فيه الكفاية، أهمية الحريات للإنسان في عصرنا، بما فيها الحريات الشخصية، وضرورة عدم إملاء نمط حياة على الإنسان، فقد اعتقدوا أن هذا الأمر يهم فئة صغيرة من الطبقة الوسطى فقط. 2. أساؤوا تقدير حجم من يهمهم هذا الأمر، وكذلك أهمية الطبقة الوسطى في المدينة ووزنها في إدارة الدولة. فهذا الوزن ليس كمياً فقط.
ويواصل بشارة تحليله للمشهد: اعتقد الإسلاميون أن ما يهم الناس هو المعاش اليومي وقضايا الهوية فقط، لكنهم لم يحسنوا إدارة معاش الناس اليومي، فلم تتوفر لديهم رؤية بهذا الخصوص. وفي غياب رؤيةٍ خاصةٍ في هذا الشأن، لا بد على الأقل من تحقيق وحدة وطنية لمواجهة الأزمات الاجتماعية الاقتصادية ومحاربة الفساد وتليين موقف القوى المتحكّمة في الاقتصاد التي تعرقل التغيير، وهذا لم يتحقق، وفوق هذا كله، لم يدرك الإسلاميون آليات عمل الدولة الحديثة، وجهازها البيروقراطي ومراكز القوة والمصالح فيه. كما أنهم تصرّفوا مثل طائفةٍ دينية، وليس كحزب سياسي. (وبعض الأحزاب الأيديولوجية المتطرفة غير الدينية تتصرف على هذا النحو أيضا)، ففي ظل الاستبداد، عاشوا في إطار جماعةٍ تضامنيةٍ متماسكةٍ، تقوم على التضامن والتلاحم بين أعضائها، يعضدها نمط تديّن بعينه شكّل عوناً لهم في الصمود في المحن.
وختم: “لقد أفضى هذا التلاحم الحزبي معطوفاً على نمط تدين خاص، ولغة ورموز خاصة، ولائحة شهداء وذاكرة جماعية من المعاناة والملاحقة والمظلومية إلى التصرف كطائفة مغلقة، ذات نمط حياة خاص بها، وليس كحزب سياسي، ينضم له الناس ويغادرونه على أساس القناعة..عدم الثقة بكل من ليس إسلامياً قد ينقلب، عند بعض الإسلاميين، إلى سذاجةٍ تتجلى في سهولة التعرّض للنصب والاحتيال من كل دجال ومحتال، إذا تظاهر بالتدين. ومن هنا، يسهل اختراق هذه الحركات وإقناعها سياسياً بوسائل غير سياسية.