شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الهاربون من جحيم الانقلاب.. “معتقلون في الغربة” لكنهم “منسيون”!

الهاربون من جحيم الانقلاب.. “معتقلون في الغربة” لكنهم “منسيون”!
"أمي في غرفة العمليات الآن تجري عملية قلب مفتوح، وقد حُرمت من الوجود معها" هكذا كانت كلمات محمد مصطفى ابن...
"أمي في غرفة العمليات الآن تجري عملية قلب مفتوح، وقد حُرمت من الوجود معها" هكذا كانت كلمات محمد مصطفى ابن الـ 24 ربيعاً الذي حال الانقلاب وممارساته القمعية بينه وبين والدته المريضة بعد أصدر ضده أوامر ضبط وإحضار في قضايا ملفقة، ليجد محمد نفسه مضطرا للهرب خارج البلاد شأنه شأن الآلاف من أمثاله، لكنه ما إن خرج حتى فوجئ بأنه يعيش في سجن آخر اسمه الغربة.
 
"الوطن أمان، الوطن سكن، الوطن مستقبل وامن وطمأنينة، كلمات كانوا طالما يخدعوننا بها طوال الوقت، فنحن لم نشهد منذ أن تفتحت اعيننا على هذه الدنيا، سوى الظلم في هذا الوطن، حرمنا من آبائنا ونحن نراهم قابعين في السجون، وحرمنا من حريتنا، وحرمنا من تعليم ينهض بأفكارنا، والآن بعد قتل ودماء واعتقالات، نحرم من أن نرى أسرنا، حتى وهم في أحلك الظروف، بعد ان اضطررنا للفرار خارج البلاد"، أضاف "مصطفى" بمشاعر غاضبة وحزينة بعدما لم يجد سبيلا غير الفرار من وطنه؛ حيث طاردته قوات الأمن، وهو يمارسه عمله، وعلم بأمر ضبطه وإحضاره.
 

التهمة.. ممارسة العمل!

 
ومصطفى، طبيب شاب تخرج حديثا ولم يفعل شيئا سوى أنه كان يمارس عمله في إنقاذ مريض من الموت، بعد أن سقط أمام عينه الآلاف المصابين، في الكثير من الميادين التي يتظاهر بها الثوار، حيث هرع لإنقاذ أبناء وطنه المضرجين بدمائهم في مجزرة ميدان رابعة التي كانت آخر المشاهد التي رآها مصطفى قبل رحيله وظل بعدها مطارد من سكن إلى آخر، غير قادر على رؤية اهله وأصدقائه، غير قادر على الذهاب إلى عمله.
 
بعدها لم يجد "مصطفى" ملاذاً سوى السفر، ليكون قادراً على التواصل مع أسرته تليفونياً على أقل تقدير، بحسب قوله.
 
مصطفى الذي بدا ثابتاً صامداً لا يبالي، قال والدموع في عينيه: "إنني لم أكن أفكر يوماً في السفر، خارج البلاد، ولكن ما حدث لي، ولأصدقائي وأهلي، جعل فكرة السفر ضرورية، كي أستطيع ان أكمل حياتي دون أي خطورة، وفى نفس الوقت، أجد غربة موحشة، وأنا أجلس وحيداً هنا دون أهل أو أصدقاء، خاصة عندما لا أستطيع أن أخفف الآلام والدتي، وهي تجري عملية الآن، ولا أستطيع أن أكون متواجدا بجوارها".
 
ولم يكن محمد مصطفى الوحيد الذي، يمر بتلك الظروف، والمشاعر المختلطة بين أوجاع الوطن وآلام الفراق، فقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن آلافا من أبناء مصر اضطروا تحت ضغوط متفاوتة للفرار من جحيم الانقلاب العسكري وممارساته القمعية، بينما غابت التقديرات الدقيقة للأعداد الفعلية، خاصة أن بعضا من المسافرين المطلوب ضبطهم وإحضارهم بقضايا ملفقة اضطروا للخروج بطرق غير رسمية بعد منعهم من السفر.
 

