أستاذي الدكتور صلاح الدين سلطان، أحد الدعاة البارزين في هذا العصر، وأحد العلماء العاملين، وصاحب التجربة الثرية والواسعة في الدعوة إلى الله تعالى، ذو العلم الغزير، الذي ألّف أكثر من ستين كتابا، وصاحب الخلق الكريم، والفقه في الدين؛ فهو أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بالقاهرة، وعضو المجامع الفقهيّة في أمريكا وأوربا والهند، ورئيس الجامعة الإسلامية الأمريكية سابقا، والأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر المُقال، والذي طاف الأرض شرقا وغربا داعيا إلى الله، غيرَ راغبٍ في فضلٍ من أحد سواه، جاعلاً أنيسَه وشعارَه: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ). الشعراء: 109.
وهو واحد من رجال الإصلاح والدعوة الذين منّ الله بهم على الأمة المسلمة كل عدة عقود، وقد جمع الله له من الأوصاف تكفي واحدة منها أن تضع صاحبها في مصافِّ الخالدين، فكيف بمن جمعها فانعقدت له كما يعقدها الله لمن قيضهم وهيأهم لخدمة دينه وأمته؟ نحسبه كذلك، والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحدًا.
فهو العالم الربّاني، الذي يؤثِّر في كل من يلقاه، ويترك خلفه في المكان الذي يحل به أثرًا مباركًا، ولولا أن له مع الله أحوالا وأسرارا لما كانت آثاره على هذا النحو في القلوب والعقول والأرواح سواء بسواء.
وهو الفقيه الأصولي الذي تضلع من علم الأصول فاستلهم منهجياته وطرائقه، حتى تراه يضع النوازل المعاصرة تحت نار الأصول والفقه الهادئة؛ فتخرج آراؤه الفقهية، وفتاواه الشرعية، ومؤلفاته المجددة، مؤصلةً مدققة؛ تجمع بين الحجة الشرعية البالغة، والخشية القلبية الواضحة، فتكون معبرةً عن مقاصد الشرع، ومحققةً مصالح الناس .
وهو الداعية الحركي، الذي لم ينعزل يوما في الأبراج العالية بعيدًا عن واقع أمته، أو ممن يكتفون بمعالجة العلم بين المكتبات والأوراق، بل جمع إلى ذلك خبرة كافية من تجربة ثرية في واقع أمته عبر نشاطه الدعوي العالمي، وحركته الفتية الدائبة التي لا تعرف الكلل ولا الملل ولا السآمة، يحدوه في ذلك قلب متحرق بواقع أمته، ورغبة هادرة في طلب رضا الله وجنته.
لقد خبرته وعايشته عبر عشرين عاما، فما وجدت فيه إلا صدقا وتواضعا وإخلاصا ونقاء وتفانيا في خدمة دينه وأمته وبلده، يعمل بلا كلل ولا ملل .. يواصل الليل بالنهار، ولا ينام من الليل إلا قليلا .. أشهد أنه ممن يمسِّكون بالكتاب، وممن لا يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، ولا يأخذون عرض هذا الأدنى، وإنما كان من أصحاب الهمم السامقة، والعزائم الراسخة، والآمال العريضة لدينه وأمته.
لقد تولى أمانة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر فوهبه كل وقته، وشهد المجلس خلال ستة أشهر هي كل ولايته من النشاط والتجديد والحراك ما لم يشهده عبر تاريخه كله ..
حين دخل المجلس أول يوم وجد موظفا معتقلا منذ سنين ولا يعرف له أحدٌ طريقا، فأرسل للرئاسة ولوزارة الداخلية ولغيرهما في طلبه، ثم جاء بأسرة هذا المعتقل وكرمها في المجلس، ثم وهب راتبه الشهري لهذه الأسرة، كما أقام حفل تكريم للأمين السابق والأسبق.
