من عدة نواح، كانت هجمات بروكسل التي وقعت اليوم لا مفر منها. فمنذ هجمات باريس في ١٣ نوفمبر، كان بلجيكا تبدو وكأنها الهدف القادم. ما حدث الثلاثاء يظهر بوضوح أنظمة الأمن والمراقبة المحدودة في بلجيكا. كما أنه يذكرنا بصعوبة منع مثل هذه الهجمات.
وكما هو الحال دائما، يجب أن تعلم الدروس وإحكام الأنظمة. والحقيقة هي أن انتحاري تمكن من اختراق صالات المطار المزدحمة إلى إحدى الثغرات التي كان من الممكن تشديد الإجراءات الأمنية فيها – الكثير من المطارات في المناطق المهددة من العالم، مثل الهند، لديها نقاط تفتيش أمنية في مدخل تلك الصالات. قد بتسبب هذا في تأخر الركاب، ولكنها تعد إجراء أمنيا هاما.
وفي الحقيقة، بالرغم من ذلك، كل يفعله الأمن هو نقل المشكلة إلى مكان آخر. فلا أحد يمكنه توقع أن تكون هذه الإجراءات ممكنة في أنظمة النقل الجماعي المزدحمة. ولنفترض أن الهجوم قد استهدف أكثر من مكان في نظام المترو بدلا من المترو والمطار، فإن عدد الضحايا لم يكن ليقل – فقنبلة في مكان مزدحم هي في النهاية قنبلة في مكان مزدحم.
الحقيقة بكل بساطة هي أن بلجيكا كانت تتوقع هجوما منذ أشهر. فقد تم نشر الجنود في الشوارع كما ضاعفت الدول الأخرى دعمها للخدمات الأمنية البلجيكية. مثل هذا الانتباه كان قد بدأ يؤتي ثماره بالفعل – واعتقال أحد المشتبه بهم في باريس دليل على ذلك. لكنه لم يكن كافيا.
أنظمة الأمن التي يجرب تنسيقها بشكل أفضل – وبخاصة التعاون في تأمين الحدود – ليست فقط ضرورية، بل وحيوية أيضا. وحتى لم تم تحسينها بدرجة كبيرة جدا جدا، فإن بعض الهجمات كانت ستقع بالرغم من ذلك.
ما سيحدث الآن متوقع بشكل كبير، على الأقل فيما يتعلق بالاستجابة الأمنية – فقد رأيناه عقب أحداث باريس العام الماضي، وكما في مدريد عام ٢٠٠٤ بعد الهجمات التي استهدفت جهاز النقل وقتلت ١٩٢ شخصا. سوف تقوم أجهزة الأمن بالتعرف بشكل سريع على المهاجمين وتبحث عن شبكاتهم الأوسع. ففي باريس ومدريد، أدى هذا إلى قيام قوات الشرطة بعدة مداهمات في الأيام التالية للأماكن التي يتوقع أن يختبئ بها المخططون للهجمات – وكانت هذه المداهمات تنتهي بتفجير انتحاري آخر.
مثل هذه الاعمال المسلحة هي بالأساس سياسية. فالعواقب السياسية لما حدث في بروكسل اليوم لاتزال في بدايتها.
وتختلف ردود أفعال الدول حيال مثل هذه الهجمات. فقد أطاحت هجمات مدريد عام ٢٠٠٤ بالحكومة، وأنهت مشاركة أسبانيا في الحرب على العراق. وفي السابع من يوليو عام ٢٠٠٥ في لندن، كان لها تأثير ضئيل على النظام السياسي – بالرغم من أنه كان لها تأثير حقيقي جدا، ولو كان محدودا، على تماسك المجتمع.
لكن الهجمات التي حدثت في بلجيكا، بالرغم من ذلك، تأتي على خلفية أوسع بكثير – ليس فقط هجمات باريس، بل أزمة الهجرة في أوروبا. وحتى ولو تبين أن المخططين كلهم من داخل بلجيكا، ستظل الهجمات ينظر لها داخل السياق الأوروبي الأوسع للقارة التي تجد صعوبة بالفعل في التأقلم مع مئات الآلاف من القادمين الجدد.