الفتاة العشرينية وحنين للأسرة

 
أسماء عبد المنعم الابنة قبل الأخيرة في الترتيب بين شقائقها واحدة من هؤلاء، فبنت الـ 22 ربيعاً، وجدت نفسها مطاردة، في مجتمع دائماً ما يثرثر بحقوق المرأة، وضرورة حمايتها والدفاع عنها، فلم تأمن أسماء واسرتها عليها داخل البلاد، بعد أن شاهدوا اعتقال عشرات الفتيات وحبسهن اياماً وشهوراً داخل ظلمات السجون بين "القتلة والمجرمين".
 
"الشوق والحنين يعني بالنسبة لي جلسة العائلة، أمي وإخوتي وعماتي وأبنائهم وبناتهن في بيت الأخت الكبيرة ورفيقة العمر وابنة العمة، مع غداء المحشي والبشاميل والبامية والرز، وحكاوينا التي لا تنتهي، وتضايقي منهن من كثرة حديثهن معي وحثي على الزواج " كانت تلك مشاعر أسماء عند تذكرها "لمة" أسرتها وأبناء عائلتها.
 
ولم يكن ما يحزن اسماء هو افتقادها للأسرة والأهل، بل كان الافتقاد أكبر والألم اشد، ففي زمن اصبحت فيه الصحافة جريمة وجدت اسماء نفسها مدانة، حيث قالت " لم أكن اتوقع يوماً ان اخرج وحيدة من بلدي، مطاردة من اهلها، وانا لم افعل شيئاً سوى ممارسة عملي وهو نقل الحقيقة، فعملي هو التصوير لأنقل ما اشاهده على الواقع بعدستي، فيكون هذا مصيري".
 

السفر للزوج المطارد

 
أما سلمى محفوظ التي لم تتعد العقد الثاني من عمرها، فقد وجدت نفسها بيوم عرسها وحيدة بلا أهل، حيث سافرت لزوجها المطارد، ليتم عرسها في بلاد أخرى، حيث إنه في بلادنا لا ميتم يتم، ولا افراح تكتمل، فالميت يحاصرون جنازته، والعرس يفض كالمظاهرة.
 
بابتسامة باكية وعينين تملؤها الدموع قالت سملى: "بالرغم من فرحتي التي ليس لها مثيل، فكم تمنيت ان يجمعني الله بزوجي، بعد فراق 9 أشهر من بعد فض رابعة العدوية، إلا أن تلك الفرحة منقوصة، فاليوم عرسي دون أهلي واحبابي وأصدقائي، دون ان يشاركوني فرحتي، دون ان تلبسني امي تاج عرسي، ويقبلني ابي من جبهتي ويوصيني بزوجي، دون ان ارى دموع امي في وداعي لها من بيتها لبيتي".
 

مكتب الجوازات ملاذا من المطاردة

 
أيمن جمال الطالب بكلية التجارة لم يكن يعلم يوماً، وهو الذي لم يعرف لمكتب الجوازات عنوان، انه سيترك وطنه ويغادر يوماً ما، فهو الذي طالما حث زملائه عن رفضه للهجرة، وترك البلاد، ومحاولة الاصلاح فيها، والتغيير.
 
جمال الذي لم يتخرج من جامعته بعد، الابن الوحيد لأسرته، وجد نفسه بين أمرين، أما الاعتقال وضياع مستقبله، او مغادرة البلاد، لم يفعل "جمال" شيئا سوى انه خرج ليتظاهر مطالباً بحق صديقاً له مات شهيداً منذ بداية الاحداث، ليجد نفسه مطارداً من قوات الأمن، بعد اقتحامهم لمنزله أكثر من مرة.
 
غادر جمال بعد ان لفظه وطنه كما لفظ الكثيرين من أبناء جيله، ممن ارادوا التغيير والاصلاح، غادر وهو لا يعلم إلى أين، وماذا يفعل، ليجد الكثيرين مثله في الغربة.
 
وبالرغم من أن المسافرين المطاردين من جحيم ممارسات الانقلاب العسكري القمعية بمصر لا يتم عدهم بين المعتقلين ولا ترصد المنظمات الحقوقية معاناتهم، إلا أنهم أن معاناتهم في الغربة والبعد عن الأهل قد لا تقل معاناة عما يلاقيه المصريون في سجون الانقلاب، ولكنهم منسيون.. "معتقلو الغربة المنسيون".
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023