بِقَلَم: ثَابِتِ عِيدٍ
بَعْدَ اندلاعِ ثورةِ الخامسِ والعشرينَ من ينايرَ سنةَ ٢٠١١م، نَجَحَ الشّعبُ المصريُّ في إِنْهاءِ حُكمِ أَسْوَأِ طاغيةٍ حَكمَ مصرَ منذُ فجرِ التّاريخِ، وَهُوَ المجرمُ المدعُو حُسني مُبارك. شَعَرَتْ جموعُ الشّعبِ المصريّ آنذاكَ بفرحةٍ عارمةٍ، مُعتقدينَ أنّهم أَنهوا بِذَلِكَ كابوسًا مفزعًا استمرّ ستّينَ عامًا من القمعِ والذّلّ والقَهْرِ.
لَم يَدُرْ فِي خَلدِ غالبيّةِ المصريّينَ أنّهم يعيشونَ في ظلّ ديكتاتوريّةٍ عسكريّةٍ مجرمةٍ منذُ انقلابِ العسكرِ الأسودِ سنةَ ١٩٥٢م، وأنّ هذِهِ الدّيكتاتوريّةَ المقيتةَ هِيَ سرطانٌ خبيثٌ انتشرَ في جسدِ الدّولةِ، واستشرى في جميعِ أجهزتِهَا. لَمْ يُدركْ مُعظمُ المصريّينَ وقتئذٍ أنّ الرّئيسَ الّذي خلعُوه قَدْ خلفَ وراءَهُ أجهزةً تطفحُ بالفسادِ، وتعجّ بالإجرامِ، وتفيضُ بالهمجيّةِ. وظهرتِ السّذاجةُ المميتةُ للغالبيّةِ العظمى من المصريّينَ، عندما رَحَّبَ الثّوّارُ بتولّى المجلسِ العسكرىّ الحكمَ في الفترةِ الانتقاليّةِ. يقينًا لو كانَ لدينا شعبٌ واعٍ متعلّمٌ مثقّفٌ، لما حَدثَ هذَا، ولما سمحَنا للعسكرِ بمواصلةِ جرائمِهم بعدَ إسقاطِ الطّاغيةِ مبارك.
عَلينا أن نعترفَ بشجاعةٍ أنّ سذاجةَ المصريّينَ، وتفشّي الأمّيّةِ فيهم، وتدنّي مستوى التّعليمِ في مصرَ، قد ساهمَ بقوّةٍ في تكريسِ الدّيكتاتوريّةِ العسكريّةِ في مصرَ، وتمكينِ العسكرِ من مواصلةِ استعبادِ المصريّينَ. ارتكابُ الجريمةِ يحتاجُ دائمًا إلى طَرفينِ، مجرمٍ وضحيّةٍ. الاثنانِ شريكانِ في الجريمةِ. سذاجةُ الضّحيّةِ تغري المجرمَ على ارتكابِ جريمتِهِ. وكم أظهرَ المصريّونَ من سذاجةٍ لمجرمي العسكرِ طوالَ العقودِ السّتّةِ الماضيةِ، عندما قبلوا بتزويرِ الانتخاباتِ، وتغاضوا عن أضاليلِ الإعلامِ، وسكتُوا عن انتهاكاتِ حقُوقِ الإنسانِ. وَبَعْدُ.
مَارسَ مجرمُو عسكرِ مِصْرَ أفظعَ الأساليبِ الإجراميّةِ، مِنْ أجلِ ترويعِ المصريّينَ، وَقمعِ المعارضينَ، وإسكاتِ الثّائرينَ، وإخراسِ الإسلاميّينَ. والملفتُ للنّظرِ في هذا التّاريخِ الإجراميّ الطّويلِ لعسكرِ مصرَ أنّهم لم يقتبسُوا من الحضاراتِ الحديثةِ إلّا مثالِبَهَا وجرائمَهَا، مثلما لم يقتبسِ اللّيبراليّونَ المزعومونَ مِنَ الحضارةِ الغربيّةِ إلّا القُشُورَ. فلم نسمعْ مثلًا عن سعي عَسكرِ مصرَ، أو حرصِهم، على نقلِ التّكنولوجيّاتِ الحديثةِ لتصنيعِ السّيّاراتِ، أو الطّائراتِ، أو سفنِ الفضاءِ. لكنّنا سمعنا وعرفنا أنّ مجرمي عسكرِ مِصْرَ ارتبطُوا بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع موظّفي أجهزةِ مخابراتِ دولٍ لها تاريخٌ عريقٌ في انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ، وقمعِ المعارضينَ. أشارَ إلى هذه الحقائقِ الخطيرةِ الرّئيسُ المصريُّ الأسبقُ محمّد نجيب في كتابه: "كلمتي للتّاريخِ"، والشّيخُ أحمد حسن الباقوري في كتابِه: "بقايا ذكرياتٍ"، وَغيرهُما. وَنلمسُ هذه الحقيقةَ المفزعةَ بوضوحٍ في شخصيّةٍ مثلِ شمس بدران الّذي يعتبرُ أحدَ أقطابِ النّظامِ القمعيّ الاستبداديّ الّذي أسّسهُ المجرمُ جمال عبد النّاصر. وبعدُ.
