“الحرب دي بتستخدم دلوقتي عشان تهد الدول” هكذا شرح عبد الفتاح السيسي في جدية بالغة، أقدس أسراره، المسماة بحروب الجيل الرابع، يوم الأحد الماضي أمام طلاب الكلية الحربية، قبل أن يتابع حديثه قائلاً: “عشان إيه يا شباب؟”، يجيبه الطلاب بصوت عسكري واحد: “تهد الدول يا فندم”.”
لم ينته الامر عند هذا الحد إذ طالب السيسي من نخبة طلاب العسكرية المصرية، أن ينشروا المعلومات عن حروب الجيل الرابع بين أفراد أسرهم وأصدقائهم في فترات الإجازة، “لأنها أخطر حاجة”.
على مكتبه في اليوم السابع، جلس صحافي مصري، يدبج مقالة عما قاله السيسي، في همة ونشاط. ما لبث أن جاءت الاستجابة لما كتبه، بل وأسرع مما يتخيل، إذ أجرى المكتب الإعلامى لرئاسة الجمهورية اتصالاً هاتفياً أمس الجمعة، بخالد صلاح – رئيس تحرير “اليوم السابع” – أبلغه خلاله أن الرئاسة مهتمة بما طرحه صحافي بالجريدة، فى مقالة بعنوان: “حرب المعلومات وحروب الجيل الرابع”.
من أجل أن يجود المكتب الإعلامى لرئاسة الجمهورية – المشغولة بمواجهة حروب الجيل الرابع – عمله، عرضوا على السيسى المقترح الوارد فى المقال بتنظيم دورات تدريبية مكثفة لطلاب الجامعات والشباب، لشرح أساليب ووسائل حروب الجيل الرابع والخامس، مع توصية بالبدء فوراً فى عقد هذه الندوات داخل مقر جريدة “اليوم السابع” بعد موافقة السيسى على الفكرة.
السيسي وتكرار المصطلح
لم يكن حديث السيسي في الكلية الحربية حول حروب الجيل الربع هي المرة الأولى التي يتحدث فيها عن الأمر، بحسب ما يذكره موقع مدى مصر، ففي إحدى حلقات “حديث الرئيس” المذاعة في فبراير 2015، اعتبر السيسي حروب الجيل الرابع مسئولة عن تسريب تسجيل صوتي يُدَعَى أنه بينه وبين مسئولين عسكريين آخرين يسخرون فيه من قادة دول الخليج العربي. وفي إشارة غير مباشرة للتسجيل المُسرب قال السيسي، إن الإرهاب ووسائل الاتصال الحديثة والشائعات والحرب النفسية كلها أدوات الجيل الرابع من الحروب؛ بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار. وأضاف: “أنا ممكن آخد كلام وأعمل بيه زي ما أنا عاوز. بيستخدموا التكنولوجيا والعلوم”.
في خطاب آخر ألقاه السيسي- مرتديًا زيه العسكري- أمام القوات المتواجدة في شمال سيناء يوم 4 يوليو بعد هجوم ضخم شنته مجموعة ولاية سيناء الجهادية التابعة للدولة الإسلامية خلّف ما يزيد على 30 قتيلًا في صفوف القوات المسلحة المصرية، بحسب ذات المصدر، حذّر السيسي مرة أخرى من حرب الجيل الرابع قائلاً” قلت لكم مرة قبل كده وانتم عارفين ده كويس، إن الصراع الموجود ده صراع متطور، ده الجيل الرابع من الحرب”.
متى ظهر المصطلح في مصر والعالم ؟
على الرغم من أن مصطلح حروب الحيل الرابع ظهر وانتشر في العالم في عام 1989 لكنه لم يصل مصر إلا بعد العام 2011، (مثل باقي وسائط التكنولوجيا الحديثة التي تصل متأخرة)، إذ تتابعت تصريحات مسؤولين عسكريين مصريين، لتصف كل معارضة بأنها جزء من حرب الجيل الرابع، أو ما يطلق عليه “الحرب اللا متماثلة” وهو الصراع الذي يتميز بعدم المركزية بين أسس أو عناصر الدول المتحارَبة من قِبل دول أخرى، كما قال المحلل الأمريكي ويليام ستِرگِس ليند في وصفه الحروب التي تعتمد على مبدأ اللا مركزية.
