من حق المواطن المصري وهو ينظر إلى مشاهد الفاجعة في الإسكندرية، أن يتساءل: ماذا فعل نظامه السياسي بعشرات المليارات التي حصل عليها، مكافأة على انقلابه؟
أين ذهبت أكثر من 41 مليار دولار من المساعدات الخليجية المثبتة بالصوت، وفقًا لما جاء في تسريبات (السيسي- عباس) في عام 2013 فقط؟
ثم أين ذهب ما جاء بعد ذلك، في العامين التاليين، من الخارج، إضافة إلى مليارات أخرى، ضخها المصريون في صناديق واكتتابات، طلبها عبدالفتاح السيسي، وأين ذهبت حصيلة المصادرات وقرارات التحفظ وأعمال القرصنة التي مارستها الدولة اللصة على الشركات والممتلكات الشخصية؟
يقولون إن محافظ الإسكندرية الطائر، كان قد طلب بضعة ملايين من الجنيهات، قبل فترة من وقوع كارثة الأمطار، لترميم البنية التحتية التعيسة في عروس البحر المتوسط، ولم يستمع إليه أحد، فأين ذهبت كل هذه الأموال التي انهمرت على سلطة الانقلاب في مصر؟
بعيدًا عن صفقات الرافال والقطع البحرية، وبينما مشردو أمطار الخريف لا يزالون في العراء، تزف المؤسسة العسكرية المصرية بشرى إطلاق مشروع “الجلالة” في مجال الاستثمار السياحي.
وحسب الصحف المصرية أمس، فقد كشف اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، عن تنفيذ مشروع مدينة الجلالة العالمية، لإحداث انتعاشة حقيقية في مجال الاستثمار السياحي على ارتفاع 700 متر من سطح البحر على مساحة 17 ألف فدان فيها، وتحتوي على جامعة الملك عبد الله، ومدينة طبية عالمية ومنطقة سباقات دولية ومناطق سكنية وخدمية.
المتحدث لم تفته الإشارة إلى رغبة “صاحب الجلالة” الجالس في كابينة القيادة السياسية وتوصياته المستمرة بضرورة ظهور باكورة مشروع مدينة الجلالة العالمية، في البحر الأحمر، في 6 أغسطس 2016، وبالتزامن مع احتفالات افتتاح قناة السويس الجديدة.
مرة أخرى، تفرض المقارنة نفسها، أيهما أولى: الإنفاق على ما يوفر الحياة للمواطن المصري، بحدها الأدنى، أم تنفيذ رغبة “صاحب الجلالة” في تنفيذ مشروعات، أشبه بالخدع السينمائية، تمتص قوت المواطن البسيط وتتركه عارياً أمام عربدة الطبيعة، لكنها ترضي طموحات ذلك الواقع في أسر العناوين الضخمة والشعارات الرنانة، الجوفاء؟
الإنفاق على صحة المواطن وغذائه وتعليمه وحقه في الحياة، أم على مشروعات وهمية، كل الهدف منها تحقيق مجد شخصي زائف لذلك المسكون بأوهام الزعامة والإنجاز؟
وأين اللياقة والمواءمة في الإعلان عن مشروع بهذا الحجم، لصالح المؤسسة العسكرية، بينما هناك من لا يزال يذهب إلى بيته سابحاً في مستنقعات الأمطار، وهناك من لم يجد بيته أصلاً، أو وجده منقوصاً من ابن أو ابنة، أو زوج، أو أب، جرفته الأمطار وأنهت حياته؟
مرة أخرى، يصرون على خدش صورة العسكرية المصرية، بإغراقها في “البيزنس” والتجارة، ليقدموا للناس صورة “الجيش المقاول”، بدلًا من “الجيش المقاوم”، حين يأخذونه إلى أعمال التنشيط السياحي، كمؤسسة تجارية، ولا يكتفون بما هو قائم، حيث يمارس العسكريون العمل في محلات البقالة ومحطات الوقود وصالات الأفراح، بما يهين قيمة الجندية من جانب، ويثير مشاعر السخط والحقد، نتيجة هيمنة الجيش على الحياة المدنية، تجارة وزراعة وسياحة وسياسة، على نحو يشعر معه المواطن بأنه ليس أكثر من “زبون” في مول عسكري مترامي الأطراف، من دون أن يكون له حق المناقشة أو الاعتراض على منتج أو سلعة، ومن يفعل فمصيره معروف، حيث يبقى هنالك متسع للإقامة مع أكثر من خمسين ألفاً من المحبوسين والمعتقلين.
بتنا في وضع من الممكن أن يحاكم فيه المواطن بتهمة الخيانة وإهانة الجيش، لو اعترض على ثمن علبة سجائر أو علبة مياه غازية، في سوبر ماركت تديره القوات المسلحة.
عودوا إلى ثكناتكم، من أجل مصر، ومن أجل تاريخ العسكرية، واتركوا الأكشاك والبقالات والقرى السياحية لأهلها.