أكدت تقارير عربية ودولية ومحلية حدوث غضب داخل المؤسسة العسكرية المصرية، وخاصة بين القيادات الوسطى والصغرى؛ عقب تنازل عبدالفتاح السيسي عن جزيرتَي تيران وصنافير للسعودية، على اعتبار أن هاتين الجزيرتين شهدتا تضحيات جسامًا من قبل أفراد القوات المسلحة، باعتبار أنهما أرض مصرية، لا يمكن التفريط فيها..
انتماء السيسي للمؤسسة العسكرية لم يمنع انتشار الغضب
ذكرت مصادر عسكرية، أن انتماء السيسي إلى المؤسسة العسكرية لم يمنع انتشار حالة من الغضب ضده على خلفية اتفاقية الجزيرتَين باعتبار القضية “ترابًا وطنيًا لا يمكن التفريط فيه”، وهو ما يعكس أيضًا تراجع شعبيته داخل الجيش، وبخاصة بين القيادات الوسطى والصغرى- حسب صحيفة “العربي الجديد”.
وقالت إن هذا الغضب والرفض لاتفاقية ترسيم الحدود لا يخرج عن مجرد كونه غضبًا من تصرف السيسي، لم ولن يترتب عليه أية خطوات أو تحرك ضد الاتفاقية، نظرًا لحساسية وضع مؤسسة القوات المسلحة.
وأشارت إلى أن الغضب منصبّ على “طريقة تعامل السيسي مع أزمة الجزيرتَين على الرغم من الدماء المصرية التي زُرعت في أرضهما بحروب سابقة”.
شعبية السيسي تتراجع داخل الجيش
ولفتت المصادر العسكرية إلى أن شعبية السيسي داخل الجيش بدأت تتراجع في ضوء الأزمات الشديدة وعدم القدرة على التعامل معها، في ظل ضغوط دولية على مصر وحظر في التعامل مع النظام الحالي.
وكانت حالة من التململ انتابت قطاعًا عريضًا من الجيش المصري، من جراء تحميل السيسي المؤسسة العسكرية كل أعباء الدولة، وهو أمر صعب للغاية، بحسب تصريحات سابقة لمصادر عسكرية.
ويتعلّق الرفض بتحمل الجيش كل الأعباء لناحية عدم التفرغ لمهامه الأساسية وهي حماية الحدود، وسط ربط كبير بين السيسي والجيش، باعتباره ترك بزّته العسكرية على باب قصر الاتحادية.
وتتخوّف قيادات وسطى في الجيش من حالة الاستياء من أداء وحكم السيسي، وربط الشعب بينه وبين المؤسسة العسكرية، وهو ما يعني الصدام مع الجيش نفسه في حال اندلاع تظاهرات تطالب برحيل الرئيس الحالي.
السيسي يحاول استرضاء الجيش
وبحسب تقرير “العربي الجديد”، يحاول السيسي استرضاء الجيش، وتحديدًا قياداته، من خلال منحهم مكاسب اقتصادية، وسيطرة، ونفوذًا على الوضع العام في البلاد؛ حيث استصدر، منذ توليه الحكم، قبل نحو عامين، عددًا من القوانين والقرارات التي تفرض سيطرة الجيش على المجال العام، وخصوصًا الاقتصادي، وباتت المؤسسة العسكرية تحصل بالأمر المباشر على أكبر المشاريع في الدولة، ثم توزيعها على الشركات الأخرى، مثلما يحدث في مشاريع الطرق وتفريعة قناة السويس الجديدة، وبات بإمكان الجيش تأسيس شركات تعمل في السوق المصرية، وبإمكانه العمل بمشاركة رأس مال محلي أو أجنبي.
رفض ضباط داخل الجيش بيع الجزر
وطالب اللواء عادل سليمان، رئيس منتدى الحوار الإستراتيجي، بإبعاد الجيش عن الصراعات السياسية، والحفاظ على وحدته متخوفًا من تأثر الضباط ببيع جزيرتي تيران وصنافير، مؤكدًا أنه من الطبيعي رفض جنود وضباط داخل الجيش لبيع الجزر المصرية.
