أصدر العاهل السعودى منذ أيام خمسةً وعشرين أمرًا ملكيًا؛ شملت هذة الأوامر تغيير عدد من قيادات المملكة أبرزها إعفاء الامير مقرن بن عبد العزيز من منصبه، وتعيين محمد بن فايق بدلاً منه وليًا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء ورئيساً لمجلس الشئون السياسية والأمنية ..
كما تم تعيين محمد بن سلمان وليا لولى العهد ونائبا ثان لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا لمجلس الشئون الاقتصادية والتنموية مع اعفاءه من منصبه كرئيس للديوان الملكى،
كما اشتملت الأوامر الملكية على تعيين عادل الجبير – وزيرًا للخارجية – كما تم تغيير وزير الصحة والاقتصاد والعمل.. هذه الأوامر كان لها صدى واسع، وكانت لها تداعيات ومآلات ليس فى السعودية فحسب بل على المستويين الإقليمى والدولى .
دماء جديدة
تميزت هذه الأوامر الملكية عن أى أوامر ملكية سابقة وكان بمثابة زلزال سياسى هز أرجاء المملكة فلا ولى مرة فى تاريخ المملكة يتولى حفيد منصب ولى عهد المملكة ولأول مرة يتولى حفيد لا يتجاوزه عمره الثلاثين عاما منصب ولى ولى العهد ولاول مرة تتولى شخصية سعودية من خارج الاسرة المالكة منصب وزير الخارجية ،
كل هذا يشير إلى أن زمن الأحفاد قد بدأ وأن الحياة السياسية بالمملكة ستشهد تطورا جديدا وأن هذه الدماء الجديدة التى تم ضخها فى المناصب العليا ستحدث تأثيرا ملموساً فى جميع الملفات التى تهم المملكة .
( القوة قبل السلطة )
من يملك القوة يمتلك السلطة وقد تم تطبيق هذا المبدأ فى التغييرات الاخيرة التى أصدرها الملك سلمان فولى العهد الجديد هو وزير الداخلية منذ عام ٢٠١٢ وذراعه الايمن خالاد الحميدان هو رئيس المخابرات العامة السعودية، كما أن ولى ولى العهد هو وزير الدفاع ، وقد احتفظ كل منهما بوزارته مع منصبه الجديد، ولا يخفى على أحد أن جناحى القوة فى أى دولة هما الدفاع والداخلية ، فالقادة الجدد تملكوا القوة قبل ان يتملكوا السلطة وهذا مما سيكون له أثر فى القرارات المصيرية التى ستتخذها المملكة فى شئونها المختلفة.
قبول مصحوب باعتراض:
لاقت هذه التعديلات قبولا عاما داخل المجتمع السعودى فأعمار القيادة الحالية فى سن الثلاثين والخمسين بعد أن ظلت لعقود طويلة لا تقل عن الستين والسبعين كما أن القيادات الجديدة لها انجازات سابقة فولى العهد الجديد استطاع على مدار عمله بوزارة الداخلية منذ عام ١٩٩٩ أن ينجح فى محايدة تنظيم القاعدة وإحلال الأمن بربوع المملكة كما أنه أول من اقترح فكرة التناصح والمراجعات مع التنظيمات الجهادية وقد كانت له بصماته فى مختلف الشئون الامنية الحالية ضدالحوثيين ونجاحه فى إنشاء تحالف عرب اسلامى لصد المدد الشيعى بالمنطقة وكان ذلك بمثابة شادة قبول له لدى الرأى العام السعودى.
ولكن هذا القبول قد صاحبة اعتراض ربما كان أبرزه أحد أفراد الاسرة المالكة الا هو الامير طلال بن عبد العزيز عندما رفض هذه التعديلات وأكد أن هذه الاوامر تخالف البيعة التى تمت منذ عدة اشهر وهذا ربما يدل على وجود صراع مكتوم داخل الأسرة المالكة.
سياسة درء المخاطر
المنطقة الآن على صفيح ساخن والمملكة تحوم حولها الحروب شرقا فى العراق وجنوبا فى اليمن وشمالا فى سوريا كل ذلك أدى لإحداث تغييرات فى السياسة العامة للمملكة وهذا ما ترجمته لقاء محمد بن نايف باردوغان فى تركيا ولحقه بلقاء تميم بن حمد فى قطر منذ عدة أسابيع كما التقى محمد بن سلمان السيسى بالقاهرة فدل ذلك على ان المملكة تسعى لتشكيل محور سنى لمواجهة الزحف الايرانى والذى يتمدد على حساب الانكماش العربى السنى،
كما أن تعين سفير السعودية بامريكا وزيرا للخارجية يدل على ان التقارب السعودى الاتمريكى سيظل موجودا بل ربما يزيد ان استطاعت امريكا – خلال قمة كامب ديفيد – إقناع السعودية ودول الخليج بأن اتفاق لوزان ليس فيه خطرا على أمن الخليج .
مصر من منظور سعودى
لا أحد ينكر الدورالذى لعبه الملك الراحل فى دعم السلطة الحالية بمصر ومع تولى الملك سلمان مقاليد الحكم كان هناك تغييرات فى السياسة السعودية تجاته مصر بداء بدعوة جميع الاطراف المصرية للمصالحة مرورا بتصريح المسئولين أن الاخوان لا يمثلون خطرًا على المملكة ومرحب بهم وليسوا ارهابيين انتهاء بالتواصل مع الاخوان هذه السياسة انتقلت الى مرحلة احتواء لجميع الاطراف .. عن طريق لا تحالف مع الاخوان ولا دعم للخصم..
هذه هى السياسة التى ستعمل عليها المملكة وستحرص على ارسائها فالسعودية فى حاجة الى مصر بشقيها الإخوانى والعسكرى ومن ثم فهى ستتواطل مع الاثنين على اساس لا تحالف ولا دعم .
كلمة اخيرة
هذين الحفيدين بانتظارهما ملفات شائكة وأزمات طاحنة فإن اجتازوا هذه الملفات و أنهوا هذه الازمات فستكون بمثابة خطوة فى تمكين ملكهم ليس فى المملكة فحسب بل إقليميا ودولياً أما إذا حدث العكس فإن الصراعات أسرياً وداخلياً وخارجياً ستتكالب عليهم وعندها سيكون ملكهم على المحك!