نزل المصريون إلى الشارع يوم 25 يناير 2011 عندما كان البنك المركزي في القاهرة ينام على احتياطات نقدية بالعملة الأجنبية تزيد عن 36 مليار دولار، وكان الدولار الأمريكي حينها يعادل 5.8 جنيه مصري، أما اليوم فلدى مصر احتياطات نقدية قوامها 16.4 مليار دولار فقط، والجنيه هوى حتى وصل إلى 7.8 جنيه مقابل كل دولار أمريكي!.
ينتهي عام 2015 واحتياطي النقد الأجنبي في مصر عند 16 مليار دولار فقط، على الرغم من تلقيه ودائع بقيمة ستة مليارات دولار في أبريل الماضي من السعودية والإمارات والكويت، وهي ودائع تعهدت بها الدول الخليجية الثلاث، خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الأخير.. الأمر الذي يعني في النهاية أن احتياطي النقد كان من الممكن أن يكون اليوم أقل بكثير من 16 مليار دولار.
الأرقام التي صدرت طوال السنوات الخمس الماضية عن البنك المركزي وأجهزة الإحصاء الرسمية في مصر تفتح الكثير من الأسئلة الصعبة التي لا توجد لها أجوبة مقنعة، وأول هذه الأسئلة: أين اختفت مليارات الدولارات (20 مليار دولار) التي كانت مكدسة لدى البنك المركزي؟.. هذا إذا أضفنا إلى هذه المليارات العشرين نحو 22 مليار دولار أخرى تلقاها النظام العسكري في مصر خلال الفترة من يوليو 2013 حتى نهاية 2014.. أي ان السؤال يدور عن 42 مليار دولار، كان من الممكن ان تكون اليوم في جيوب المصريين لكنها اختفت.
بمراجعة حركة الاحتياطات النقدية في مصر يتبين أن كارثة كانت تحدث في مصر عندما كان «الغلابة» يحتفلون في ميدان التحرير بسقوط مبارك، حيث بعد ثمانية شهور فقط من الثورة كانت احتياطات مصر من العملة الأجنبية قد هبطت 24 مليار دولار (في سبتمبر 2011)، أي ان المصريين كانوا يخسرون 1.5 مليار دولار شهرياً، وهو رقم فلكي ليس له أي تفسير علمي أو اقتصادي، ولا يعلم أحد حتى الان أين كان يتم انفاقه.
أما الكارثة الأخرى التي تظهر لدينا فكانت فور وصول الاخوان إلى الحكم في مصر، إذ هبط احتياطي النقد الأجنبي في سبتمبر 2012 (بعد شهرين فقط على تولي مرسي الحكم) إلى 15 مليار دولار فقط، وهو مستوى متدن، جعل مصر في وضع حرج، وأدى إلى تدهور سعر صرف الجنيه المصري، وبالتالي ارتفعت نسبة التضخم في البلاد بصورة جنونية، وارتفعت أسعار المواد والسلع الأساسية.
طوال السنوات الخمس الماضية، كان القاسم المشترك الذي لم يتغير، هو أن الجيش في الشارع، وأنه صاحب القوة الأكبر، وأنه الآمر الناهي في البلاد، وكان المصريون يظنون عبثاً بأن جيش بلادهم يقف على الحياد من الصراع السياسي، ويظنون أيضاً أنه يحمي الثورة، بينما كانت المليارات تتبخر من البنك المركزي المصري، وكان الجيش إما متواطئاً في عمليات النهب التي تتم، أو أنه فشل في حماية مقدرات البلاد والعباد خلال تلك الفترة.
ثمة جهة ما في مصر بدأت بنهب احتياطات البلاد من النقد الأجنبي فور انهيار نظام مبارك، ثم تسارعت وتيرة النهب فور وصول الإخوان إلى الحكم، إما لإفشالهم اقتصادياً، وإما خوفاً من أن يسيطروا على البلاد فعلاً لعقود مقبلة، ثم استمر النهب على حاله بعد انهيار حكم الاخوان، ليتوقف أخيراً قبل عدة شهور من الان ويستقر الاحتياطي عند مستوى ال16 ملياراً.
يظل السؤال مفتوحاً من دون إجابة، وهو: أين اختفت 42 مليار دولار أمريكي (336 مليار جنيه مصري) خلال خمس سنوات، أي: من هو الذي يسرق من قوت المصريين 700 مليون دولار شهرياً، أو 23 مليون دولار يومياً؟!
في مصر ثمة حركة غير طبيعية يشهدها الاقتصاد سببها أن الجيش يهيمن على أكثر من 40٪ من اقتصاد البلاد، في الوقت الذي لا يعلم أحد كيف يدير الجيش امبراطوريته المالية، فضلاً عن أنه من غير المعروف كم حجم مداخيل الجيش المالية ولا مصروفاته، أي أننا أمام امبراطورية مالية غامضة. ثمة مشكلة أخرى في مصر، وهي ان الجيش تحول إلى جهاز أمني ينتشر في الشوارع لحل النزاعات المدنية والأهلية، وتحول إلى شركة استثمارية تمارس النشاط الاقتصادي وتتنافس مع القطاع الخاص، وتحول إلى حزب سياسي يحكم البلاد ويخوض الانتخابات، وعليه هيمن على السياسة والاقتصاد والأمن والبرلمان والقضاء.
خلاصة القول، إن احتياطي النقد الأجنبي المتهاوي في مصر ليس سوى نموذج على مؤشرات اقتصادية بالغة الصعوبة في مصر، ولا يمكن إلا ان يتحمل الجيش مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد، حيث أنه إما متواطئ أو أنه فشل في حماية الدولة وثرواتها.