فى ضوء العجز المتزايد فى الموازنة العامة للدولة ، وصغر حجم مخصصات الاستثمارات الحكومية لجأت الحكومة الى الشراكة مع القطاع الخاص لإنشاء مشروعات البنية التحتية ، وبسبب قلة المخصصات المالية لمواجهة المشكلات الاجتماعية المتراكمة ، من بطالة وفقر وعنوسة واسكان للعشوائيات وادمان ، لجأت الحكومة الى تشجيع الدور الاجتماعى لرجال الأعمال .
واذا كانت موازنة العام المالى الحالى 2013/2014 قد خصصت 3 مليار و920 مليون جنيه لقطاع الشؤن الاجتماعية ، فإن غالبية تلك المبالغ تتجه لمديريات الشؤن الاجتماعية بالمحافظات ، إلا أن غالبية موازنات مديريات الشؤن تتوجه لأجور الموظفين بها ولا يتبق سوى النذر القليل الذى يتجه للمساعدات الاجتماعية .
فمديرية الشؤن الاجتماعية بمحافظة الغربية التى يسكنها 5ر4 مليون نسمة ، تم تخصص 186 مليون جنيه لها ، إلا أن أجور الموظفين بالمديرية استحوزت على 184 مليون بنسبة 99 % من الاجمالى ، ولم يتبق سوى أقل من مليونى جنيه للمساعدات الاجتماعية.
وفى محافظة القاهرة التى يسكنها حوالى 9 مليون نسمه تم تخصيص 162 مليون جنيه لمديرية الشؤن الاجتماعية ، اتجه منها 95 % لأجور الموظفين بالمديرية وأقل من 4 % للمساعدات .
– وكان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء قد أعلن عن بلوغ نسبة الفقر فى مصر 3ر26 % ، أى أن هناك 5ر22 مليون فقير فى مصر حسب الجهاز ، وذكر أن نسبة الفقر ترتفع فى محافظة أسيوط التى يسكنها أربعة ملايين شخص الى 60 % من السكان.
وفى محافظة قنا التى يسكنها 9ر2 مليون بلغت نسبة الفقر 58 % ، وفى سوهاج التى يسكنها 3ر4 مليون كانت نسبة الفقر 55 % ، كما بلغت نسبة الفقر 47 % بالأقصر و39 % بكلا من بنى سويف وأسوان ، و36 % بالفيوم و32 % بالجيزه و30 % بالمنيا ، وبما يشير الى ارتفاع نسب الفقر بمحفاظات الصعيد .
ومن هنا كان الاحتياج الى دور الجمعيات الأهلية ملحا لمواجهة المشكلات الاجتماعية ، فى ضوء عجز الموازنة الحكومية وضعف الدور الاجتماعى للقطاع الخاص ، وبالفعل كان لتلك الجمعيات دورا ملموسا فى تعويض العجز الحكومى فى مجالات الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية والتشغيل .
– واذا بعض الرسميين قد ذكروا أن عدد الجمعيات الأهلية يزيد عن 47 ألف جمعية منتشرة بانحاء القطر إلا أنه لا يوجد رقم رسمى محدد سواء من جانب وزارة التضامن المهيمنة على الجمعيات ، أو من قبل الاتحاد العام للجمعيات الأهلية ، حتى جهاز الاحصاء لم يحصر سوى الجمعيات التى تحصل على إعانات من الوزارة وعددها 1114 جمعية .
ويعود سبب عدم دقة بيانات الجمعيات ، الى وجود جمعيات بالسجلات الرسمية لكنها متوقفة أو شبه متوقفة عن النشاط منذ سنوات ، سواء بسبب الركود الاقتصادى الذى أدى لقلة التبرعات، والتى تعد الرافد الأساسى لمواردها ، أو لأسباب أخرى تتعلق بالتضييق الأمنى أو تراجع النشاط التطوعى وتدهور سمعته ، فى ضوء الممارسات السلبية لبعض القائمين على جمعيات ، وتوسع وسائل الاعلام فى نشر تلك الممارسات رغم قلتها .
إلا أن ميدان النشاط الأهلى قد شهد نشاطا بارزا لعدد من الجمعيات ، لعل منها الجمعية الشرعية ورساله وبنك الطعام وصناع الحياه ، وأنصار السنة والشبان المسلمين والجمعية الطبية الاسلامية والجمعية الخيرية الاسلامية .
