من نحن وماذا نريد؟ قد يكون لدى البعض من رفاق الثورة إجابة، لكن كيف نحقق ما نريد؟، سؤال شائك وصعب، يحتاج إلى إجابة واحدة، قبل أن نمنح الحق لأنفسنا في أن يمسك كل منا برأس أخيه، وفكرته.
أيمن نور طرح فكرة، أنا شخصيا مختلف نسبيا، لكن ما المانع أن نطرحها للنقاش، النقاش خير من “الشرشحة”، الاتهامات المجانية، النعرات الأيديولوجية التي لم تعالجها مصيبة الانقلاب العسكري عند الكثيرين منا حتى الآن، النقاش خير من تكسير العظام.
باستثناء وائل قنديل، الكاتب الصحفي الكبير، لم أجد نقاشا فيما طُرح حول حوار أيمن نور المهم، مع جريدة “العرب”، ودعوته “الأخلاقية”، كما سماها، لحل سياسي بانتخابات رئاسية مبكرة، لم يستبعد خوضها أمام السيسي، وهو على كل حال سياسي كبير، له تاريخه، في معارضة مبارك، وواقعه المشرف في معارضة العسكر، ولم ير أحد من الفرقاء منه ما يدفعهم لهذه الحالة من الرعب في التعاطي مع فكرته.
هذا الكلام، ليس دفاعا عن أيمن نور طبعا، فلا أنا معه، ولا كنت يوما عضوا في حزب الغد، رغم دعمي وتشجيعي أيام مبارك، إلا أنه في النهاية “أيمن نور”، ومن لا يعرف عليه أن يحاول، قيمة تجاربنا المحورية منذ 3 يوليو حتى الآن، تكمن في الفرز، بكل درجاته ومستوياته، الفرز السياسي، والاجتماعي، والإعلامي، والحزبي، والطائفي، الفرز الشخصي، حتى أنت يمكنك أن تعرف من تكون حقيقة في مرآة ما يحدث، وإن لم تكن شخصية عامة، لها مواقف، وتأثيرات سلبية وإيجابية.
أيمن نور له ثمن، من هؤلاء الذين يُدفع فيهم، ليس واحدا والسلام، لو أراد أن يبيع نفسه لفعل، وقتها كان العساكر على استعداد لشراء كل واحد كي يمروا بجريمتهم، الكتاتني كان مطلوبا ورفض، باسم عودة كان مطلوبا ورفض، أيمن نور كان مطلوبا، ورفض، وسافر، ولم يتوقف عن معارضة النظام على طريقته يوما، فيما تبرع ببيع نفسه الكثيرون ممن لم يكن أحد منهم مطلوبا أصلا، نعرفهم جميعا، ولا مجال لاستعراضهم.
فارق هنا بين أن تشتبك مع واحد من فريقك، وإن اختلفت طريقته، وبين أن تشتبك مع واحد من خصومك، الإمام “علي”، كرم الله وجهه، يقول: “من أراد الحق فأخطأه، ليس كمن أراد الباطل فأصابه”، إذا كانت الأيام تمنحنا الآن فرصا للمراجعة، وإعادة التقييم، فعلينا ألا نهدرها، بتكرار نفس الأخطاء.
كنا في الميدان، الوضع متأزم، الناس في الشوارع تقابلنا، تعاتبنا، تثنينا، أو تشجعنا في حالات استثنائية، ملوا، تعبوا، خافوا على عيالهم، التليفزيون يبث سمومه الناقعات في روعهم، لهم عذرهم ولنا أعذار، لهم قلقهم ولنا الثورة، لكنهم على كل حال أهلنا، طلب عمر سليمان لقاء بعض القوى السياسية، البعض رآها خطوة، والبعض رفضها بشكل مبدئي، طبيعي، إلا أنه من غير الطبيعي أن يذهب ممثلون من الجمعية الوطنية للتغيير، ويرفضون بدورهم، بشكل قاطع، وواضح، أي مساومات حول رحيل مبارك، ثم يستمر الرفض لمبدأ الذهاب إلى حد التخوين، كان هذا ساذجا، وسخيفا، إلى أقصى حد، كأن بمقدورنا أن نتهم سعد زغلول مثلا لأنه حاول التفاوض، دون أن يتراجع خطوة عن مبدأ الاستقلال التام، دفعنا ثمن تربصنا ببعضنا البعض كثيرا، يوشك رصيدنا أن ينفد، الناس فيما “يشتغلون سياسة” مذاهب، وما دمنا قد اتفقنا على المبدأ لا نحيد عنه، فلماذا لا تتنوع الطرق، هذا صحي، الصوت الواحد لا يكون إلا وحيا، ودون ذلك “كهننة” للفعل الثوري، النقدي، والإنساني بالأساس.
يقولون الدعوة لانتخابات اعتراف بشرعية “الانقلاب”، وهل كان صلح الحديبية اعتراف بشرعية طرد المسلمين، وتهجيرهم القسري عن ديارهم، وهل كان تراجع النبي عن توقيعه بـ محمد رسول الله، إلى محمد ابن عبد الله، اعتراف بشرعية الكفر، أو خصم من الاعتراف بشرعية النبوة؟!!، ثم هب أن القياس فاسد، دعنا نقول إنه كذلك، دعنا نحرر المصطلحات، ونضيء السياقات، ونتمرن على فعل القراءة، ونزداد وعيا لما هو قادم، فهو أصعب، كلنا يعرف.
نحن متوترون زيادة عن اللازم، لا يستثني كاتب السطور نفسه، نحتاج إلى مزيد من التواصل، الوعي بما كان، وبما هو كائن، وبما ينبغي أن يكون، الأخطاء لا تعني انقطاع التاريخ، إلا أن تكرارها، رغم ما بدا من نتائجها، لا يعني سوى انقطاع الأمل، صلوا على النبي.