وبين قلوب لا تعرف للرحمة طريقا، ولا للشفقة سبيلا، لا محبة فيها إلا لمطامعها، ولا ولاء عندها إلا لمصالحها، وإن تعارضت مع مصالح البلاد والعباد، سبيلها الإفساد والقهر، طريقها الخداع والمكر، لا تسمع إلا نفسها، ولا ترى مستحقا للوجود غيرها، فلا مانع من أن تموت الأمة جوعا ليموتوا شبعا، وأن تعيش الأمة فى فقر ليعيشوا فى ثراء، وأن تُهدر كرامة الناس ليحيوا هم فى علو واستكبار، لا يرون لأحد غيرهم قولا، ولا عن خارطة طريق أهوائهم تحويلا ولا تبديلا.
لذا فهى مواجهة بين منهجية الإفساد والعلو، ومنهجية الإصلاح والسمو، بين البناء والهدم، بين تاريخ مفعم بالطغيان والإفساد، وتاريخ مفعم بالتضحية والبناء.
فهى يقينا ليست معركة (الأحزاب) لأننا مع عظيم جرمهم، لا ندعى أنها بين كفر وإسلام، وإن تشابهت مع الأحزاب فى اجتماع لمنظومة الفساد والإضلال.
اجتماع منظومة إعلام لا مكان للصدق فيها، اتخذت الكذب مهنة وسبيلا، فصارت خادمة لمن يدفع أكثر، ومهللة لمن يفيض عليها بالعطايا والهدايا، حتى أضحت لا ترضى بغير الغواية والتضليل سبيلا.
ومنظومة أمن عاشت على أنقاض الناس، فمكانتها فى علوها واستكبارها، رضعت الاستبداد والطغيان منذ نشأتها فصارت ترى نفسها إلهاً يجب أن يُعبد، وسيداً لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لا يعترفون للشعب بكرامة، مع أن الذى خلقهم كرمهم ولا يسمحون له بحرية، مع أن الذى أنشأهم أخرجهم من بطون أمهاتهم أحرارا.
وطغمة حاكمة جمعت كل مُفسد فجعلته فى مكانه رأساً، وكل ضال فجعلته هادياً، وكل أخرق فجعلته رائداً، وكل ذميم فجعلته سيداً! وكل شاذ الفكر فجعلته مُحللاً ومُنظرًا،
فاجتمع أهل الضلال الفكرى، مع أهل الفساد الأخلاقى، مع الطغاة المفسدين، ليكوِّنوا حزبا قد يتعوذ الشيطان أن يكون له رئيسًا.
وذلك بقيادة أمريكية نافذة، ومشاركة أوروبية فاعلة، ودعم خليجي غادر حاقد، وإشراف صهيوني شامل كامل!!
فهي مواجهة بين مشروع للحضارة والريادة والحرية، ومشروع للتخلف والتبعية والاستعباد.
ليست بالطبع مواجهة مع تيار الإخوان فحسب، أو التيار الإسلامي فحسب، بل هي مواجهة بين شعب تاق للحرية وتطلع إلى النهوض، وبين قوة غاشمة تطلعت إلى الألوهية وألِفَت الاستبداد.
لذا فهي ليست مواجهة من أجل فرد أو تيار أو حزب وإنما هي مواجهة بين استبداد واستعباد واحتلال دولي بأياد مصرية صنعت في الغرب، وبين شعب ذاق الحرية فأقسم ألا يعود لحياة العبيد.
انها قصة فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى، أعدهم سبحانه لا ليناموا في الكهف سنين عددا، بل لينطلقوا في الأرض سنين عددا، فسبقوا توقعات الخبراء المربِّين، وكسروا حاجز الزمن بعشرات السنين، وأفسدوا على المتآمرين خططهم، وكشفوا زيف أحلامهم وأوهامهم.
هذه طبيعة المواجهة فما محدداتها؟ وما سنة الله في أطرافها، وكيف نقوم بإدارتها وحسمها؟
نكمل في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
___________________________
الأستاذ بجامعة الأزهر، ووكيل وزارة الأوقاف السابق.