لا تختلف تفاصيل مشروع الاستيطان وتهويد المقدسات في فلسطين، وعمليات “أسرلة” التاريخ والجغرافيا في الأراضي المحتلة، عن سياسات الإبعاد والإقصاء، والمحو التام لعلامات ثورة 25 يناير المصرية، التي تقوم بها دولة الثلاثين من يونيو/ حزيران في مصر.
آخر حلقة في مسلسل تمشيط جيوب يناير عملية اصطياد الناشط السياسي الشاب خالد السيد، في ذلك الكمين الأمني الذي يسمونه “مطار القاهرة الدولي” لتثبت مؤسسة 30 يونيو أنها ماضية في تنفيذ المشروع الاستيطاني، القائم على سيناريو انتقامي، من كل من بقي رافضا التطبيع بين الثورة والانقلاب، أو ضبط متلبسا بالهتاف أو النقد والاحتجاج على “عسكرة ” مصر.
خالد السيد مثل كثيرين من ائتلاف شباب ثورة يناير، يعرفهم عبد الفتاح السيسي، ورئيس أركانه، ويحفظان وجوههم جيدا، ألم يسعيا يوما للتقرب من ذلك الشباب الذي طالما نافقته بيانات المجلس العسكري، واشتعلت عدساته في التقاط الصور التذكارية للجنرالات معهم؟
خالد السيد من هؤلاء الذين جاء وقت على السيسي ومجلس الجنرالات، كانوا فيه يخطبون ودّهم، فمنهم من بهرته أضواء العسكر، ووقع في الغواية بعضوية البرلمان، وخلافه من الغنائم، ومنهم من بقي صامداً وقابضاً على جمر ثورته، مثل خالد السيد الذي أعلن، منذ بواكير الانقلاب، رفضه عملية السطو على الحكم بالقوة.
لم يكن خالد إخوانيا، ولا من “المتأخونين” مع صعود رجل منهم إلى قمة الحكم، غير أنه مثل كثيرين، انحازوا للثورة، ودافعوا عن الإنسانية، ووقفوا حيث يوجد العدل والحق، وتحتفظ ذاكرة “يوتيوب” بخطبة نارية له، وسط محيط هادر من طلاب جامعة حلوان، بعد أشهر معدودات من انقلاب السيسي، يعلن فيها رفضه من أراقوا الدماء، وحبسوا مصر كلها في زنزانة الخوف، من أشباح يصنعونها بأيديهم، ويطلقونها على الناس، لإكراههم على القبول بحكم الجنرال المخلص الذي سينقذهم من الأشرار، ويحارب لهم الإرهاب.
مشكلة خالد، ومن هم مثله، أنهم مصابون بجرثومة الوعي والفهم، ولديهم مناعة ضد الإغواء والإغراء، والاستدراج إلى غرف السلطة السرية، فكان لابد من التربص بهم، انتظاراً للحظة الانقضاض عليهم، كما جرى معه أمس بالمطار.
على الرغم من أن السلطة نفسها لا تترك مناسبة إلا وتعلن فيها أنه لا مكان لمعارض لها على أرض مصر، ومن لا يعجبه الحال يتفضل “ويغور في ستين داهية”، إلا أنها، من الناحية الأخرى، لا تريد أن يبقى حاملو “فيروس الوعي الثوري” طلقاء في أي مكان على ظهر الأرض، وتفضل أن تبني لهم سجوناً، يقبعون فيها إلى ما لا نهاية.
تكره هذه السلطة المقاومة، كل مقاومة، تكره كل من يقاوم، سواء في غزة، أو في طرة و”أبو زعبل” أو أي معتقل آخر، وتطلق عليه فرق “القناصة” و”النهاشة” لتشرب من دمه، رافعة شعار: لا وقت للإنسانية وحقوق الإنسان، والحريات، ولا رحمة مع هؤلاء “الأعداء” الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال، والثوار الذين يقاومون الانقلاب.
وتلخص واحدة من المجندات في مليشيات السيسي الإعلامية القصة كلها بسطور أعلنتها في مثل هذا الوقت من العام الماضي، إذ قالت المخرجة لميس جابر، كما نقلت عنها صحيفة الوطن في ذلك الوقت، إن “الحل هو إعلان العداء السياسي الصريح لحماس، وغلق المعابر إلى أجل غير مسمى، وإلغاء كلمة حالات إنسانية وجرحى.. يروحوا في داهية ونحتسبهم شهداء، ولّا الشهادة مكتوبة على شباب المصريين بس؟، والقبض على كل متعاطف واتهامه بالخيانة العظمى، وإلغاء موضوع القضية الفلسطينية من المناهج والإعلام والصحف، ملعون أبو أم القومية العربية”.
وبالضبط، تلك هي رؤية دولة الانقلاب لثورة يناير، بإعلان العداء الصريح لها، وصب اللعنات على “أبو أمها”، والقبض على كل متعاطف واتهامه بالخيانة العظمى.