وقال اللواء سليمان -في تصريح خاص لـ”رصد”-: إن جزيرتي صنافير وتيران تقعان تحت السيادة المصرية وفقًا لاتفاقية سنة 1906 وأنه بالتأكيد هناك الكثير من ضباط الجيش يؤمنون بأن هاتين الجزيرتين مصريتان، ولكن يجب أن يتم إبعاد الجيش عن هذه الصراعات وأن لا يتدخل الجيش في السياسة.
رفض التنازل عن الجزر المصرية
ومن جانبه، أكد أحمد رامي، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، أنه بالقطع شيء غير مستبعد، بل إنه طبيعي أن يرفض الجيش التنازل عن الجزيرتين، وهناك تقارير أميركية تقول بأن المجلس العسكري نصح السيسي بخطورة هذا القرار.
وأضاف “رامي” -في تصريح خاص لـ”رصد”- أن أي جندي مقاتل بحق لا يستطيع أن يقبل التنازل عن أرض هو مسؤول عن حمايتها والزود عنها بهذه الطريقة.
وتابع: لا بد أنهم يحفظون أسماء شهداء من أجيال سبقتهم روت هذه الأراضي بدمائهم، ويدرسون في كليتاتهم أن السبب الرئيسي لحرب 1967 متعلق مباشرة ببسط السيادة المصرية على تلك الجزر.
المجلس العسكري نصح السيسي
في الوقت نفسه، نشر مركز الدراسات الإستراتيجية الأميركي “ستراتفور” تقريرًا حول مشروع الجسر البري بين المملكة العربية السعودية ومصر، كاشفًا فيه للمرة الأولى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حذر السيسي مسبقًا من التنازل عن جزيرتي “تيران” و”صنافير” لصالح السعودية.
وبحسب تقرير “ستراتفور”، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية نصح السيسي بالامتناع عن نقل السيادة على الجزيرتين للسعودية؛ لأن ذلك “سيمس بالشرف الوطني وسيغضب الرأي العام المصري”.
وقال المركز، إن الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك سلمان إلى مصر أدت إلى التوصل لاتفاق مع عبدالفتاح السيسي لبناء جسر بري يربط بين مصر والسعودية. وقد شمل هذا الاتفاق عملية إعادة رسم الحدود البحرية بين البلدين، بعدما تخلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، اللتين تحتلان مكانة إستراتيجية على مدخل خليج العقبة.
وذكر المركز أنه إذا تم بناء هذا الجسر، فإن له انعكاسات سلبية وإيجابية بالنسبة للبلدين، في حين أن عملية المقايضة التي شملت تخلي مصر عن جزيرتين إستراتجيتين في البحر الأحمر أدت إلى ردود فعل ساخطة بين الأوساط السياسية المصرية.
سيناريوهات موقف الجيش
وفي تحليل كتبه رئيس تحرير “بوابة يناير” الكاتب الصحفي عمرو بدر، بعنوان “بعد الغضب الشعبي: هل يرفض الجيش اتفاق تسليم تيران وصنافير للسعودية؟” توقع أن يصمت الجيش لسببين؛ أولهما أن يكون الجيش المصري قد حسم أمره قبل تسليم الجزر للسعودية ووافق على الاتفاق ومنح السيسي الضوء الأخضر للتنفيذ، لذلك فهو يشاهد ردود الأفعال الغاضبة على أمل أن تهدأ العاصفة وينتهي الأمر برمته.
أما السيناريو الآخر، فهو أن الجيش ينتظر ليرى ردود الأفعال وتحركات الشارع وبناءً عليها يحسم قراره وموقفه من الاتفاق، وهنا سيكون موقف الجيش في الغالب برفض الاتفاق والبحث عن مخرج ينهي الأزمة ويهدئ من غضب الشارع الذي ظهر بشكل واضح أنه غير مرتاح للاتفاقية ولا للأجواء التي تم التوقيع فيها.
وفي حالة ما إذا صح السيناريو الثاني، أي انتظار الجيش لرؤية اتجاهات الشارع، ستدخل المؤسسة العسكرية على خط الرافضين، حتى وإن كانت قد أعطت السيسي قرارًا مبدئيًا بالموافقة على الانتهاء من اتفاق ترسيم الحدود، فهنا سيدخل الأمر في نطاق مساحات الأمن القومي التي لا يمكن أن تمر دون رضا شعبي.