بخطى ثقيلة يسير أبو محمد يقطع شوارع مدينة العريش حتي وصل لغايته، فيسأل المارة بصوت مرتجف وكلمات متقطعة من فرط اللهفة والخوف، فيشيروا نحو أحد أكوام القمامة، فتتباطيء خطاه كلما اقترب من قطعة قماش ملقاة داخل القمامة وبيد مرتجفة يرفعها، ليتأمل جسدا ممدا تحت الغطاء بوجه مشوه، يحاول أن يزيح القمامة عن وجهه ويمسح دماء تسيل من موضع رصاصة استقرت في منتصف رأسه، لعله يتبين ملامحه فيعرف إن كان هذا هو ولده أم إن عليه ان ينتظر جثثا اخري تلقي لعله يجده من بينهم.
عشرات الأسر حالها كحال أبو محمد ، تتلمس بقلوب مرتجفة أخبار الجثث المجهولة والتي يعثر عليها الأهالي علي الطرقات ، فمنذ اكثر من عامين ومع بداية الحملات العسكرية لقوات الجيش في مدينتي رفح والشيخ زويد بدأت ظاهرة الاخفاء القسري لابناء سيناء وما يعقبها من تصفية ، غير ان الحظر الاعلامي المفروض علي المدينتين والتضيقات الأمنية تحول دون توثيق وحصر الضحايا ، ليبقي المصدر الوحيد هو ما يعلنه المتحدث العسكري من ارقام قتلي يعلن عنهم انهم اخطر العناصر الارهابية وهو ما تنفيه المصادر القبلية.
وفي تصريحات لـ “رصد” يقول صالح ابورياش من ابناء مدينة الشيخ زويد :
الجيش يعتقل المدنين البسطاء ثم نجدهم في تصريحات الجيش تحولوا لأخطر التكفيرين، مثل ما فعلوه مع عمار يوسف الزريعي وهو شاب نعلم جميعا انه يعاني من تأخر في قواه العقلية قاموا باعتقاله في ديسمبر 2014 ووجدنا جثته وتصريح انه أخطر التكفيرين، كذلك السيد سليمان ابو لفيتة ذو الستين عاما من قرية اللفيتات جنوب الشيخ زويد و التي دمرها الجيش ، اعتقلوه في نوفمبر 2013 وعثرنا بعد عدة ايام علي جثته مرفق معها تصريح انه من اخطر العناصر التكفيرية، ولم تكن له اي جريمة سوي انه لم يغادر منزله وقت وجود الحملة.
وأضاف، وفي يناير 2015 تضاعفت حالات التصفية المباشرة خارج القانون حيث بلغ عدد من قام الجيش بتصفيتهم خمسة عشر من بينهم عبد الرحمن البورني وهو تاجر كان متوجها نحو سوق الجورة لبيع بضاعته فقاموا بتصفيته مباشرة وحرق سيارته والقاء جسده وكان ذلك انتقاما لمقتل النقيب ايمن الدسوقي علي يد ولاية سيناء ، هكذا نحن يتم تصفية ابنائنا دون دليل او محاكمة في صمت مخزي ، فنحن ابناء سيناء لا بواكي لنا.
عائلة مصلح القرم واحدة من عشرات العائلات التي اكتوت بنيران التصفية والاخفاء القسري مرتين ، الاولي كانت في ديسمبر 2014 عندما اعتقلت قوات الجيش ابنه مصطفي ذو العشرين عاما ولم يتمكن الاهالي حتي الان من العثور عليه في اي من مقرات الاحتجاز ، وبعد عدة شهور يتم اعتقال الأب ليعثروا علي جثته بعد يومين ، وهو ما أكده أحد جيران مصلح رفض ذكر اسمه اذ قال :
ا.مصلح رجل طيب وفي حاله ، ليس له اي انتماء سياسي يعمل مأمور ضرائب ، لم نري منه اي شيء سيء وكذلك مصطفي ابنه ، الاغرب انه بعد اعتقال مصطفي كان الجيش يأتي لمنزلهم يسأل عن مصطفي المعتقل عندهم .
جريمة الاخفاء القسري التي يتعرض لها ابناء سيناء لم تتوقف فقط عند مجرد اخفاء مكان الاحتجاز او التصفية الجسدية عقب الاعتقال ، فهناك العديد من العائلات تم
تصفية ابنائهم ودفنهم دون اخبار ذويهم ، من بينهم عائلة سليم محمد من سكان مدينة الشيخ زويد والذي يروي أحد اصدقائه رفض ذكر اسمه معاناة عائلته قائلا:”اعتقلت قوات الجيش التابعة لمعسكر الزهور سليم في نوفمبر 2015 تعرض للضرب الشديد في الساعات الأولي لاحتجازه ، فمات علي الفور وأكد شهود مقتله ، وعثرنا فيما بعد علي جثث من تم اعتقالهم معه ولكن كلما ذهبت زوجته للمعسكرتتوسل لهم ان يخبروها اين دفنوا جثته ينفي المعسكر وجوده عندهم”.
ومع استمرار الحرب في سيناء يستمر الجيش في الثأر من المدنين تارة بالقصف أو الاعتقال والتصفية ، ويبقي الاهالي في دائرة البحث عن ذويهم بين أكوم القمامة .
ورصدت منظمة هيومن رايتس خلال النصف الأول لعام 2015 حالات التغيّب، وأعلنت في تقريرها عن وجود 582 حالة اختفاء قسري في مصر.
فيما أصدرت التنسيقية المصرية لحقوق الانسان، تقريرًا أوضحت أن حالات الاختفاء القسري في مصر منذ بداية 2015 وحتى أغسطس بلغ 1250 حالة، لم يظهر منهم 228 حالة.
ورصدت المفوضية المصرية لحقوق الانسان، 215 حالة اختفاء خلال شهري أغسطس وسبتمبر 2015، ظهر منهم 63 في أقسام ومعسكرات الأمن المركزي والسجون، بينما بقي 152 قيد الاختفاء حتى الآن.
ورصدت تقارير مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب تزايد حالات الاختفاء القسري، ففي شهر يناير أصدرت تقرير ضم 44 حالة، وفي فبراير 91 حالة، وفي مارس لـ 160 حالة، لتصل في مايو إلى 393 حالة، أما في شهر نوفمبر فرصدت 40 حالة فقط.