مِن مظاهرِ عسكرةِ الحياةِ في مصرَ استخدامُ مجرمي عسكرِ مصرَ ما اصطلحَ تسميته "الذّرائعَ" أوِ "الحيلَ" العسكريّةَ، لقمعِ المعارضينَ، وإسكاتِ النّاقدينَ – وهو ما صرنا نعرفه تحتَ مسمّى "تلفيق" التّهمِ، و"فبركة" الأكاذيبِ، و"اختلاق" الذّرائعِ. والمقزّز هنا هو أنّ مجرمي عَسكرِ مِصْرَ سخّروا كلّ قواهم، لقمعِ المصريّينَ واستعبادهم وإذلالهم، بدلًا من القيامِ بوظيفتهم الأساسيّة في حِمايةِ ترابِ الوطنِ. نسى مجرمُو عسكرِ مِصْرَ عدوّ البلادِ الخارجيّ، وسارعوا إلى اعتبارِ الشّعبِ المصريّ عدوّهم الأساسيّ.
وَهكذا صارُوا لا يتورّعونَ عن استخدامِ أيّ حيلٍ عسكريّةٍ لقتلِ المصريّينَ، ولا يتردّدونَ عن الاستعانةِ بأيّ خبراتٍ أجنبيّةٍ من أجلِ تصفيةِ الأبرياءِ من المعارضينَ. استعانَ عبد النّاصر بموظّفي المخابراتِ الألمانيّةِ السّابقينَ الّذينَ كانَ لهم تاريخٌ إجراميّ طويلٌ في قمعِ معارضي هتلر قبلَ انتهاءِ الحربِ العالميّةِ الثّانيةِ. كما أنّ عملاءَ وكالةِ المخابرات الأمريكيّة لاقوا كلّ التّرحابِ وَالتّقديرِ من مجرمي عسكرِ مِصْرَ. وهكذا واجَهَ المعارضونَ المصريّونَ أبشعَ أصنافِ التّعذيبِ والتّنكيلِ في سُجونِ عَسكرِ مصرَ الّذين نقلوا جميعَ أصنافِ التّعذيبِ من خبراءِ التّعذيبِ في ألمانيا الهتلريّة وأمريكا الحديثةِ. وبعدُ.
تعرّضَ مئاتُ الآلافِ من ضَحايا حُكمِ العَسكرِ المجرمينَ لأبشعِ أساليبِ تلفيقِ التّهمِ، وأخسّ مناهجِ اختلاقِ الأكاذيبِ. وَعِنْدَمَا أرادَ المجرمُ عبد النّاصرِ التّخلّصَ من الإخوانِ المسلمينَ لفقَ بمساعدةِ عملاءِ المخابراتِ الأميركيّةِ حادثَ الاعتداءِ عليه في المنشيةِ بالإسكندرية سنةَ ١٩٥٤م، واتّخذَه ذريعةً للقضاءِ على الإخوانِ المسلمينَ. فقامتْ شرطةُ العسكرِ في ذلكَ الوقتِ بأكبرِ حملةِ اعتقالاتٍ ومداهماتٍ لأعضاءِ جماعةِ الإخوانِ المسلمينَ، وزجّت بهم في السّجونِ والمعتقلاتِ، وأعدمتْ بعضَ قياداتِهم.
