يعتبر الغاز المصري من أكثر الثروات المصرية المنهوبة منذ اكتشافه رغم الأزمة الطاحنة التى تعاني منها البلاد من نقص مصادر الطاقة وانعكاس الأزمة على المصانع ومحطات الكهرباء وغيرها من المجالات، إلا أن كارثة الغاز عسكت الطريقة التي تدار بها الدولة، بعد أن صدّرته إلى العدو الصهيوني بأقل من سعره العالمي، وعادت لتستورده من إسرائيل بسعر السوق العالمي، متجاهلة أحقية مصر فى حقل البترول “تمارا” الذى تفرض إسرائيل سيطرتها عليها فى قلب البحر المتوسط.
سرقة الغاز
منذ عصر المخلوع مبارك، بدأت مصر تصدير الغاز لإسرائيل بمبالغ أقل بكثير من سعره العالمي، حتى توقف النظام مجبرا عن تصديره في أعقاب ثورة 25 يناير، بعد تدمير خطوط أنبيب الغاز التي توصله للكيان العبري، وتحولت مصر من مصدر إلي مستورد بعد زيادة العجز الداخلي بنسبة كبيرة.
وخاض عدد كبير من السياسيين معارك قانونية وشعبية مع نظام المخلوع مبارك لوقف تصدير الغاز لإسرائيل وإنقاذ ثروة مصر المنهوبة، ويعتبر السفير إبراهيم يسري من أهم من خاضوا المعركة القانونية والشعبية ضد تصدير الغاز، وحصل علي حكم من القضاء المصري بوقف تصديره ولكنه لم ينفذ.
رجال المخلوع
وحوكم عدد من رجال مبارك بتهمة تصدير الغاز لإسرائيل، من بينهم الرئيس المخلوع نفسه، ووزير البترول آنذاك سامح فهمي، ورجل الأعمال حسين سالم وحصل الجميع علي حكم بالبراءة.
وبعد الانقلاب العسكرى على أول رئيس منتخب الدكتور محمد مرسي فى 3 يوليو 2013، مباشرة عاد الانقلاب للتفاوض مع إسرائيل ولكن ليس لتصدير الغاز ولكن للاستيراد بالسعر العالمي.
استيراد الغاز
نائل الشافعي -مدير الموسوعة الإلكترونية “المعرفة”- قال إن أولى ثمار الغاز الإسرائيلي، انخفاض العجز التجاري 70%، وذلك قبل بدء التصدير.
وأضاف الشافعي -عبر تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”-: “توقعوا أن ينطلق هذا المنحنى في عنان الفوائض التجارية، بعد بدء تصدير الغاز بمليارات الدولارات سنوياً إلى مصر”.
وأعرب عن تمنياته بأن تفهم الدولة المصرية أن اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية ومكامن الغاز، وقمم “الكالاماتا” والمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، لم يزيدوا مصر إلا ديوناً”.
وأكد “الشافعي” أن مخرج مصر الوحيد من الضائقة الاقتصادية بسرعة، هو الحفاظ على حقوقها في مياه وغاز شرق المتوسط..
وكان المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، قد صرح بأنه ليس هناك مانع في استيراد الغاز من إسرائيل، طالما يحقق المصلحة العامة للدولة ويسهم في تلبية الاحتياجات، مضيفًا “سنلجأ يوما لاستيراد الغاز من إسرائيل لكونه مربحًا من الناحية الاقتصادية”.
واشترط وزير البترول الأسبق عدم المساس بالسيادة المصرية، مع وضع شروط في التعاقد والتي سبق الإعلان عنها متضمنة كلًا من موافقة الحكومة المصرية، وإسقاط إسرائيل الدعاوى المرفوعة على مصر وأخيرًا تحقيق قيمة مضافة من وراء الاستيراد.
وفي المقابل، وصف مراقبون وخبراء اتفاق الغاز الذي وقعه نظام الحكم العسكري في مصر، مع شركة “إل بي بي” النفطية البريطانية، والذي تم الإعلان عنه على هامش المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ الشهر الماضي؛ بأنه “إهدار لموارد مصر من الغاز الطبيعي، ويؤسس لقواعد النهب على حساب الاقتصاد المصري”.
