يا قادة الانقلاب: ماذا ستفعل بنا جيوش الأعداء أكثر مما تفعلون؟
لقد رأيت اليوم النصر في عيون مليون شخص في مظاهرة الجيزة والهرم الذين توجهوا إلى الدقي وصمدوا أمام القنابل ولم تنكسر، إرادتهم فاضطرت مدرعات الانقلاب إلى ارتكاب مذبحة لكسرهم فقتلت وأصابت العشرات. أشارت بعض التقديرات إلى وصول عدد القتلى إلى 45 شهيدا وعشرات المصابين، الذين لا يمكن حصر عددهم لأن معظمهم لم يذهبوا إلى المستشفيات خوفا من القبض عليهم.
ما رأيته اليوم أكبر حشد، في منطقة الجيزة منذ ثورة 25 يناير، حيث تجمعت المسيرات من مناطق الجيزة والعمرانية والهرم في منطقة نصر الدين، وساروا حتى كوبري فيصل إلى شارع السودان ليصلوا إلى شارع التحرير. هناك كانت تنتظرهم المدرعات التي لم تتركهم يتجاوزوا كوبري الدقي، وبادرتهم بالقنابل المسيلة للدموع، والرصاص الحي.
لم يستسلم المتظاهرون، وتحملوا قنابل الغاز، واستمرت الاشتباكات بين كر وفر لمدة ساعتين تقريبا. كان المكان كساحة حرب، أصوات الفرقعات تدوي في المكان والدخان الأبيض والأسود يغطي المنطقة، وأصوات الأسلحة متنوعة بين الرصاص وما هو أشد.
كنت أرى المصابين محمولين على الدراجات النارية. بعضهم ميت وبعضهم مصاب وفيه الروح. لم تخيف هذه المناظر مئات الآلاف التي ملأت الشارع، من كوبري الخشب حيث محطة البحوث وحتى بالقرب من كوبري الدقي، وكان مثلهم من ناحية المهندسين بجوار منزل كوبري الدقي.
المكان يمتلئ برائحة الغاز الخانق، وينتشر متظاهرون يحملون زجاجات بها ميوكوجيل ومواد كيماوية لعلاج حالات الاختناق والإغماء، ولكن لم يكن هناك ما يحمي المتظاهرين من الرصاص.
وسط الكر والفر بدأ قناصة يطلقون الرصاص من فوق بعض البنايات القريبة على المتظاهرين.. وبدأت الإصابات تزيد إلى أن هجمت المدرعات وسط وابل من الرصاص والقذائف من الرشاشات الثقيلة، كالجرينوف وغيرها، وصاحبها زخات من الرصاص كالمطر، وبدأ المتظاهرون يحملون جثامين الشهداء والمصابين، وشعر الجميع بأن الاستمرار مستحيل وأن المواجهة غير متوازنة، فالمتظاهرون المسالمون لا يستطيعون التصدي لقوة مسلحة مدججة بالأسلحة تستبيح الدماء صدرت لها أوامر من سفاحين مصاصي دماء يبدو أنهم لم يشبعوا من سفك الدم منذ مذابح الحرس والمنصة ورابعة والنهضة وما بعدها.
فرقت القذائف المتظاهرين واضطرتهم إلى الرجوع إلى شارع السودان وسط حالة من الذهول وصراخ شباب صغير السن من مناظر الدم التي رأوها، ويبدو أنهم يخرجون للمرة الأولى، فمن شارك في قبلها من وقائع ربما اعتاد على طلقات الرصاص ورؤية الدم وابتسامات الشهداء.
تراجع المتظاهرون ولكن امتلأت نفوسهم من الغضب، كنت أشعر به في عيون الكبار والصغار، الرجال والنساء.
فرقوا الملاين بالقتل وسفك الدم لكن لم يكسروا إرادة شعب يزداد غضبا مع كل مذبحة.
فكم الغضب الشعبي يزداد مع إراقة الدم وليس العكس.
عدت إلى بيتي لأشاهد التلفاز فرأيت عجبا. رأيت قادة الانقلاب وقد أقاموا حفلات غنائية وراقصة، وكأن مصر ليست في مأتم.
يرقصون على جراحنا وعلى جماجمنا
يحتفلون كذبا ببطولات قادة أكتوبر بما لا يليق، وفي وقت يقتلون فيه الشعب في كل مكان.
ولي أن أسأل قادة الانقلاب:
ماذا ستفعل بنا جيوش الأعداء أكثر مما تفعلون؟
سيكتب التاريخ أن مبارك تخلص من كل الذين شاركوا في حرب أكتوبر وانتصروا على الصهاينة، واستبدلهم بتلاميذه الذين بدلوا العقيدة العسكرية للجيش المصري، فتحالفوا مع الأعداء وقتلوا شعبهم وأصبحت بطولاتهم التي يتفاخرون بها ويتباهون هي معاركهم ضد الشعب في الميادين وفي دلجا وكرداسة وضد أهلنا في سيناء، ويقولون أنهم يستعدون لضرب غزة!