وفي عصرِنا هذا استعانَ المجرمُ السّيسي بالمضلّلِ هيكل، لتكرارِ المسرحيّةِ نفسِهَا، بهدفِ القضاءِ عَلى جماعةِ الإخوانِ المسلمينَ، بل وجميعِ الأصواتِ المعارضةِ. فرأينا، ومازلنا نرى ونتألّمُ ونسمعُ ونلمسُ، كيفَ يتفنّن مجرمُو عسكرِ مصرَ في اختلاقِ الأكاذيبِ، وتلفيقِ التّهمِ، ونشرِ الأضاليلِ، من أجلِ مواصلةِ استعبادِ المصريّينَ، وإسكاتِ المعارضينَ، والعودةِ بمصرَ قرونًا إلى الوراءِ. اتّهم مجرمُو عسكرِ مِصرَ المعارضينَ المسالمينَ بممارسةِ الإرهابِ، والعنفِ، والقتلِ.
وهي تهمٌ تُثيرُ السّخريةَ حقًّا. وكما استعانَ عبد النّاصر في الخمسينيّاتِ والسّتّينيّاتِ بعملاءِ المخابراتِ الألمانيّةِ والأمريكيّةِ، لقمعِ معارضيه، سارعَ السّيسي إلى الاستعانةِ بالمخابراتِ الإسرائيليّةِ والأميركيّةِ، لإلصاقِ أبشعِ التّهمِ بمعارضي الانقلابِ الأسودِ الّذي قامَ به في الثّالث من يوليو سنة ٢٠١٣م. ونقلَ مجرمُو عَسكرِ مصرَ أساليبَ بني صهيون نقلًا كربونيًّا باهتًا، لإلصاقِ تهمةِ الإرهابِ بالمعارضينَ. وهي بالمناسبةُ تهمّةٌ قديمةٌ جدًّا استخدمَها الأمريكيّونَ قبلَ أكثر من قرنينِ لتبريرِ إبادتهم الهنودَ الحمرَ في أمريكا الشّماليّة، واقتبسها بنو صهيون حديثًا لإبادةِ الفلسطينيّينَ.
وها نحنُ نرى مُجرمو عَسكرِ مصرَ يسعونَ الآنَ لاستخدامِها من أجلِ إبادةِ الشّعبِ المصريّ، إن هُو هَبَّ يطالبُ بحقوقِه المسلوبةِ، وكرامته المهدرةِ. توظيفُ لفظِ "الإرهابِ"، وإلصاقُ تهمةِ "الإرهابِ" بالمعارضينَ، لمسناه أيضًا أثناءَ فترةِ حكمِ الرّئيسِ الأمريكيّ السابقِ جورج بوش الابن الّذي اتّخذَ مِن هذه التّهمةِ ذريعةً لشنّ حربٍ دمويّةٍ ضدّ أفغانستان والعراقِ. وأمعنَ بوش الابنُ في استبدادِه وجرائمِه، فكانَ يقولُ: "من ليس معنا، فهو ضدّنا"، ساعيًا بذلكَ إلى معاقبةِ أيّ معارضٍ لسياستِه الإجراميّةِ. يحدثُ الآنَ في مصرَ الشّيءُ نفسُهُ، حيثُ يقومُ مُجرمو العسكرِ بإلصاقِ تهمةِ "الإرهابِ" بمعارضي انقلابهم الأسودِ. وهي جرائمُ لن تمرّ بدونِ عقابٍ شديدٍ، إن شاءَ اللّهُ. وبعدُ.
أصدرَ المدعُو عبد الفتّاح السّيسي، باعتبارِه قائدَ الانقلابِ الغاشمِ في مصرَ في الثّالثِ من يوليو سنةَ ٢٠١٣م، الأوامرَ إلى قوّاتِ الجيشِ والشّرطةِ والبلطجيّةِ، لقتل معتصمي رابعةَ العدويةِ والنّهضةِ، ثمّ متظاهري رميسسَ، ناهيك عن المتظاهرينَ السلميّينَ في شتّى مدنِ مصرَ وربوعِهَا. مَن يصدرِ الأوامرَ بالقتلِ، ومن يحرّضْ على القتلِ، يرتكبْ جريمةً نكراءَ يعاقبُ عليها القانونُ المصريّ والدّوليّ. ورأينا أيضًا حِرصَ السّيسي على الاستعانةِ بحثالةِ المصريّين، لإصدارِ الفتاوى الّتي تُبيحُ قتلَ المصريّينَ، بدعوى أنّهم خرجُوا عَنِ القانونِ، ويعارضونَ الأغلبيّةَ.