O O فنشاط الجمعية الشرعية يمثل نموذجا فريدا من خلال أكثر من خمسة آلاف مسجد تتبع الجمعية بالمحافظات ، وهو النشاط المتعدد الأوجه حيث تكفل الجمعية 540 ألف يتيم و254 ألف أرملة ، كما تقوم بنشاط علاجى ضخم من خلال 16 مركز طبى تابع للجمعية ، بها 40 وحدة للغسيل الكلوى و475 حضانة للأطفال المبتسرين .
الى جانب رعاية 32 ألف طالب بمراحل التعليم وأنشطة محو الأمية ورعاية الطلاب الوافدين للأزهر ، و1154 مكتب لتحفيظ القرآن الكريم وتيسير تزويج اليتيمات من خلال الإمداد بالسلع المنزلية المعمرة .
كما يتبعها 8 مدارس خاصة بالمحافظات ، وعشرة مخابز لانتاج وتوزيع الخبز ، ومشروعات التنمية لتحويل الأسر الفقيرة التى تتلقى مساعدات الى أسر ذات دخل يغنيها عن السؤال ، من أنشطة التشغيل لانتاج الملابس وتربية رؤس الماعز ، الى جانب قوافل الخير لأسر الفقيرة بالمحافظات والنشاط الإغاثى الذى امتد الى عشرة دول .
O O كما قام بنك الطعام المصرى بتوزيع 6ر16 مليون وجبة غذائية شهريا ، من خلال توزيع الوجبات التى يتم الحصول عليها من الفنادق المطاعم ، والكرتونه الشهرية ، الى جانب بنك الشفاء للعلاج ، وبنك الكساء الذى قام بحملة لتوفير البطاطين ، واتجه البنك الى المجال الاستثمارى من خلال اقامة مزارع التسمين وزراعة الأراضى وتعليب اللحوم بالخضار ، الى جانب برامج القرض الحسن الدوار والانتاج الحيوانى والمشروعات الصغيرة وبرامج التوظيف وذلك من خلال 47 ألف متطوع يتعاملون مع البنك .
O O وتمارس جمعية أنصار السنة أنشطتها من خلال 200 فرعا بالمحافظات ، يتبعها 1750 مسجدا حيث تشرف على 203 مركزا لتحفيظ القرآن ، و31 معهدا لإعداد الدعاة و27 مستشفى ، وثلاث مدارس ودار للمسنين ودار لايواء الأيتام ، كما تقوم بتوزيع المساعدات للأسر الفقيرة ، وتشغيل الفقراء فى مشروعات صغيرة ومحلات تابعة لفروع الجمعية وعمل معارض لترويج تلك المنتجات .
– إلا أن النشاط الأهلى الذى قام ساهم فى تحقيق الاستقرار الاجتماعى من خلال مساعداته للأسر الفقيرة ، قد فوجىء بقرار الحكومة بتجميد أرصدة 1055 جمعية بالبنوك ، بدعوى مساندتها لجماعة الاخوان المسلمين أو لتعاطفها معها ، رغم أن جمعية مثل الجمعية الشرعية التى تعود نشأتها لعام 1912 تبتعد تماما عن النشاط السياسى ، ونفس الأمر لجماعة انصار السنة التى تأسست عام 1926 ، وهو أمر يعرفه جيدا قيادات حزب النور المساندين للإنقلاب .
والغريب أن يشمل القرار جهات لاعلاقة لها بالسياسة أيضا مثل بنك الطعام أو الجمعية الخيرية ، أو الجمعية الطبية الاسلامية التى يقتصر عملها على 30 مستشفى تابعة لها بالمحفاظات .أو الجمعية التربوية الاسلامية أو جمعية رابعة العدوية التى يقتصر نشاطها على الجانب العلاجى والحضانات .
– ويبدو أن متخذ قرار التجميد لا دراية له بالنواحى المالية والمحاسبية ، وتغلب الجانب السياسى والأمنى عليه على كل العوامل الأخرى ، لأن تعامل الجمعيات مع البنوك يعد أفضل وسيلة لمراقبة عملها ، فكل إيصال أو شيك يمثل تعامل مع البنك سواء بالايداع أو السحب ، يختص هذا الشيك بغرض معين مسجل بدفاتر الجمعيات ، مما يسهل معرفة التفاصيل الدقيقة اليومية لنشاطها .
