أعيادنا ترتبط بالطاعة للرحمن، وأعياد غيرنا ترتبط بالطاعة للهوى والشيطان، أعيادنا كما قال سبحانه: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) (يونس: 58)، وأعياد غيرنا ترتبط بمكاسب أرضية، وشهوات سفلية، وليس أدل على ذلك من شهادة أحدهم، في القصة التي حدثت سنة 2000م في شيكاغو عندما دعيتُ من الجالية المسلمة لإلقاء خطبة عيد الفطر.
وأثناء الخطبة وجدت في آخر الصفوف رجلا يرفع يديه كأنه يريد سؤالا، ولم أستوضحه لأن العدد كان غفيرا، فإذا به أمريكي يريد أن يسلم؛ ولما سألته قال: أنا باحث في الدكتوراه عن عادات الشعوب في أعيادهم، وألحقت القراءات النظرية بزيارات ميدانية، فلم أجد قوما يبدءون أعيادهم بالتكبير والصلاة والحب والمصافحة بحرارة مثلكم، الجميع يبدأ المراسم بالمعازف والغناء والرقص والخمر، وأدرك الآن أنكم في الفرح لا تنسون الله بل تضاعفون العبادة.
وصار العيد عيدين بإسلامه بعد فهمه للإسلام، وقلت له: نحن عندنا عيدان كبيران يرتبطان بالحج والصيام؛ فيَمُنّ الله تعالى علينا بعد هذا الاجتهاد في الطاعة قبل العيدين، ونبدأ كل عيد بطاعات جديدة من التكبير حمدا لله على نعمة توفيقه والتوسعة على جميع المحتاجين "أغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم"، سواء بصدقات الفطر أو الأضاحي، ونتزاور ونتحابب فيزداد الإيمان "
وهل الإيمان إلا الحب في الله والبغض في الله"، ونوسع على الأولاد والأهل والأصدقاء ونُدخل البسمة في كل بيت؛ فنقترب من الجنة أكثر "من أدخل السرور على أهل بيت من المسلمين لم يرض الله له جزاء إلا الجنة"، فحي هلا لعيد الأضحى بعد طاعات الصيام والقيام والقرآن والبذل والإنفاق والإطعام؛ عسى أن ننال جميعا رضا الرحمن، ولا ننس أن ندعو لغيرنا أن يفرحوا معنا بأن يهتدوا إلى نور الإسلام، تأسيا بهذا المسلم الأصيل الذي مر على قوم يسكرون ويرقصون ويغنون في عيد لهم فرفع يديه إلى السماء فقال: "اللهم كما فرحتهم في الدنيا فرحهم في الآخرة".
فالفرح الإيجابي فرح المؤمنين بفضل الله عليهم أن جعلهم مسلمين وحبَّب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، واستعملهم لطاعته وجنَّدهم لخدمة دعوته، لقوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) (يونس:85)، أما الفرح السلبي فهو فرح من تستغرقه وتستعبده النِعم فينسى المنعم سبحانه ولسان حاله مثل قارون: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص: 77-78).
الفرح الإيجابي فرح المؤمن بتوفيق الله أن يكون ليله ونهاره في فعل الخيرات وترك المنكرات وحراسة الحق والعدل: (إذا سرَّتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن) (السلسلة الصحيحة للألباني)، أما الفرح السلبي فانبهار بعَرَض الدنيا، وركون إلى سعة الرزق، وفرح بتوسع السلطات والصلاحيات، وتورم في النفس استكبارًا وعلوًا في الأرض "يا أرض انهديِّ ما عليك أدِي"، وهو الفرح الفرعوني: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الزخرف:51)، وشأنهم كما قال تعالى: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ) (الرعد:26).
الفرح الإيجابي أن يكثر حولك الصالحون، ويطرق بابك المحتاجون، ويكثر على موائدك الفقراء والمساكين لنكون مثل جعفر الطيار أبي المساكين: (اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين) (الترغيب والترهيب للمنذري)، أما الفرح السلبي فبقدوم الكبار وعلية القوم والضجر من نظرات وملاحقات الفقراء والمساكين: (كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ . وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الفجر:17-18).
الفرح الإيجابي يملأ جوانح ذوي المروءات عندما يحلِّون معضلة، ويغيثون ملهوفًا، ويقدمون معروفًا لذوي القربى والأرحام والجيران والخلان مسلمين أو غير مسلمين، (خير الناس أنفعهم للناس) (صحيح الجامع للألباني)، والفرح السلبي عند المنافقين المتخاذلين بقدر الهروب من المعونة والنصرة والمساعدة لدينهم وأمتهم وأهلهم وأوطانهم، كما قال تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ) (التوبة:81).
يا إخواني وأخواتي فلتكن أفراحنا إيجابية بمزيد من الذكر والشكر القولي والعملي، وبدعوة العصاة من عباد الله إلى طاعة الله رب العالمين، ولا نفرح فرح الكافرين والمنافقين بعرض فانٍ وعزٍ لا يدوم.