وهذه فتاوى تقومُ على الكذبِ والنّفاقِ والجهلِ والرّياءِ، وليسَ لها أيّ قيمةٍ قانونيّةٍ أو شرعيّةٍ. سمعنا مفتي مصرَ الأسبقُ المدعو علي جمعة يحرّضُ مجرمي العسكرِ والشّرطةِ على تقتيلِ النّاسِ، وإطلاقِ الرّصاصِ على المتظاهرينَ، وإعدامِ المعتصمينَ. وهذا تحريضٌ سافرٌ على القتلِ عقوبتُه الإعدامُ في القانونِ المصريّ، والمؤبّدُ في القانون الدّوليّ. رأينا أيضًا قنّاصةَ الشّرطةِ والجيشِ يقومونَ بتقتيلِ المعتصمينَ الأبرياءِ، واصطيادِ المتظاهرينَ المسالمينَ بدمٍ باردٍ جدًّا.
ثمّ رأينا قوّاتِ الجيشِ – الّتي تركتْ جبهةَ القتالِ، وقبلتِ اتّفاقيةَ العارِ "كامب ديفيد" – تهرولُ لحرقِ المعتصمينَ، وإبادةِ جثثِ الشّهداءِ. والأنكى من هَذا كلّه هو مَنظرُ المدعُو مصطفى حجازي، الّذي يُقالُ إنّه مستشارُ رئيسِ الجمهوريّةِ المؤقّتِ الّذي أطلقَ الثّوّارُ عليه عَنْ حقٍّ اسمَ "طرطور". خرجَ علينا المدعُو مصطفى حجازي وجعلَ يتمخطرُ ويتبخطرُ بسخافات دنيئةٍ، وأضاليل وضيعةٍ، مدّعيًا أنّ حكومةَ الانقلابِ تحاربُ الإرهابَ، واصفًا المتظاهرينَ المسالمينَ بالإرهابيّينَ المسلّحينَ. وبعدُ
أزهقَ مُجرمُو عَسكرِ مصرَ منذُ انقلابِهم الأسودِ في الثّالثِ من يوليو سنةَ ٢٠١٣م أرواحَ أكثر من ثلاثةِ آلافٍ من أبرياءِ المصريّينَ، وَجرحُوا أكثر من خمسةِ آلافٍ، واعتقلوا أكثرَ مِنْ عشرةِ آلافٍ، وأرادُوا ترويعَ تسعينَ مليون مصريّ. فهل هناكَ جرائمُ أبشعُ من ذلكَ؟ هل هناكَ انتهاكٌ لحقوقِ الإنسانِ في القرنِ الحادي والعشرينَ أفظعُ من هَذه الجرائمِ؟ بلْ هلْ يمكنُ أن يسمحَ المصريّونَ لمجرمٍ مثل السّيسي أن يختطفَ حلمَهم بالحرّيّةِ، ويبدّدَ طموحَهم لبناءِ مستقبلٍ أفضلَ، ويدمّرَ مسيرتَهم الدّيمقراطيّةَ؟
مستحيلٌ أن يحدثَ هذا، مستحيلٌ أن يسمحَ تسعونَ مليون مصريّ لفردٍ مجرمٍ، تُعَاوِنُهُ عصابةٌ مأجورةٌ، بالتآمرِ عليهم، وتحويلِ بلدِهم إلى سجنٍ كبيرٍ، وحياتهِم إلى جحيمٍ عظيمٍ. القاتلُ لابدّ من محاكمتِهِ وإعدامِه. القصاصُ لا مفرّ منه: (وَلكم في القصاصِ حياةٌ). كلُّ من أمرَ بالقتلِ، وكلُّ من حرّضَ على القتلِ، وكلُّ من قامَ بفعلِ القتلِ، وكلُّ منْ برّرَ القتلَ، وكلّ مَن حلّلَ القتلَ، لابدّ من القبضِ عليه ومحاسبتِه، ومعاقبتِه بأغلظِ العقوباتِ. وبعدُ.
