وانقض الروم بكثافتهم العددية على المسلمين, فأزاحوهم عن مواقعهم, وكادت تكون كارثة ماحقة لجيش فيه ألف من الصحابة, ومائة ممن شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان لابد من عمل فدائي سريع يوقف هذه الموجة العدوانية الكافرة, وهب عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه, وصاح صيحة ارتجت لها جوانب الميدان: «من يبايعني على الموت؟ من يبايعني علي الموت؟» فاستجاب له 400 من خيرة المسلمين, واخترق الأبطال فيالق الروم يعملون فيهم سيوفهم في استماتة مذهلة, ودب الجبن والاضطراب والخلل في صفوف جيش الروم, وبدأ التراجع المخزي أمام «أربعمائة فدائي بايعوا عكرمة على الموت»".
(نقلا عن الدكتور جابر قميحة).
وفي أزمة رواية (وليمة لأعشاب البحر)، تلك الرواية الساقطة، التي تتطاول على المقدسات والمعتقدات، وتدعو في طياتها إلى الفحش والرذيلة، هب الدكتور محمد عباس، وكتب مقالته الشهيرة (من يبايعني على الموت؟)، والتي كانت سببا في اضطرابات ومظاهرات ومواجهات في جامعة الأزهر بين الطلاب وقوات الأمن، وكانت أحداث صاخبة، سُحبت الرواية على أثرها من التوزيع وتوقف طبعها، وأوقفت جريدة الشعب التي نشر فيها المقال ساعتها، وأصيب الكثير من أبناء الأزهر بإصابات بالغة، خرج بعضهم للعلاج في الخارج على نفقة الدولة.
هكذا هتف عكرمة بن أبي جهل في معركته: (من يبايعني على الموت؟)، وهتف الدكتور محمد عباس في معركته (من يبايعني على الموت؟).
أما نحن، وفي معركتنا هذه، فإننا نهتف: (من يبايعنا على الحياة؟).
ذلك لأن معركتنا الحالية هي معركة من أجل الحياة الحقيقية، تلك الحياة التي ننعم فيها بحريتنا وكرامتنا، لا نكون فيها كما قال ربنا: (أولئك كالأنعام بل هم أضل)، هذه الأنعام التي لا تبغي في الحياة إلا طعامها وشرابها، حتى ولو كان ذلك بقيود التبعية والتوجيه، التي لا تترك لها اتجاها غير ما توجهها إليه، ولا تترك لها حالا غير ما تريدها عليه.
وقد حدثني بعضهم أن الانقلاب قد أقر الحد الأدنى للأجور، وفي سبيل تطبيقه في القريب العاجل، فقلت له: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها)، ليست معركتنا مع هذا الانقلاب خصوصا، ولا مع الأنظمة الظالمة الطاغوتية عموما، من أجل المال والطعام، ولكن معركتنا الأساسية هي معركة الحرية، وثورة الخامس والعشرين من يناير كانت من أجل الحرية أولا وأخيرا.
ومن ذلك فنحن لا نقبل أبدا أن نعيش في أنظمة مثل (الصين وروسيا)، وهي أنظمة بلغت مبلغها في النمو الاقتصادي والتقدم العلمي ومستوى حياة الأفراد، لكنها تئن تحت وطأة الديكتاتورية والفساد وكبت الحريات.
إذاً فمعركتنا هي كما قلنا من أجل الحياة، ولذلك فإن شعارنا فيها (من يبايعنا على الحياة؟)، وحتى أولئك الذين يموتون فيها، فإنهم يموتون من أجل حياتنا الكريمة نحن الأحياء، ومن أجل حياتهم هم أيضا، أولئك الذين نحسبهم أمواتا، ولكنهم أحياء عند ربهم يرزقون، (ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ويَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ . يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ وأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ).
إن الخيار عندنا هو بين (الحياة والحياة)، وليس بين الحياة والموت كما نتخيل وننادي، فإذا ما حيينا فحياة الكرام والأماجد، وإذا ما متنا فحياة النعيم الخالد.