المذكور أعلاه هو الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية السابق، الذي قرأت أمس إشارة له دمغته بذلك الوصف وطالبت بمنعه من دخول مصر.
والسبب في ذلك أن الرجل كتب تغريدة «حقيرة» ــ هكذا وصفت ــ اتهم فيها مصادر سيادية بشن حملة فاشية ممنهجة ضد من يصرون على إعلاء قيمة الحياة وحتمية التوافق الوطني.
وفي اليوم الذي اتهم فيه الرجل بالخيانة كانت قد صدرت توصية بإسقاط عضويته من نقابة المحامين ضمن آخرين.
وقبل هذه وتلك كان أحد أساتذة القانون قد رفع ضده قضية اتهمه فيها بخيانة الأمانة.
ما عاد الدكتور البرادعي بحاجة إلى تعريف بشخصه أو دوره، خصوصا فيما جرى يوم 3 يوليو، حيث بات معلوما للكافة أنه أحد مهندسي الانقلاب الذي وقع، وفي مختلف الخطوات التي اتخذت بعد عزل الدكتور محمد مرسي.
أردت باستدعاء هذه الخلفية أن أذكر بأن الرجل في موقفه الأساسي كان معارضا وخصما للدكتور مرسي ونظامه.
وأنه من الناحية الإستراتيجية يقف في مربع النظام الحالي،
وأن اختلافه الذي دعاه إلى الاستقالة ومغادرة البلاد كان منصبا على الوسائل وليس الغايات.
ورغم أننا لنا إحاطة كافية بالتفاصيل، إلا أن القدر المعلن والمشهود منها يوحي بأنه عارض أسلوب البث وفض الاعتصام بالقوة،
الأمر الذي أفضى إلى مذبحة الرابع عشر من أغسطس التي أوقعت آلاف القتلى والمصابين غير آلاف المعتقلين.
وهو ما نفهمه من انتقاده في تغريدته للأطراف التي تشن حملة فاشية ضد المدافعين عن الحق في الحياة وعن حتمية التوافق الوطني.
أدري أن البعض عارض الحملة على الدكتور البرادعي.
ومنهم من دافع عن حقه في التعبير عن رأيه،
لكن المتابع لما تنشره الصحافة المصرية لا يخطئ في ملاحظة أن الذين اتهموه بالخيانة ولاحقوه بالاتهامات واللعنات يشكلون أغلبية المعلقين، بحيث بدت أصوات الداعين إلى احترام الرجل وتفهم موقفه نادرة واستثنائية.
ما قاله في تغريدته (الحقيرة!!) ليس فيه سر،
وكل الذي فعله أنه أكد لنا ما نعرفه.
ذلك أن صدور هذا الكلام من رجل شغل منصب نائب رئيس الجمهورية لبعض الوقت، يبصر الجميع بجانب من المخاطر التي تهدد استقرار الوضع الجديد، بقدر ما تهدد الآمال التي علقها أنصاره عليه،
وما قاله عن الدور الذي تقوم به بعض المصادر السيادية لشن حملة فاشية ضد معارضي سياسة القمع، هذا الكلام ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد، بحيث يعد بمثابة جرس إنذار ينبه الجميع.
إذ القائل في هذه الحالة شهادته على دراية بالوقائع ومعايشة لها. بسبب من ذلك، فبدلا من أن يستوقف العقلاء والراشدين بحيث يدعوهم إلى صد رياح الفاشية التي تهب على مصر، حتى طالت سهامها الأنصار الذين حملوا النظام الجديد، بدلا من ذلك فإن الرجل تعرض للتخوين والاغتيال السياسي،
ولو أن ذلك الذي قرأناه أمس كان رأي فرد لهان الأمر، ولكن الحاصل أن الكلام كان جزءا من معزوفة ردح هابطة استهدفت البرادعي.
كما استهدفت كل صوت محترم حاول أن يصوب المسيرة ويوقف الاندفاع الراهن في منحنى الفاشية الذي يكاد يجهض الآمال التي علقت على الثورة، والتي حفرها الثوار على جدار الوطن بدمائهم.
لقد أصبحت كلمة الخيانة إحدى المفردات الشائعة في الوضع المستجد، كأنما أريد لنا أن نتجاوز تهمة التكفير التي استخدمها البعض في ظل نظام الرئيس مرسي، لتدخل في عصر التخوين في ظل النظام الجديد،
مع فارق أساسي أن التكفير في السابق كان يتردد على ألسنة أفراد أو حتى مجموعات شاردة لا تعبر عن السلطة،
أما التخوين فهو صادر عن أصوات لها ظهيرها الذي يدعمها في أروقة السلطة.
ناهيك عن أن التكفير ظل شذوذا يقابل بالرفض والاستياء من جانب الأغلبية،
في حين أن التخوين يلقى قبولا وحماسا من جانب الأغلبية في الوقت الراهن، بمن فيهم أعداد غير قليلة من المثقفين والسياسيين الذين باتوا يؤيدون الاغتيال السياسي ولكنهم يفضلون إتمامه بقفازات حريرية وناعمة.
إن موقف الجوقة التي أطلقت معزوفة سبابها للبرادعي بسبب ما قاله لا يختلف كثيرا عن منطق الأهل الذين أبلغهم الطبيب بأن مرضا خبيثا يزحف على جسم ابنهم المريض، فلاحقوه وانهالوا عليه بالسب والشتم وقرروا اغتياله.
إن الخبث يسري في جسد مصر، في الوقت الراهن، ونحن بحاجة شديدة إلى جهد الذين يوقفونه، وليس إلى الذين يتسترون عليه ويباركونه.