الإعلانِ العالميّ لحقوقِ الإنسانِ
دَعنى، أيُّهَا القارئُ الكريمُ، استعرضْ معكَ بعضَ موادّ "الإعلانِ العالميّ لحقوقِ الإنسانِ"، لِنُذَكِّرَ شعبَنَا المطحونَ بحقوقِهِ المسلوبِةِ، ونحثَّهَ على الثّأرِ لشهدائِهِ، والقصاصِ لهم: (وذكّرْ فإنّ الذّكرى تنفعُ المؤمنينَ). تقولُ المادّةُ الأولى من "الإعلانِ العالميِّ لحقوقِ الإنسانِ": "يُولدُ جميعُ النّاسِ أحرارًا، متساوينَ في الكرامةِ والحقوقِ، وقد وُهِبُوا عقلًا وضميرًا، وعليهم أن يُعاملَ بعضُهُم بعضًا بروحِ الإخاءِ". نريدُ أن نقولَ للانقلابيّينَ ونذكّرهم: نحنُ المصريّينَ ولدتنا أمهاتن أحرارًا. وسنظلّ أحرارًا، مهما أطلقتم علينا الرّصاصَ. بل إنّنا سنظلّ متمسّكينَ بحرّيّتنا، حتّى وإنْ ألقيتم علينا القنابلَ الذّريّةَ. فلتعلمْ، يا سيسي، أنّ عصرَ الانقلاباتِ قد ولّى، وأنّ شعبَ مصرَ العظيمَ سوفَ يُحاسبُك عَلى كلّ قطرةِ دمٍ تسبّبتَ في إسالتها من دماءِ المصريّينَ الشّرفاءِ، ولسوفَ نثأرُ لكلّ شهيدٍ أسقطتْه رصاصاتُ عساكرك الغادرةُ. وبعدُ
تقولُ المادّةُ الثّانيةُ منَ "الإعلانِ العالميّ لحقوقِ الإنسانِ": "لكلّ إنسانٍ حقّ التّمتّعِ بكلّ الحقوقِ والحرّيّاتِ الواردةِ في هَذا الإعلانِ، دونَ أيّ تمييزٍ، كالتّمييزِ بسببِ العنصرِ، أوِ اللّونِ، أوِ الجنسِ، أَوِ اللّغةِ، أَوِ الدّينِ، أَوِ الرّأي السّياسيّ، أو أيّ رأي آخرَ، أو الأصلِ الوطنيّ أوِ الاجتماعيّ، أوِ الثّروةِ، أو الميلادِ، أو أيّ وضعٍ آخرَ، دونَ أيِّ تفرقةٍ بينَ الرّجالِ والنّساءِ.
وفضلًا عمّا تقدّم، فلن يكونَ هناكَ أيّ تمييزٍ أساسُه الوضعُ السّياسيُّ أوِ القانونيُّ أوِ الدّوليّ للبلدِ أو البقعةِ الّتي ينتمي إليها الفردُ، سواء أكانَ هذا البلد أو تلك البقعة مستقلة، أو تحتَ الوصاية، أو غير متمتعةٍ بالحكمِ الذّاتيّ، أو كانت سيادتها خاضعة لأيّ قيدٍ من القيودِ". نذكّرُ الانقلابيّينَ، وقائدَهم السّيسي، بأنّ القبضَ العشوائيّ على شرفاءِ مصرَ من كبارِ الإسلاميّين، وقادةِ المعارضينَ للانقلاب على الشّرعيّةِ، ليس له أيّ مبرّرٍ قانونيّ أو أخلاقيّ أو عقليّ، بل هو جريمةٌ منكرةٌ سوفَ نحاسبهم جميعًا عليها بصحيحِ القانونِ، وأمامَ المحاكمِ المصريّةِ، والمحافلِ الدّوليّةِ. وبعدُ
تقولُ المادّةُ الثّالثةُ مِنَ "الإعلانِ العالميّ لحقوقِ الإنسانِ": "لكلّ فردٍ الحقّ في الحياةِ، والحرّيّةِ، وسلامةِ شخصِهِ". نقولُ للسّيسي: إنّ كلّ رصاصةٍ أمرتَ بإطلاقها على أيّ مواطنٍ مصريٍّ، سوفَ نحاسبُك عليها. فأنتَ المسؤولُ الأوّلُ عنْ إزهاقِ أرواحِ أكثر من ثلاثةِ آلافِ مصريّ، وإصابةِ آلافٍ آخرينَ. هذا جرائمُ لن نسكتَ عنها أبدًا، بل سنظلّ نلاحقُك عليها قانونيًّا، حتّى تنالَ العقوبةَ المستحقّةَ على القتلةِ الأوغادِ.
