لم يكن "عبد الناصر" يرغب فى الاحتفال بعيد ميلاده، ولكنّ منافقيه خلقوا من عيد ميلاده مناسبة قومية أصبحوا يحتفلون بها حتى بعد مماته.. ولم يكن "السادات" مهتما بعيد مولده، ولكن منافقيه من الصحفيين والإعلاميين كانوا يحاولون أن يدفعوه دفعا للاحتفال بهذه المناسبة.. وكان مبارك هو أسوأ مَن سنّ سنّة الاحتفال بعيد ميلاده أو شجعها، حتى بتنا نرى نفاقا لا حصر له ومقالات موحدة لرؤساء تحرير صحف هذه الفترة المظلمة من تاريخ مصر تمجد فى مولد "الزعيم" مبارك!.
الآن يخرج علينا المنافقون أنفسهم ليطالبوا بالاحتفال بعيد ميلاد (الفريق السيسى) قائد الجيش الذى يواكب 19 نوفمبر المقبل باعتباره الزعيم الجديد ومخلص مصر من الإخوان والإسلاميين (على جثث أربعة آلاف شهيد وشهيدة).. وكانوا ينوون الاحتفال به في استاد القاهرة يوم 19 نوفمبر – وهو التاريخ الذى حدده طاهر أبو زيد – وزير رياضة الانقلاب – ليواكب ميلاد السيسى بحضور الجماهير! – لأن الموعد يصادف موعد مباراة منتخب مصر وغانا في إياب الجولة الأخيرة المؤهلة إلى نهائيات كأس العام 2014 بالبرازيل باحتفالات ضخمة متوقعين الفوز والصعود لكأس العالم، ولكن وكسة الهزيمة 6/1 أفسدت فرحة منافقي كل عصر وكل زعيم.
البعض –على فيس بوك وتويتر- احتفل مبكرا بعيد مولد الفريق السيسى عقب الانقلاب مباشرة متصورا خطأ أن عيد ميلاد الفريق السيسى هو 13 يوليو (!)، ورفعوا صورا لتورتة عسكرية مهداة له فى هذا اليوم، احتفالا بعيد ميلاده، وقالوا: "كل سنة وأنت طيب يا زعيم".
والبعض الآخر من رموز جبهة الإنقاذ دعوا للاحتفال بعيد ميلاد الفريق أول السيسى فى موعده 19 نوفمبر، وأن تكون الاحتفالية فى إطار تشجيعه على خوض الانتخابات الرئاسية، وأن تتنوع أشكالها ما بين الاحتشاد فى الميادين، وإقامة مؤتمرات وندوات شعبية تبرز دوره فى 30 يونيو وما تلاه من انقلاب.
أما حركات ترشيح السيسى للرئاسة مثل "كمل جميلك" وأخواتها، فأعلنت نيتها الاعتصام فى الميادين العامة (مليونية) فى القاهرة والمحافظات فى 19 نوفمبر المقبل الموافق لعيد ميلاد السيسى الـ59 لإجباره على الترشح للرئاسة!!.
وبالمقابل تردد أن التحالف الوطنى لدعم الشرعية يجهز لتنظيم مظاهرات حاشدة يوم 19 نوفمبر المقبل بالتزامن مع عيد ميلاد الفريق السيسى، خاصة أن هذا اليوم سيوافق أيضا الذكرى الثالثة لأحداث محمد محمود التى قتل فيها العشرات على أيدى الشرطة، وأن هذه المظاهرات ربما تكون فرصة لدخول ميدان التحرير مرة أخرى، ما قد يجعل المناسبة دموية لا احتفالية لو كررت الشرطة والجيش طريقة تعاملها العنيف مع هذه المظاهرات فى هذا اليوم.
فضيحة الذين صنعوا الزعيم فى عهود مصر المختلفة أنهم رفعوه إلى أعلى بكل السبل ليكونوا هم بطانة السوء الذين يستعين بهم فى حكمه، وهم أول من تخلوا عن هؤلاء الزعماء الذين صنعوهم فور سقوطهم وتبرءوا منهم، وانظروا لمن كانوا يقولون عن مبارك إنه "الزعيم الذى لم تشهد مصر مثله أبدا"، وعندما سقط قالوا إنهم نصحوه كثيرا بالاستجابة لرجل الشارع، ولكنه كان يرفض!
هؤلاء يكررون الوسيلة نفسها فى صناعة زعيم عسكرى جديد، تارة يصفه "صبيان هيكل" بأنه "عبد الناصر جديد"، وتارة يصفه "إنقاذيو جبهة الخراب" بأنه "زعيم عسكرى".. وتارة أخرى يصفه "صباحى" بأنه لا يمثل الثورة ولن نرشحه للرئاسة!.
وبموازاة صناعة الزعيم يسعى البعض لتحصين منصبه فى الدستور الجديد ليكون أعلى من الرئيس المنتخب نفسه ويظل فى منصبه ثلاث دورات رئاسية (12 عاما) بينما الرئيس لن يبقى سوى 4 أو 8 سنوات (!)، ويسعى البعض الآخر لإجباره على الترشح للرئاسة رغم اعترافهم أن هذا سوف يعطى رسالة للعالم أن ما جرى كان انقلابا وأن السيسى عزل مرسى ليكون رئيسا بدلا منه!.
مشكلة مصر أننا قمنا بنصف ثورة فغيرنا الرأس الفاسد وتركنا الجسد ونسينا أن أخطر ما فى هذا الجسد ليس فقط رموز الدولة العميقة أصحاب المصالح والنفوذ، ولكنه هذا الفكر الفرعونى الذى ينتشر فى جسد النظام المصرى منذ عصور بعيدة ووظيفته صناعة الزعيم ليستفيد من صعوده أصحاب المصالح هؤلاء ومن صنعوه.. فهل سيكرر الفريق السيسى خطأ الزعماء الذين سبقوه؟ وهل سيكون مصيره كمصيرهم؟