ويغفل متخذ قرار تجميد أموال الجمعيات أنه بقراره ، سيدفع بجانب كبير من النشاط التطوعى الى عدم التسجيل ، فبدلا من أن يقوم المتبرع بتسجيل تبرعه بسجلات الجمعية سقوم بإعطائه لمن يثق فيهم من أعضاء الجمعية أو خارجها لتوصيله الى المحتاجين .
أو قد يحجم البعض عن التعامل مع الجمعيات حتى لا يدخل فى متاهات الشكوك الأمنية الحالية التى يطول الوقت حتى يمكن تصحيحها ، ولعل اعتقال رئيس الاتحاد العام للجمعيات خير شاهد ، الأمر الذى يحرم الجمعيات من جانب من التبرعات ، مما يؤثر سلبا على الأنشطة المتجهة للفقراء .
– أما عن حجم تعاملات تلك الجمعيات مع البنوك ، فلا تذكر الاحصاءات المعلنة من البنك المركزى رقم ودائع الجمعيات حيث تضعه ضمن ودائع القطاع العائلى ، فى حين تذكر أن القروض التى حصلت عليها الجمعيات من البنوك بلغت 4ر3 مليار جنيه بنهاية سبتمبر الماضى ، ومن الطبيعى أن تكون قيمة ودائعها أعلى من قروضها ، وبما يشير الى التعاملات الضخمة للجمعيات .
ولعل قائمة الدخل المنشورة ضمن القوائم المالية لبنك الطعام لعام 2012 خير شاهد ، حين أشارت الى بلوغ اجمالى النشاط خلال العام 3 مليار و697 مليون جنيه ، معظمها للوجبات الجاهزة من الفنادق والمطاعم الى جانب التبرعات النقدية والتبرعات العينية .
ويرتبط ذلك من ناحية أخرى بعدد فرص العمل التى توفرها الجمعيات سواء بالعمل بداخلها ، أو من خلال فرص العمل التى توفرها ، حيث بلغ عدد العاملين ببنك الطعام أكثر من 250 موظف بخلاف آلاف المتطوعين .
وتشير بيانات جهاز الاحصاء الخاصة بنحو 1114 جمعية فقط ، أن عدد المستفيدن من أنشطة تلك الجمعيات عام 2011 قد بلغ 2 مليون و671 ألف شخص ، كما بلغ عدد الأعضاء المشتركين بتلك الجمعيات 249 ألف عضو ، وهو ما يشير الى اتساع نطاق الاستفادة من الجمعيات على مستوى المحافظات بالنظر الى العدد الاجمالى لها ، حتى ولو كان نصف عددها الذى تخطى 43 ألف جمعية هو الفعال .
*** وبالمقارنة بالمبالغ المخصصة لمساعدات المهجرين وأسر المقاتلين والمساعدات الشهرية للأسر الفقيرة وغيرها ، داخل موازنة العام المالى الحالى للحكومة والبالغة 336 مليون جنيه ، يتضح كبر حجم النشاط الأهلى ودوره فى مساعدة الأسر الفقيرة .
وهو النشاط الذى لم يقتصر على تقديم المساعدات المالية الشهرية المنتظمة ، ولكنه امتد الى الجانب الغذائى بتقديم الوجبات والمأكولات الجافة المجانية أو المخفضة الأسعار ، والى الجانب الصحى من خلال العلاج المجانى واجراء الجراجات المتقدمة بالمجان والأدوية وأجهزة الإعاقة ، والجانب التعليمى من خلال مجموعات التقوية ومستلزمات المدارس من ملابس وأدوات كتابية وحقائب مدرسية .
وبتقلص نشاط تقديم المساعدات للفقراء نتيجة قرار حكومة الانقلاب بتجميد أرصدة 1055 جمعية ، للعديد منها فروعا كثيرة بأنحاء المحافظات ، فقد أضافت سلطات الانقلاب الى خصومها بالشارع المتمثلين فى أنصار التيار الاسلامى والطلاب وجانبا من رجال الأعمال ، ومن تضرروا بغلاء الأسعار خلال حكم الانقلاب ، ومن اكتشفوا زيف ادعاءات قيادات الانقاذ والأحزاب ووسائل الاعلام المؤيدة للانقلاب .
وأسر الشهداء والمصابين والمعتقلين والمطاردين وأقاربهم ، وسكان القرى والمدن التى تم اقتحامها ، وحركة 6 ابريل ، قطاعا أكثر عددا وأكثر انتشارا وهو قطاع الفقراء الذى تزيد أعداده عن الأرقام الرسمية له بحوالى الضعفين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقيب الصحفيين المصريين الأسبق *