كما أنّنا نحمّلك مسؤوليّةَ اعتقالِ أكثر من عشرةِ آلافٍ من شرفاءِ مصرَ ومفكّريها، والزّجّ بهم في السّجونِ، ومعاملتهم معاملةً وحشيّة غيرَ آدميّةٍ. لقد انتهكتَ يا سيسي، ومعك عصابةُ الانقلابِ، جميعَ الأعرافِ الدّوليّةِ، وحقوقَ الإنسانِ المتعارفَ عليها دوليًّا، ناهيك عن قواعدِ ديننا الحنيفِ الّتي تخصّها بازدراءٍ خاصّ، ربّما لأنّ أمّك يهوديّةٌ مغربيّةٌ، ولأنّنا لم نرَ من اليهودِ في هذا العصرِ إلّا الكراهيةَ والحقدَ والتّآمرَ.
تقولُ المادّةُ الرّابعةُ مِنَ "الإعلانِ العالميّ لحقوقِ الإنسانِ": "ليسَ يجوزُ استرقاقُ أوِ استعبادُ أيّ شخصٍ، ويحظرُ الاسترقاقُ وتجارةُ الرّقيقِ بأوضاعهما كافّةً". نقولُ للسّيسي وعصابةِ الانقلابِ: نحنُ الشّعبَ المصريّ لن نقبلَ أبدًا أن تستعبدَنا عصابةُ العسكرِ. لقدِ استعبدنا العسكرُ ستّةَ عقودٍ. لكنَّ هذه الحقبةَ السّوداءَ قد ولّتْ، بلا عودةٍ إنْ شاءَ اللّهُ. استعبادُ النّاسِ ممنوعٌ، بل محظورٌ. وهو جريمةٌ لن نتقاعسَ، ولن نهدأَ، قبلَ أن نحاكمَ مجرمي عسكرِ مصرَ عليها. شعبُ مصرَ ليسَ من العبيدِ. مفهومٌ؟!
تقولُ المادّةُ الخامسةُ مِنَ "الإعلانِ العالميّ لحقوقِ الإنسانِ": "لا يعرّض أيُّ إنسانٍ للتّعذيبِ، ولا للعقوباتِ، أو المعاملاتِ القاسية أو الوحشيّة أو الحاطّة بالكرامة". نقولُ للسّيسي: إيّاك أن تواصلَ تعذيبَ قياداتِ الإخوانِ، وقادةِ الإسلاميّينَ، وكبارِ المعارضينَ. تعذيبُ الإنسانِ يعني العودةَ إلى الوراءِ قرونًا طويلةً. فلتحذرْ، يا سيسي، من اقترافِ هذه الجريمةِ المنكرةِ الّتي سوفَ نحاسبك عليها حسابًا عسيرًا. لا تلعبْ بالنّارِ. عصرُ تعذيبِ المعتقلينَ قد ولّى. لا يُمارسُ التّعذيبَ اليومَ، إلّا السّفّاحونَ، المجرمونَ، السّفلةُ، وهم بذلك لن يفلتوا أبدًا من المحاكمةِ والعقابِ.
تقولُ المادّةُ التّاسعةُ مِنَ "الإعلانِ العالميّ لحقوقِ الإنسان": "لا يجوزُ القبضُ على أيّ إنسانٍ أو حجزُه أو نفيهُ تعسّفًا". نقولُ للسّيسي وعصابتِه: الويلُ لكم على ما اقترفتموه من جرائمَ، عندما سارعتُم بالقبضِ على النُخَبِ المصريّة الحقيقيّةِ، وتحالفتم مَعَ حثالاتِ المصريّينَ. لم يعدِ القبضُ على الأبرياءِ بالسّهولةِ الّتي كَانَ عَليها في عصرِ عَبد النّاصرِ. شعبُ مصرَ اليومَ ليس كشعبِ مصرَ في الخمسينيّاتِ والسّتّينيّاتِ.
شعبُ مصرَ اليوم أكثر وعيًا، وعلمًا، ودرايةً بحقوقِه. شعبُ مصرَ اليومَ موجودٌ في جميعِ أنحاءِ العالمِ. ويا ويلكَ منَ المصريّينَ في الدّاخلِ والخارجِ، لأنّنا جميعًا مصمّمونَ على القبضِ عليك وتقديمكَ إلى المحاكمةِ. لن تفلتَ، يا سيسي، من العقابِ، ولن تفلتَ عصابتُك من الحسابِ العسيرِ، إن شاءَ اللّهُ. سنحَاكِمُكم في الدّاخلِ والخارجِ، ولن نهدأَ، قبلَ إنزالِ أشدِّ عقوبةٍ بكم، بإذنِ اللّهِ.