الخطر الأكبر الآن هو أن المتشددين من كلا الطرفين سوف يستغلون الموقف لزعزعة الاستقرار أكثر فأكثر. وبالفعل تقول الأحزاب المعارضة للهجرة مثل حزب البديل من أجل ألمانيا – الذي حقق فوزا في الانتخابات المحلية الألمانية في وقت سابق هذا الشهر – بأن هجمات بروكسل تظهر حاجة واضحة وعاجلة لإيقاف القادمين إلى أوروبا. كما أن المسلمين في أوروبا، سواء القدامى أو الجدد، سوف يجدون أنفسهم لا محالة عرضة لمزيد من الشك والمراقبة، ناهيك عن مواجهة أعمال العنف الانتقامية المحتملة.
الوصول إلى جوهر ما يدفع أولئك الذين يقفون وراء مثل هذه الهجمات أمر صعب للغاية. فحتى الآن، على سبيل المثال، ليس لدينا فكرة حقيقية عن إذا ما كانت هذه الهجمات قد تم تنسيقها عن عمد من قبل تنظيم الدولة أو جماعات تشبهها. لكن من الممكن بالتأكيد أن هذا النوع من الاستقطاب هو بالفعل ما يريده الجناة.
بعض الدول الأوروبية معرضة بشكل واضح لمثل هذه الهجمات أكثر من الأخرى – سواء للهجمات الفعلية أو التداعيات السياسية التي من شأنها زعزعة الاستقرار والتي يمكن أن يكون لها آثارا أوسع نطاقا. فهجوم داخل بلجيكا – التي تعد أقل دول أوروبا من حيث الوظيفية السياسية والتي لديها سجل من العمل بدون حكومة لعدة مرات استمرت كل مرة منها لسنوات – ربما كان أمرا متوقعا بشكل كاف حتى تكون العواقب السياسية الداخلية محدودة. وبشكل مماثل، بعد هجمات باريس قد يكون لأي هجوم آخر في فرنسا تأثير قليل نسبيا على سياستها الداخلية غير إعطاء دفعة صغيرة أخرى للجبهة الوطنية اليمينية.
لكن هجوما في ألمانيا قد يكون له تأثير سياسي أكثر تدميرا على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تعتبر الآن ركيزة أساسية للمشروع الأوروبي. ولم تشهد ألمانيا هجوما مسلحا كبيرا منذ ثمانينات القرن الماضي، لكنها تواجه صعوبة في التعامل مع قدوم أكثر من مليون مهاجر خلال عام واحد. ومهما كانت حقيقة الموقف، فإن هذه الأزمة بالإضافة إلى أي هحوم مسلح آخر قد يتم الدمج بينهما في الحال في عقل المواطن الألماني.
تلك التبعات قد تعبر المحيط الأطلسي. فقد استغرق الأمر المرشح الجمهوي الأوفر حظا، دونالد ترامب، وقتا قصيرا لاستغلال الأحداث في بروكسل لتكرار مقترحاته بمضاعفة القيود المفروضة على المسلمين للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى دون وقوع هجمات في أمريكا، تقول استطلاعات الرأي أن أحداثا كالتي وقعت في بلجيكا بأوروبا قد تحسن من فرصه في الفوز في نوفمبر.
وكالولايات المتحدة، تعد بريطانيا مؤمنة بشكل نسبي ضد هذه الهجمات لأن القناة الإنجليزية تمنحها حدودا أكثر قابلية للتحكم والرقابةن وخصوصا عندما يتعلق الأمر بتدفق الأسلحة. لكن الانعكاسات السياسية هناك تبدو أيضا محتملة، حيث أنها ربما تدعم فرص التصويت لصالح خروج بريطانيا من الإتحاد الأرووبي في استفتاء يونيو القادم.
التعامل مع أزمات مثل الشرق الأوسط والمشاكل السياسية المتشابكة في أوروبا كان صعبا بما فيه الكفاية. لكن هجمات كالتي وقعت في بروكسل من شأنها أن تزيد الأمور صعوبة.