وهنا يجب أن نفرق بين ما هو دستورى وشخصى، وبين ما هو ثورى وطنى وحزبى، وما بين هو إرادة شعبية وإرادة حزبية، فإذا كان اختيار الرئيس ديموقراطيا دستوريا وأمره شأن وطنى عام، وجاء بإرادة شعبية لا إرادة حزب أو جماعة أو فصيل، فلا يجب أن تخضع مسألة دستورية ثورية للآراء الشخصية، أو التحكمات الحزبية أو الحسابات الحزبية الضيقة، لوضع حد فاصل يمنع أى خائن من تكرار الخيانة أو أى فاشل من التعاون على الغدر أو كسر إرادة الشعب.
إن تركيز البعض على حسم مواقف الرئيس دون وجوده معهم وصولا إلى تجميد عودته كما هو موجود فى بعض الأحاديث، هو اختطاف لحق الرئيس الشرعى فى تسيير دفة الأمور، وسماع رأيه فى المسار الثورى الوطنى، واحتقار لأصوات الملايين التى صوتت له وللمسار الديمقراطى الناشئ، وتضييع جديد للثورة فى عبث المهاترات الحزبية، ومخالفة لمطالب الشهداء، وخذلان لصموده المهيب والأسطورى الذى يمد الثورة بوقود بقاء، خاصة أنه كان من الممكن أن يوقِّع أو يبيع، ولكنه لم يفعل، ومقولته ما زالت تردد فى الآفاق: "الشرعية ثمنها حياتى".
ولعل هذا الصمود المهيب هو الذى دفع الانقلابيين لعقد محاكمة مزعومة وغير مختصة له بعد أن أصر فى كل التحقيقات على الشرعية ومطالب الثورة وشهدائها وتمسك بمحاكمة من حاكموه أو حققوا معه بالباطل، بعد أن فشلوا فى كسر الثورة أو وقف زحفها نحو تحقيق كامل مطلبها.
إن المرحلة الانقلابية الفاشلة تمهد الطريق بقوة لعودة الرئيس المنتخب، حيث يقدم الانقلابيون كل يوم دليلا جديدا على شرف ونزاهة وبسالة الرئيس الشرعى المختطف د. محمد مرسى فى حمل قضايا الثورة والوطن والشعب، وكل تسريب سيسى أو فشل حكومى يحمل فى طياته تصحيحا وإزالة لما رسبه مخطط الانقلاب على مدار عام فى أذهان البعض المخلص عن أدائه.
بطبيعة الحال، هناك أخطاء للرئيس محمد مرسى شأنه شأن كل الرؤساء البشر فى الدول الديموقراطية المدنية، ولكن اتضح جليا أنه لم يكن طرطورا لمجلس عسكر أو غيره، وكان مدافعا عن مدنية الدولة وثورة 25 يناير، ويمتلك مشروعا سياسيا وطنيا به بعض الملاحظات شأنه شأن كل البرامج الانتخابية التى تصنع فى الأرض ولا تأتى بملائكة من السماء، فضلا عن أنه لم يكن يسرب أو يدير الأمور بالفكاكة، أو ثبت أنه يعين فاسدين فى مناصب سيادية بعد أن تم عزلهم!!.
إن إدخال الرئيس محمد مرسى مرة أخرى بعد عودته فى مناكفات الساسة الحزبيين، سيبعد الجميع عن الثورة مرة أخرى ومطالبها، ويقودنا إلى مزيد من الصراعات تمهد لمزيد من الانقسامات يستفيد منها المتورطون فى دماء رافضى الاستبداد والانقلاب فى 2011 و2013، وبالتالى يجب أن يعود بخارطة واضحة لتمكين الثورة، والتعامل كقائد لها، لا كجزء مشارك فيها فقط، وصموده سطر له فى التاريخ ما يمكنه من ذلك.