ولم يكن نشاطه مقصورا على المجلس فقط، بل كان ضمن الفريق الاستشاري لوزارة الأوقاف، ورئيس اللجنة الشرعية للوقف في مصر؛ حيث أوقف مع ثلة من خيرة أبناء مصر من الفاسد والنهب لأوقاف مصر ما الله به عليم.
واليوم!! … يضبط ويحقق معه في تُهَمٍ هو أبعد ما يكون عنها، إنها تهم التحريض على العنف والقتل في رمسيس والأزبكية! وأنا أشهد أنه كان ينادي دائما من قلب مسجد الفتح – كما عرضت القنوات – بألا ينجر أحد للعنف، وألا يمارس أحد سوى السلمية سبيلا للتعبير عن الرأي والاحتجاج، حتى انتهى اليوم، وكانت واقعة اختطافه ومحاولة قتله الشهيرة يومها لولا أن نجاه الله.
أستاذي الجليل:
ستنال منك اليوم ألسنة المخذِّلين والمعوِّقين، وأصحاب الخسة والوضاعة، ممن لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، الذين لا رأي لهم ولا مبدأ لهم، وإنما يطبلون مع المطبلين، ويزمرون مع المزمرين، فوجودهم وعدمه سواء للأمة والملة، أولئك الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية، ومناصبهم الذاتية، والطرق التي يجمعون منها الأموال، التي يلهثون وراءها، ويضربون أكباد الإبل لجمعها … سيقولون لقد أخطا، لقد أجرم، لقد انحرف، لقد ضل … لقد، لقد، لقد ..
لتكنْ ثابتا شامخا، لا تلنْ ولا تهُن، فلطالما نال السفهاء من العظماء، ورضخ الجبناء حين لا يلين الشجعان والأصفياء، وسعى أصحاب المصالح ليجدوا موضع قدم مع الطغاة والظلَمة حين رفض المخلصون والأنقياء الخضوع والركوع للمتجبرين والقاتلين!
أقول لك في محبسك ما قاله يوما شهيد الإسلام سيد قطب عليه رحمة الله:
أخي أنت حرٌ وراء السدود .. أخي أنت حرٌ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما .. فماذا يضيرك كيد العبيد
أخي ستبيد جيوش الظلام .. ويشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها .. ترى الفجر يرمقنا من بعيد
أخي قد أصابك سهم ذليل .. وغدرا رماك ذراعٌ كليل
ستُبترُ يوما فصبر جميل .. ولم يَدْمَ بعدُ عرينُ الأسود
أخي قد سرت من يديك الدماء .. أبت أن تُشلّ بقيد الإماء
سترفعُ قُربانها للسماء .. … مخضبة بدماء الخلود
………
أخي إن نمُتْ نلقَ أحبابنا .. فروْضاتُ ربي أعدت لنا
وأطيارُها رفرفت حولنا .. فطوبى لنا في ديار الخلود
أخي إنني ما سئمت الكفاح .. و لا أنا أقيت عني السلاح
وإن طوقتني جيوشُ الظلام .. … فإني على ثقة بالصباح
وإني على ثقة من طريقي .. إلى الله رب السنا والشروق
فإن عافني السَّوقُ أو عَقّنِي .. فإني أمين لعهدي الوثيق
أخي أخذوك على إثرنا .. وفوج على إثر فجرٍ جديد
فإن أنا مُتّ فإني شهيد .. وأنت ستمضي بنصر جديد
قد اختارنا الله في دعوته .. وإنا سنمضي على سُنته
فمنا الذين قضوا نحبهم .. ومنا الحفيظ على ذِمته
أخي فامض لا تلتفت للوراء .. طريقك قد خضَّبته الدماء
ولا تلتفت ههنا أو هناك .. ولا تتطلع لغير السماء
فلسنا بطير مهيض الجناح .. ولن نستذل ولن نستباح
وإني لأسمع صوت الدماء .. قويا ينادي الكفاحَ الكفاح
سأثأرُ لكن لربٍ ودين .. و أمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام .. وإما إلى الله في الخالدين