غزوة باريس الإرهابية التي ذهب ضحيتها المئات تضع أمامنا كمسلمين معتدلين أسئلة وجودية عميقة ومتجددة حول سكوتنا التاريخي عن جريمة إختطاف المسلمين من قبل الإرهاب المتستر بالدِّين.
أقول جريمة اختطاف المسلمين لا اختطاف الإسلام لأن الإسلام أصبح مصطلحًا يُفهم بطرق متباينة تجمع بين الداعشي المجرم وبين المسلم الطيب الذي يعيش حياة خيرة. فالإسلام إذًا أصبح مصطلحًا فضفاضًا يزعم الجميع، على اختلاف أديانهم ومفاهيمهم، ملكيته ومسؤولية تنقيته او إصلاحه وكأنه كينونة يمكن امتلاكها مع أنه مجموعة مفاهيم مختلف عليها تتنافس كلها على حق امتلاك دين الله الحق دون غيرها.
اختطاف الإسلام مصطلح لا يعبر بدقة عن المصيبة التي حلّت بِنَا كبشر وُلدوا في حضارات متنوعة تنتمي جميعها إلى تراث إسلامي تزعم كلها الانتساب للإسلام بطرق وأساليب مختلفة تلتقي حول مفاهيم وتختلف حول أخرى إلى حد تكفير بعضها بعضًا.
إذن لم يختطف أحد الإسلام لأنه لم يكن يوما إسلاما واحدا إلا في عهد رسوله نبي الإسلام الأكرم، ثم اختلف المسلمون سياسيا وفكريا وتقسم الإسلام مع انقسامهم إلى شيع وفرق وملل ونحل فاقت السبعين بكثير.
القول بأننا جميعا مسلمون رغم الاختلافات الكبيرة في فهمنا للإسلام تعميم فقد معناه، فأنا حينما أشاهد المنتسبين إلى الإسلام من القتلة والإرهابيين لا أعتبر إسلامي مشابها لإسلامهم من قريب أو بعيد، بل إنني أرى نفسي في صف من يلعنهم من المسلمين وغير المسلمين، ولا أرى نفسي أقرب إليهم من مسيحي يقاتلهم أو يهودي يلعنهم.
إذن، آن أوان المفاصلة والبراءة من كل من يجد في الإسلام دينا يعبر المسلم من خلاله عن غضبه السياسي أو الاجتماعي أو النفسي بالتخفي خلف شعار الجهاد الفضفاض كذبًا وإفكًا لتبرير القتل والإنتقام بنكهة دينية.
نعم.. لا أريد أن أكون سجين الألفاظ والمصطلحات والمسميات.
لا أريد أن أوضع في خانة السنة والجماعة ما دامت داعش تعلن وتعتقد أنها من السنة والجماعة، اللهم الا تبرأت السنة والحماعة من كل فكرة تربطهم بداعش وأخواتها.
ولا أريد أن أكون شيعيا إذا كان يختبىء تحت عباءة التشيع تأليه البشر او تمجيدهم فوق مستوى البشر، بل إنني لا أريد أن أكون مسلمًا إذا كان هذا اللقب يضعني في عداء مع بقية أديان وأمم العالم، اللهم الا أن أعلن المسلمون المعتدلون أن إسلامهم لا يمت بصلة الى السلب والنهب والعبودية والإرهاب والقمع وكبت المرأة وما شابه من أفكار تنافي العقل والمنطق والكرامة والنزاهة الفلسفية.
تم إختطاف عشرات الملايين من المسلمين وسجنهم في عشرات الأنواع من الإسلام التي تزعم كلها أنها الإسلام المحمدي الإلهي الوحيد دون غيرها بينما تستمر بلعن أختها وقتلها وتكفيرها او كرهها والشك فيها.
إختطاف المسلمين حدث ويحدث وسيحدث كلما فشل المنتسبون إلى الإسلام بقبول القيم العقلانية التي ترتقي بالبشر إلى مستوى الإنسانية التي يرنو اليها كل إنسان يحب الحرية والعدل والمساواة ويكره العبودية وإحتقار الآخر وإمتهان المرأة وتقسيم الناس إلى مخيمات وأصناف نحب بعضها ونكره بعضها بدون مقاييس عقلانية موضوعية.
غزوة باريس وغزوة منهاتن وغزوة كوباني وغزوة القطيف وغيرها من الغزوات ما هي الا مواقع جرائم مختلفة الدوافع يجمع بينها زعمها الإنتساب نفاقا إلى الإسلام رغم أن ما يجمعها حقًا هو إيمانها بالإرهاب.