هذا سيُطرح على الرئيس بعد عودته، التحرك لإقرار مطالب خمسة: "عيش، حرية، شرعية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية"، بما يتطلب تحقيق القصاص العادل واستكمال المسار الديموقراطى وحمايته، وإنقاذ المؤسستين العسكرية والأمنية والسلطة القضائية والسلطة الرابعة "الصحافة والإعلام"، والنهضة الاقتصادية، والمصالحة المجتمعية.
قد نواجه معضلة حقيقة، وهى فى قبول القوى السياسية التى شاركت فى الانقلاب بالوضع الجديد، وهو ما يمكن معالجته بالمسار الديموقراطى مع وضع وثيقة ميثاق شرف سياسى، مع تترس الرئيس مرسى بشباب الثورة وحرائر مصر والقوى السياسية البيضاء والكفاءات من كل الوطنيين الأحرار وتمكينهم بشكل قوى ومركز من كافة المواقع، وبناء حائط إعلامى إيجابى يحمى الثورة وينشر الديمقراطية وفق خطة أشمل يضعها المتخصصون، وقد نحتاج إلى جولة سياسية مبكرة لحسم أى نزاع سياسى أو مناكفات حزبية، إذا رفض الفرقاء التعاون مع شركاء الثورة، أو أى طرف آخر، وهو ما يجب أن نكون حريصين فيه على إعلاء الثورة أولا.
وبكل تأكيد، سنواجه بتحرك مضاد، من دول التبعية الصهيوأمريكية، التى مهدت للانقلاب ودعمته ولكنه فشل وسقط، وهو ما يتطلب بناء محور الربيع العربى على الفور، بخارطة قومية وإسلامية حضارية، تتبنى المقاومة، والاستقلال، والتحرر، وتذود عن مكتسبات ثورات الربيع العربى، فى طريقها لتحقيق الهدف الأسمى للعرب والمسلمين.
وينبغى أن نحذر من الاستغراق فى الشأن السياسى الحزبى وإعلائه على الشأن الثورى، كما حدث فى 2011، بحيث يكون التمكين للمسار الديموقراطى جزءا من مطالب الثورة وليس هو الثورة، كما أنه ليس هو القاطرة، فالثورة قاطرتها الجماهير الثائرة المرابطة على العهد.
ونحب أن نؤكد أن الرئيس يحمل الخير للجميع، مؤسسات وأفرادا، وكيانات وهيئات، فهو عندما يصحح ما حدث، ويقر القصاص ويسترد للوطن الثورة ويعدل ما انقلب، فهو يمنح السفاح وعصابته فى كافة المؤسسات طوق نجاة لتطبيق العدل عليهم فى الدنيا قبل أن يصل للآخرة دون تطهر ومحاسبة، ويمنح الصابر القابض على الجمر قبلة حياة ومداد إحياء بأنه لا ضاع حق وراؤه مطالب، ويسطر للتاريخ أن مصر ستبقى مقبرة الطغاة والغزاة والخونة.
ويجب هنا ألا يدعو أحد لهيكلة تصور خاص بفرد أو شخص، فالثورة ليست ملكا لجماعة تحسم أو فصيل يقرر، ولها قيادة متنوعة ومتوافقة، والقواعد العامة واضحة ولكن الاستغراق فى النقاط الدقيقة التى تخص هذا أو ذلك قبل الحسم، مضيعة للوقت، ولا ينبنى عليها عمل، والأفضل أن تترك مكتوبة لطاولة ما بعد الحسم.
إننا نثق فى أن ما بعد عودة الرئيس مرسى لمهامه كقائد ثورة ورئيس منتخب، مرحلة مهمة وإيجابية وحاسمة من عمر الوطن المفدى والأمة العربية والإسلامية، ستحتاج إلى استمرار الحشود الثورية، والزخم الثورى، وستؤتى أكلها بتحقيق كافة مطالب الشهداء والأحياء الأحرار، وانطلاقة جديدة للربيع العربى فى وجه الحملة الصهيوأمريكية.
________________________
منسق حركة "صحفيون من أجل الإصلاح".