يصعد عبد الفتاح السيسي على ظهر “المحروسة”، ممسكاً بطفل مريض بالسرطان، يبتز به الناس، كما يفعل خاطفو الأطفال ومدّعو العاهات في إشارات المرور.
ومن ناحية أخرى، يقول للعالم: أنا إنسان.. أنا رسول الإنسانية.. أنا المدني الحساس الرقيق العطوف.
في المساء، كان طفل السرطان فقرة مكررة في كل الفضائيات، استكمالاً لحالة الهيمنة بالدجل والشعوذة، تصرح أسرته إن رؤية الطفل زعيم الخرافة رفعت نسبة احتمالات شفائه 100%، الطفل يحب بابا السيسي الحنون، ويهاجم “الإرهابيين الوحشين اللي عاوزين يقتلوا الجيش ويموّتوا القناة”. استكمالاً لهذا الطقس العاطفي الركيك، يظهر الجنرال مهاب مميش، بملابسه الكاجوال، فاقعة الألوان، مباهياً باكتشاف شباب مدنيين في “عسكرلاند”، ومتحدثاً عن الملائكة التي كانت تسير معه، ومع رئيسه، في أثناء حفل الافتتاح، حتى بكى وأبكى الملائكة، وأسال دموع المصريين.
كلاهما يتناوبان على تجسيد دور عندليب القناة، تتلبّسهما حالة عبد الحليم حافظ في أيامه الأخيرة، المرهفان الرقيقان، اللذان يتفصدان عذوبة وإنسانية وإيماناً وشفافية.
في وطن الإنسانية الفياضة، هناك رئيس جمهورية منتخب، يتعرّض لمحاولات قتل بطيء بالطعام الفاسد داخل السجن، ويموت معتقل أو محتجز أو سجين، كل ثلاثة أيام، حسب أرقام المنظمات الحقوقية، في الداخل والخارج.
أمس فقط حالتان، عصام دربالة القيادي في الجماعة الإسلامية، ومواطن آخر في الإسكندرية، وقبلهما الحبل على الجرار، نواب سابقون وسياسيون وطلبة وطالبات، يرحلون في ظلام السجون وأقبية التعذيب والتنكيل. تقول أرقام المفوضية المصرية للحقوق والحريات إن 268 شخصاً قتلوا داخل أماكن الاحتجاز من 30 يونيو/ حزيران 2013، وحتى التاريخ نفسه من 2015، على يد سلطات الانقلاب العسكري.
ويظهر آخر تقرير صادر عن المفوضية، بعنوان “الموت فى أماكن الاحتجاز”، أن حالات القتل وزّعت بين الأقسام العمومية التي وقعت فيها 39 حالة قتل، و96 قتيلاً داخل أقسام الشرطة، وقتيلين داخل المحاكم والنيابات، وقتيل داخل دار رعاية، وقتيل بمكان غير معلوم.
يحفظ البشر المصريون هذه الأرقام، ويوثّقونها بالأسماء والتواريخ، حتى بات الإعلان عن حالة وفاة جديدة لمسجون يصنّف خبراً عادياً، بعد أن كان خبراً عاجلاً، ونعيد التذكير بها ليعلم أهل المنح والدعم المالي والسياسي لهذا النظام حجم إسهامهم في إزهاق أرواح المصريين، وليكونوا على معرفة بقنوات إنفاق مساعداتهم لسلطة قتلت من معارضيها المسجونين، خلال عامين، أكثر ممّا قتل الاحتلال الصهيوني من الأسرى الفلسطينيين، في 48 عاماً، منذ نكسة العام 67.
ووفقاً لإحصائيات هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، تم توثيق مقتل 206 أسرى داخل السجون الإسرائيلية بعد الاعتقال منذ 1967. وقالت الهيئة إن “71 معتقلاً من هؤلاء توفوا نتيجة التعذيب، و54 نتيجة الإهمال الطبي، و74 نتيجة القتل العمد والتصفية المباشرة بعد الاعتقال، و7 نتيجة إطلاق النار المباشر عليهم من الجنود والحراس وهم داخل السجون، بالإضافة إلى عشرات آخرين توفوا بعد خروجهم بفترات وجيزة، نتيجة أمراض ورثوها من السجون”.
ولو قارنت بين أرقام ضحايا نظام السيسي المسجونين وضحايا الحكومات الصهيونية المتعاقبة من الأسرى، ستكتشف أن الاحتلال يقتل أربعة أسرى، تقريباً، في العام، بينما الانقلاب يقتل 135 سجيناً سنوياً، أي أن شهية الانقلاب للقتل والتصفية تعادل أكثر من 33 ضعف شهية الاحتلال للإهمال المؤدي إلى موت الأسرى، مع الأخذ في الاعتبار أن سنوات تمر على الكيان الصهيوني من دون أن يموت في سجونه أسير أو معتقل فلسطيني واحد، بينما مع الانقلاب لا يمر أسبوع من دون تسجيل حالتي وفاة على الأقل.
ولاحظ أيضاً أن الأسباب المؤدية للموت في السجون الإسرائيلية تكون، في معظمها، إطعام الأسرى قسرياً، كما جرى في 1980 حيث مات ثلاثة أسرى، تم إكراههم على تناول الطعام لكسر إضرابهم عن الطعام. أما في سجون انقلاب عبد الفتاح السيسي، فيموت السجناء جوعاً، أو تسمماً بطعام فاسد، أو تعذيباً، أو مرضاً، وبرداً.
تلك هي الحكاية بالأرقام، فاستمروا في دعمكم، ولا تقطعوا إمدادات أرزّكم عن القَتَلة، فلا يزال هناك أكثر من ستين ألف مصري في السجون، تكلّف تصفيتهم الكثير.