أحد الزملاء القدامى، وهو يشغل حاليا منصب مدير تحرير جريدة الأخبار، أشرف على ملف نشرته صحيفته على مساحة صفحتين متقابلتين عن مزايا مسودة دستور الانقلاب وما تحمله من "خيرات عظيمة للمصريين! " على حد قوله..
ولما انتقدت الملف وقلت له إنه يعرض لمزايا قد لا أنكر بعضها، إلا أن المهنية كانت تقتضى منه عرض وجهة النظر الأخرى التى ترى مثالب وعورات فى تلك المسودة، وعبرت له عن إدراكى للظروف والأجواء التى يعمل بها، وقد طلب منى الزميل أن أذكر هذه العورات، ورغم أنها أصبحت معلومة، لكننى احتراما لطلبه، ذكرت له بعضها.. وفيما يلى نص رسالتى إليه:
اقتناعى بأنك من الأقلية المحترمة فى المناصب القيادية بالصحف القومية، هو ما يدعونى للنقاش معك وتلبية ما سألتنى عنه من عورات مسودة الدستور.. وهى كثيرة وتحتاج إلى مجلد ليستوعبها، وأذكر هنا بعضها فقط، فهناك عيوب فى الشكل، منها:
ـ تشكيل اللجنة (معينة وغير منتحبة).
ـ وفقا لمنطق المنتصر، وكأننا فى حرب، اللجنة لا تمثل كافة أطياف المجتمع ويغلب عليها اتجاه واحد، وهو ماكان محلا لنقد لجنة الدستور السابق، رغم كونها منتخبة.
ـ الإعلان الدستورى الذى أعلنه السيسى كان يتحدث عن "تعديلات" للدستور، وليس إنشاء دستور جديد كما حدث!
ـ كيف يترأس لجنة صياغة الدستور (شاعر غنائى !) هل عقمت مصر من أساتذة للقانون الدستورى لصياغة محكمة للدستور؟!
ـ د. إبراهيم درويش وهو من هو فى أستاذيته فى هذا الشأن انتقد لجنة الخمسين وأسلوب عملها.. كما أن له انتقادات عديدة للدستور ذاته.. ودرويش كان من أشد معارضى د. مرسى!
وفى المضمون، هناك عورات شتى، منها:
ـ تجاهل ثورة يناير وشهدائها، حيث تم ذكرهم مرة وحيدة على استحياء فى الديباجة، بينما تمت الإشادة بدور الجيش أربع مرات.
ـ الصياغة الركيكة للمسودة النهائية التى دعت مؤسسة الرئاسة وفقا للمصرى اليوم إلى إجراء مشاورات لتعديلها.
ـ المادة 154 منحت رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ وتجديدها بلا نهاية عند غياب البرلمان لأى سبب، بينما كان دستور (2012) يحظر إعلانها إلا باستفتاء شعبى.
ـ فضيحة التعديل بعد الانتهاء من المسودة وتسليمها للرئاسة، حيث تم تعديل عبارة "حكم مدنى" إلى "حكومتها مدنية".. يعنى لا يوجد أدنى احترام للجنة، وتم تبرير هذا التعديل بأن المناقشات فى المضبطة كانت حول "حكومتها مدنية"، بينما تم التصويت على "حكم مدنى" وهذا ما يدل على تخبط وعشوائية فى عمل اللجنة، إذ كيف تكون المناقشات فى المضبطة على عبارة محددة، ثم يكون التصويت على عبارة أخرى!
ـ النص الخاص بالمحاكمات العسكرية (المادة 204) صرح رئيس القضاء العسكرى بأن من يشتبك مع عامل فى محطة بنزين تابعة للقوات المسلحة يتعين محاكمته عسكريا، وكلامه صحيح، لأن المادة نصت على جواز محاكمة المدنى أمام القضاء العسكرى إذا اعتدى على المنشآت العسكرية أو"ما فى حكمها" وهذا ينطبق على كل المشروعات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة التى تشمل محطات البنزين والمستشفيات والفنادق، بما فيها من مطاعم وصالات للأفراح، إضافة إلى شركة المقاولات وإنتاج مياه الشرب وغير ذلك.
وقد برر الزميل هذا النص بأن أمريكا تعقد محاكمات عسكرية، وهذا غير صحيح إطلاقا، لأنها لا يمكن محاكمة "مواطن أمريكى مدنى" أمام محكمة عسكرية داخل الأراضى الأمريكية، لذا فإن المحاكمات العسكرية التى عقدتها أمريكا إثر الحرب على أفغانستان، كانت ضد مواطنين غير أمريكيين، كما أنها عقدت خارج إطار الدولة الأمريكية، فى قاعدة مستأجرة هى جوانتنامو فى كوبا.
ـ النص الخاص بتحصين منصب وزير الدفاع، وهذا قمة المهازل، ورئيس اللجنة عمرو موسى سبق ونفى أن هناك اتجاها لتحصين السيسى، لكن تم التحصين فعلا بإبقائه فى منصبه لمدة 8 سنوات، وهى سابقة غير موجودة فى أى دولة فى العالم، والزعم بأن هذا التحصين جاء "إقرارا بدور الجيش فى حماية إرادة الشعب وضمان استقرار البلاد"،
ونظرا "لأن القوات المسلحة تحظى باحترام واسع النطاق".. فهل (كل) دول العالم بشكل حصرى لا يتمتع فيها الجيش باحترام، ولذلك فإن دساتيرها لم تبدع مواد مشابهة للتحصين والاستثناءات للعسكريين؟ وهلجيشنا فقط-وليس قياداته- هوالذى يتمتع باحترام، دون سائر جيوش العالم، ليتم تحصين وزير الدفاع -وليس الجيش!- بإجراء فريد عجيب غريب لم نر له مثيلا فى أى دولة فى العالم، حدث فيها ثورة حماها الجيش، أو حتى انقلاب عسكرى؟.
والموقف الذى يراه كاتب هذه السطور من الاستفتاء على دستور الانقلاب هو عدم إعطائه أى شرعية ومقاطعته، مع اتخاذ موقف إيجابى يتمثل فى الوقوف أمام اللجان فى وقفات صامتة بلافتات معارضة للانقلاب ودستوره، حتى يظهر أن من يقفون اعتراضا أكثر ممن يدلون بأصواتهم، موافقين أو رافضين، لأن التزوير سيعود بأشد من عهد مبارك، وستتم المتاجرة إعلاميا بأى أعداد تتجه إلى التصويت.. والله المستعان
.