ويعرف المحللون الأميركيون حرب الجيل الأول بأنها الحرب التقليدية بين دولتين لجيشين نظاميين، بينما حرب الجيل الثاني: يعرفها البعض بحرب العصابات، في حين أن حروب الجيل الثالث يعرفها البعض بالحروب الوقائية او الاستباقية ويعرفها الخبير الأميركي ويليام ليند ويوصفها بأنها طوُرَت من قبل الألمان في الحرب العالمية الثانية وسميت بحرب المناورات.
هل مصر تواجه حروب الجيل الرابع فعلا؟
في مقاله، حروب الجيل الرابع.. ربع قرن من الأساطير، يجيب الدكتور أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، عبر ما نشر في جريدة الشروق المصرية عن السؤال السابق، قائلا “سمعت عن نظرية الجيل الرابع للحروب للمرة الأولى منذ بضعة شهور، حينما تمت دعوتى كضيف فى برامج إحدى الفضائيات، واعتذرت لأنى لم أسمع عن الموضوع من قبل، لم أعر الموضوع اهتماما كبيرا فى البداية وخصوصا حينما شاهدت الحلقة التى كان من المفترض أن أحل بها ضيفا ووجدت الخبير الإستراتيجى الذى ظهر بدلا منى يتحدث عن مؤامرات تُحاك لنا تحت دعوى الثورات”.
يضيف عبد ربه في مقاله الذي بلغ عدد مشاركيه على موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) قرابة 3 آلاف مشاركة، “لم يستغرق البحث طويلا، وجدت أن النظرية مشهورة بالفعل فى أوساط غير عربية (أميركية بالأساس)، لكن ما لفت نظرى أمران، الأول أن النقاش الأمريكى لها شبه مقصور على العسكريين، والثانى أن نقد النظرية لدرجة هدمها كان هو أصل النقاشات وليس الترويج لها وتبنيها كما هو الحال فى مصر”.
عبدربه استند في نقده إلى ورقة نقدية مطولة كتبها عسكرى أمريكى هو أنطوليو ايشافاريا بعنوان “حرب الجيل الرابع وأساطير أخرى”، وأنطوليو هو خريج الأكاديمية العسكرية الأميركية، وتقلد العديد من المناصب الرفيعة فى القيادة العسكرية الأميركية فى الداخل الأميركى، وكذلك في ألمانيا وهو وقت كتابة نقده كان رئيس قسم الاستراتيجية والتخطيط الاقليمي في مؤسسة الدراسات الاستراتيجية بالولايات المتحدة، أما الآن فهو رئيس تحرير الدورية الرئيسية للكلية الحربية الملحقة بالجيش الأميركي.
تبرير الفشل وترويج الاوهام
يمكن فهم أسباب استدعاء والترويج لما يسمى بحروب الجيل الرابع في إطار ما يؤكده الخبير العسكري الأميركي أنطوليو ايشافاريا، الذي تحدث عن أن النظرية التى خرجت مع نهاية الثمانينيات والتى تفترض أن الحروب تطورت من استخدام القوة الجسدية والأسلحة البدائية (الجيل الأول)، وقوة النيران والأسلحة الأكثر تطورا (الجيل الثانى)، والحروب الخداعية بما فيها الحروب بالوكالة (الجيل الثالث)، ثم إلى حروب الجيل الرابع والتى تفترض اتخاذ أشكال غير تقليدية من فاعلين من غير الدول (منظمات وحركات إرهابية) لإحداث فوضى داخلية، ليست نظرية وليس لها دليل واقعي حتى ترقى إلى مستوى الفرضية. ولكنها مجرد تصور وضعته المخابرات الأميركية بالتعاون مع عسكريين أميركيين لتبرير قصور قدرة هذه المؤسسات.
يتفق الكاتب الصحافي بلال فضل مع الرأي السابق، إذ يقول في مقال بجريدة العربي الجديد، بعنوان وهم حروب الجيل الرابع، بعد أن انكشف كثير من الأوهام التي ظل المشير عبد الفتاح السيسي، يقوم بتسويقها، منذ توليه الفعلي الرئاسة، عقب خطاب التفويض المشؤوم، مثل وهم التعهّد بتخليص سيناء من الإرهاب في ظرف أسبوعين، وتسليمها متوضئة للشعب، ووهم تدفق مئات المليارات من الدولارات فور توليه الرئاسة، ووهم الجهاز الذي يحوّل الإيدز وفيروس سي إلى كفتة، وبعد أن بدأت تنكشف حقيقة مشروعات عربية لتشغيل الشباب، وإجراءات توفير الطاقة، ومشروع المليون شقة، قرر السيسي أن يلجأ إلى أقوى الأوهام المتبقية في جعبته: وهم حروب الجيل الرابع”.