جاء العيد، لكنه لم يأت بعد.
العيد الذي تعارف عليه الناس من قديم، وأصبح ثابتا في مدار الزمن، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يغيب مهما ادلهمت الخطوب، واسودت الدروب.
هذا هو العيد الذي جاء.
جاء هذا العيد، وخرجنا إلى الطرقات مع الناس نكبر الله صادقين، فيقيننا في أن الله أكبر، يقين لا يتزحزح ولا يغبشه شيء مهما كان.
ونحن في خروجنا هذا، ومع تكبيرنا الصادق، نبتسم في وجوه الناس كاذبين، فابتساماتنا كاذبة خادعة، تخرج باهتة صفراء، تنبئ عن كذبها، وتدل على ما بداخل قلوبنا من ورائها من ألم وحزن ووجع.
هو عيد ادعاء إذاً.
غير أن اللفتة الوحيدة التي من الممكن أن تعطي لهذا العيد طعما ووزنا، ومقدارا من المصداقية من بعض الجوانب، هو كون هذا العيد يأتي ونحن الثاثرون الثابتون، الذين لم ترهبهم يد البطش والغدر، ولم يركنوا إلى الظالمين مهزومين أو مستسلمين.
فهو من هذه الناحية، وهذه الناحية فقط، عيد، عيد للثورة والثبات والصبر.
والناس في هذا العيد مذاهب ومشارب، فمنهم الذي وافق الانقلابيين وصفق لهم حقدا وغلا لأبناء التيار الإسلامي عموما والإخوان خصوصا، فهذا يرى في العيد عيدين، فهو عيد الأضحى كما هو، وهو عيد الخلاص من الإخوان.
ومن الناس من انطوت دواخلهم على كره ذلك الانقلاب وظلمه وفساده، وكذلك على رغبة عارمة في عودة الحق وأهله، لكنهم ممن قد أقعدهم الخوف والجبن، فعاشوا مع عيدهم على أنه العيد! وذلك كما يعايشون حياتهم على أنها الحياة!.
ومن الناس من يعيش الحياة كلها لا يعرف فيها معروفا ولا ينكر منكرا، أولئك كالأنعام بل هم أضل، لا هم لهم في الحياة إلا الطعام والشراب، غايتهم غاية الأنعام، وفضيلة الأنعام عليهم أن الله قد خلقها لذلك، فهي لم تبرح غايتها التي خُلقت من أجلها، أما هم فقد خلقهم الله لغاية، وعاشوا لغاية غيرها، غاية البهائم والدواب.
وهؤلاء عيدهم هو عيدهم، حتى لو أطبقت السماء على الأرض، ولو كان لعاشوا عيدهم وما التفتوا يمنة ولا يسرة.
ومن الناس أيضا أولئك الأطهار الأبرار الفرسان، الذين عرفوا حقيقة الدنيا فعاشوها لما بعدها، ولم يركنوا إليها، ومن ذلك أنهم لما رأوا معركة الحق والباطل قائمة ضاربة، أسرعوا ليكونوا في الصف الأول لأهل الحق، حتى ولو كان من وراء ذلك انقضاء حياتهم الدنيا وموتهم؛ لأنهم أدركوا أن موتهم هذا سيكون شهادة، وهي أسمى ما يتمناه أمثالهم من أجل حياتهم الحقيقية، حياتهم الآخرة.
وهؤلاء هم الذين لم يأت عيدهم بعد، فعيدهم الحقيقي، يوم أن تعود الشرعية التي اختاروها وثاروا من أجلها، ومات إخوانهم فداء لها.
وهي شرعية ليست غاية في ذاتها، وإنما هي الوسيلة التي وجدوها الطريق الوحيد لتحقيق حلمهم، في إقامة دولتهم الإسلامية الموعودة، وعودة شريعتهم الغراء حاكمة، حتى يعود لهم مجد الدنيا، ونعيم الآخرة.
لا عيد لأمثال هؤلاء إلا بذلك، وإلى أن يأتي ذلك اليوم، يوم عيدهم الحقيقي، سيظلون الثائرين الثابتين المرابطين، الذين يكبرون الله في أعيادهم صادقين، ويبتسمون كاذبين، مخبئين في قلوبهم الوجع والأنين.