حاجة ماسة.. وقلّة كفاءة
وجاءت الاتفاقية المشبوهة بعد عقدين من المقايضة، خرجت منها عملاق الطاقة البريطاني بمكاسب متزايدة وشروطًا محسنة، دون أن تنتج الشركة أي غاز.
وبحسب الاتفاق، ستحصل شركة البترول البريطانية مع شريكتها “آر دبليو إي ديا” على 100% من أي أرباح تجنيها، بعد دفع الرسوم والضرائب، من امتيازات مُنحت لهما لاستخراج الغاز من حقلين مصريين في البحر.
وأكد محللون أن الشروط التي حصلت عليها الشركتين، إنما تعكس حاجة مصر الماسة للغاز، وحالة عدم الكفاءة التي يدار من خلالها هذا القطاع في مصر منذ سنوات طوال.
وكان من جراء تلك المقايضة التي استمرت 20 عامًا بين شركة البترول البريطانية والشركة المصرية المملوكة للدولة، أن تكبدت البلاد خسائر لا تقل عن 32 مليار دولار، كان من المفترض أن تجنيها، وذلك بحسب ما قاله أحد أعضاء مجموعة العمل، التي تشتمل على موظفين من شركة البترول البريطانية، ومن شركة الغاز المصرية المملوكة للدولة، بناءً على تحليله لبيانات العقود السابقة.
الشعب الفقير
من جانبه، أوضح د. طارق الزمر -رئيس حزب البناء والتنمية- أن توقيع اتفاقية الغاز مع شركة “إل بي بي” البريطانية، “يأتي على حساب الشعوب الفقيرة”، على حد قوله.
وقال الزمر -في تغريدة له عبر حسابه على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”- إن “اتفاق الغاز الذي وقعته إل سي سى مع إل بي بي يؤسس لقواعد نهب جديدة لصالح الشركات الكبرى، وعلى حساب الشعب الففير”.
بدوره، دشّن حاتم عزام -نائب رئيس حزب الوسط وأمين لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب السابق- الحملة الشعبية لوقف إهدار غاز مصر المستقبلي لصالح شركة بي بي.
وقاد نائب رئيس حزب الوسط حملة قوية لوقف هذه الاتفاقية، مؤكدًا أن “مصر غير ملزمة بالاتفاقية بمجرد إسقاط حكومة الانقلاب”.
وقال حاتم عزام -لـ”رصد”- إن “قرار منح ملكية احتياطيات النفط والغاز، وكذلك الموجودات المستثمرة، إلى شركة البترول البريطانية فجأة هكذا وبدون مقدمات، لهو خطوة تتطلب بالتأكيد تحقيقًا معمقًا من قبل الشعب المصري، ممثلًا بالبرلمان الشرعي، وذلك لتقييم ما إذا كانت ثمة فوائد في ذلك، هذا إن وجدت أصلًا”.
وأضاف “عزام” أن إقرار هذه التعديلات “بمنزلة سَعي حثيث من سلطة “السيسي – مبارك” لاستكمال مسيرة تجريف ثروات مصر من الغاز الطبيعي لمصلحة فئات منتفعة ملتصقة بالسلطة المستبدة الفاسدة، في وقت باتت تعاني الدولة المصرية وشعبها شحًا واضحًا لا تخطـئه عين في موارد الطاقة الطبيعية وأهمها الغاز”.
وأوضح أن هذا “يترتب عليه عجز شديد في الكهرباء، سواءً للاستخدام المنزلي أو التجاري والصناعي، ناهيك عن إغلاق ٧٥٪ من الطاقة الإنتاجية لمصانع الحديد والصلب والأسمنت وصناعات أخرى”.
وبيّن عزام أن الاتفاقيتين بتعديلاتهما، “تهدران ما قيمته ٣٢ مليار دولار من احتياطي الغاز المصري، بحرمان الدولة المصرية من حصتها المجانية في الغاز الكامن بأراضيها والذي سيمثل هنا ٢٠٪ من الإنتاج اليومي للغاز عند بدء الإنتاج”.