كانت سياسة الخصخصة ونهب ممتلكات الدولة وبيعها بأقل الأسعار للمستثمرين من أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير ومشاركة العمال فيها بشكل كبير، في ظل السياسة التي كانت تتبعها الحكومة وقتها وخصخصة معظم مصانع الدولة بأقل الأسعار وتشريد ألآلاف العمال.
وبدأت الخصخصة في عهد الرئيس محمد أنور السادات نتاج السياسة الاقتصادية التي بدأها منذ عام 1974 والتي سميت بالانفتاح الاقتصادي، والدخول في اتفاقات مع صندوق النقد الدولي تفرض الخصخصة، وحل أزمة “عجز الميزانية” عبر بيع القطاع العام، بينما تفشت في عصر مبارك حيث بيع الآلاف من المصانع التي تمتلكها الدولة بأقل الأسعار.
القضاء والخصخصة
وأكد خبراء أنه بالرغم من قيام الثورة ضد هذه الممارسات، فإن ما يحدث الآن -أي بعد سنوات أربع من انفجار الثورات- هو الاستمرار في تطبيق تلك الاتفاقات، والاستمرار في السياسة الاقتصادية ذاتها.
لم تنته أزمات الخصخصة وبيع القطاع العام بتشريد العمال أو انهيار الصناعة الوطنية في حينها، إنما عادت لتطل بوجهها الخبيث مرة أخرى في الوقت الحالي، وما زالت وستظل مصر تعاني من هذه الأزمة حتى الآن.
ففي الوقت الذي حكم فيه القضاء بعودة العديد من الشركات إلى حضن القطاع العام مرة أخرى لم تجد الدولة القدرة على إعادة الروح لهذه الشركات، خاصة بعد 30 يونيو وما تبعها من أحداث وانهيار اقتصادي أدى إلي إغلاق آلاف المصانع.
شركات القطاع العام
حاولت الحكومة إحياء شركات القطاع العام التي استردتها وعلى الرغم من طرح العشرات من الخطط لإحياء القطاع العام، إلا أن شيئا منها لم ينفذ، حيث انهارت صناعة الغزل والنسيج وأصبحت عبء كبير علي الحكومة.
وعودة شبح الخصخصة مرة أخرى يتمثل في شركتي “عمر أفندي” ومجموعة السويس للأسمنت، اللتين ما زال يعاني عمالهما ومعهم الاقتصاد الوطني من السياسات الخاطئة بالخصخصة.
شركة “عمر أفندي” على الرغم مما تمتلكه من أصول تحول معظمها إلى بيوت أشباح ولا تحقق أي أرباح.
مجموعة السويس
مجموعة السويس للأسمنت والتي تأسست في عام 1977 لتصبح واحدة من كبرى الشركات المصرية المنتجة للأسمنت الرمادي، حيث تبلغ سعتها الإنتاجية أربعة ملايين طن سنويا، وبدأت شركة السويس للأسمنت نشاطها من خلال إنشاء مصنعها الأول في مدينة السويس ثم تبعه مصنع القطامية بإجمالي استثمارات بلغت نحو 1.7 مليار جنيه مصري، ويعمل المصنعان باستخدام الطريقة الجافة مع التبييض والتسخين.
وفي أغسطس 2005، قامت شركة السويس للأسمنت بشراء نحو 99% من أسهم شركة أسيك للأسمنت والتي تحمل حاليًا اسم شركة “حلوان للأسمنت” بالتعاون مع شركاء دوليين ومحليين آخرين لتحقيق استثمار عالمي وصل لنحو 605 ملايين دولار.
وتعد شركة “إيتالشمنتي” الإيطالية والتي تمتلك مجموعة السويس للأسمنت خامس أكبر منتجي الأسمنت في العالم، هي أكبر المساهمين بالمجموعة، وقامت باستكمال التوسعات الرأسية لأعمالها التجارية من خلال شراء الحصة الكبرى من أسهم شركة ريدي ميكس بيتون، التي تعد رائدة إنتاج الخرسانة الجاهز ةفي مصر، لتنتج المجموعة في مصر ما يزيد عن 12 مليون طن في العام من “الكلنكر” حيث يتم إنتاج تلك الكمية بواسطة خمسة مصانع يعمل بها نحو 3500 عامل دائم.
خصخصة جزء كبير من المجموعة لم تنته باستفادة المستثمر الإيطالي بالعائد الاقتصادي منها على الأراضي المصرية، ولكن عادت لتطل بسلبياتها مرة أخرى هذه الأيام مع تصاعد الأزمة بين العمال وإدارة الشركة بسبب محاولات الشركة التنصل من حق العمال في صرف الأرباح.
وقامت الشركة بإغلاق مصنع “أسمنت طرة” بسبب اعتصام العمال المطالبين بحقوقهم، وذلك على الرغم من تمسك العمال بسير العمل والإنتاج مع استمرار اعتصامهم للمطالبة بحقوقهم المشروعة.
عودة دور صندوق النقد الدولي
الأمر المفاجئ أن دور صندوق النقد الدولي عاد بعد الثورة، فقد كان واضحاً أن الصندوق “على سرير الموت”، لكنه نهض من السرير حين انفجرت الثورات العربية، لنجد أنه عاد لكي يفرض شروطه ويطبّق ما كان توافق مع النظم عليه قبل الثورات.
وظهر أن سياسات الخصخصة عادت من النقطة التي توقفت عندها مع بدء الثورات. ولهذا باتت الحكومات “حكومات تكنوقراط” مهمتها اقتصادية بالأساس، لكن على أساس تطبيق سياسات صندوق النقد الذي يريد إكمال الخصخصة وفتح الأسواق بشكل “مطلق”.