في خضم وضع اقتصادي متدهور، وأسعار ترتفع باستمرار تجاهد الحكومة كي تؤجل انفجارها لما بعد شهر رمضان، وحياة سياسية ميتة إكلينيكيا، تخرج علينا ثلاثة أخبار يطرب لها المصريون ولم يخفوا سعادتهم لها. نتناول في هذا المقال هذه الأخبار الثلاثة، ثم نعلق على الرابط الذي يجمع بينها.
1- الخبر الأول: قطع الكهرباء عن ماسبيرو
فوجئ المصريون بانقطاع بث مبنى الإذاعة والتلفزيون يوم السبت 9 مايو الماضي، وكانت صور الشاشات السوداء للقنوات أهم شيء تناقلوه في حالة تشفي واضحة عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
هذا الانقطاع أتى بعد انقطاع آخر للكهرباء عن مدينة الإنتاج الإعلامي تبنته حركة العقاب الثوري، في 14 أبريل الماضي. هذا الخبر الذي أثار فرحة أشد من فرحة انقطاع الكهرباء عن ماسبيرو.
انقطاع الكهرباء عن ماسبيرو المؤسسة السيادية غير الأمنية الأهم في مصر والأداة الإعلامية الأولى في يد النظام، أزعج قائد الانقلاب بشدة، وجعله يذكر الأمر بضيق في “حديثه الشهري” إياه متوعدا بمحاسبة المسئولين.
2- الخبر الثاني: حكم حبس أحمد موسى
هو شخص من القلائل الذي يجمع عليه الجميع في مصر تقريبا! ينافق بحماس ويحرض بانفعال، ويبرر قتل جميع معارضيه دون أن يرمش له جفن!
أثار حكم حبس أحمد موسى حالة فرحة وتشفي عارمتين في جميع أنحاء مصر، حتى من قبل بعض زملائه الإعلاميين من مؤيدي الانقلاب أيضا، الذين لم يتوانوا عن المشاركة بحماس في الهاشتاج الذي دشنه مؤيدو الشرعية#اقبضوا_على_أحمد_موسى.
إلا أن سفر أحمد موسى الصادر بحقه حكم نهائي بات بحبسه عامين على الطائرة الرئاسية مع السيسي إلى ألمانيا أثار حنق البعض الذين يرون العدالة في مصر انتقائية، والبعض أصبح لا يراها إطلاقا!
3- الخبر الثالث: شائعة مرض علي جمعة
رآها البعض شائعة للفت الأنظار عن التعليقات الساخرة التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعي – السياسية وغير السياسية – على تصريحات السيسي الخرقاء التي يرى فيها أنه طبيب كل الفلاسفة، وأن مصر كانت “مصر كانت على الحرف وحد أنقذها وهى نازلة تقع”، وهي التصريحات تؤكد إصابته بالبارنويا كما سنوضح في مقال سينشر نهاية الأسبوع إن شاء الله.
لم تذكر أي تفاصيل في الخبر، لا سبب دخوله العناية المركزة، ولا توقيته، ولا المستشفى التي يمكث فيها. رغم ذلك تناقل النشطاء الشائعة في رغبة بدت واضحة أن يكون الخبر صحيحا!
***
الرابط بين هذه الأخبار الثلاثة:
______________________
لا توجد منفعة شخصية لأي أحد في هذه الأخبار بالمعنى المادي البحت، فربما خبر تراجع أسعار الطماطم قد يكون أكثر فائدة عند البعض من خبر الحكم على أحمد موسى والذي لا يبدو أنه سينفذ، أو مرض علي جمعة، حيث يوجد غيره المئات من علماء السلاطين الذين مستعدين للمزايدة على المفتي السابق في تبرير أعمال القتل والقمع، وإن لأسباب أقل ضعفا من أن الخصوم الواجب قتلهم رائحتهم غير جيدة!
إلا أن ما يجمع هذه الأخبار الثلاثة، وتجعل غالبية المصريين يشعرون بالفرح بها، هو أن هؤلاء الثلاثة مارسوا دورا غير مسبوقا في “التحريض” وبث مشاعر “الحقد” ضد خصومهم.
وكما ذكر جوستاف لوبون في كتاب “الثورة الفرنسية وروح الثورات” فإن “التحريض وبث مشاعر الحقد” أهم وسائل الديكتاتور في السيطرة على الجمهور، حيث خصص لوبون فصلا في كتابه بعنوان “تقلبات الخلق أيام الثورات” قال فيه:
“ولقد أشار أحد أساتذة المدرسة الحربية : القائد كولان إلى أهمية عاطفة الحقد في بعض الحروب حيث قال:
لا داعي إلى الشجاعة في الحرب أكثر مما إلى الحقد، فهو الذي نصر بلوخر على ناپليون (قائد عسكريّ من پروسيا، ساعد وصوله مع الإمدادات العسكرية على هزيمة جيش نابليون أمام البريطانيين في معركة واترلو.)
وإذا بحثنا عن أحسن الحركات العسكرية وأحزمها رأيناها قد صدرت عن البغض والنفور أكثر مما عن العدد، وماذا كانت نتيجة حرب سنة ١٨٧٠ لولا الحقد الذي كان يحمله الألمان في صدورهم ضدَّنا؟؟
ويمكن هذا المؤلف أن يقول أيضًا إن حقد اليابان الشديد على الروس الذين كانوا يزدرونهم هو أحد الأسباب التي نصرت أولئك على هؤلاء، وأما الروس فبما أنهم كانوا لا يعلمون غير شيء يسير عن اليابان فإنهم لم يحملوا شيئًا من الضغينة نحوهم فزاد ذلك ضعفهم.”
“الثورة الفرنسية وروح الثورات”
صـ 57 و 58
***
وحده القصاص فقط قادر على إطفاء نار الحقد التي أوقدها السيسي بإعلامه وقضاته وضباطه، وإخماد لهيب التحريض والفتاوى الشاذة والأحكام الظالمة التي تقوض استقرار الوطن وتسفك دماء شبابه الطاهر النقي! وصدق الله العظيم إذ يقول: “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون” 179 البقرة