قصة ثورتين !!
ثورة 25 يناير 2011 لم تكن ثورة محظوظة بخلاف الانقلاب العسكري الذي
شهدته مصر في 23 يوليو 1952 الذي تحول إلى ثورة شعبية شاملة غيرت وجه
الحياة في مصر، بينما الثورة الشعبية الشاملة التي وقف أمامها العالم
مبهورا بسلميتها وروعتها عام 2011 تحولت إلى انقلاب عسكري دموي فاشل!!
ترى ما هو السبب في ذلك ؟!! باختصار السبب الرئيس- في تقديري – هو: التعليم
والنخبة إلى جانب أشياء أخرى!!
************************
أسباب تحول انقلاب يوليو 52 إلى ثورة شعبية شاملة غيرت وجه الحياة في مصر
وكون هذا الانقلاب العسكري محظوظا في إطار السياق التاريخي العام للثورات
المصرية جاء – في تقديرى – نتيجة لسببين رئيسيين:
الأول أن انقلاب يوليو جاء في ظل نظام تعليمي محترم طوال الفترة
الليبرالية وضع أساسه محمد علي باشا منذ بدايات القرن التاسع عشر
الميلادي، هذا النظام التعليمي الجيد هو الذي أخرج لنا كل المثقفين وقادة
الرأي ورجال الفكر والسياسة الذين نفتخر بهم حتى الآن بمن فيهم قائد
الثورة وزعيمها الراحل جمال عبد الناصر. نظام تعليمي قائم على الجدارة
والمساواة والعدل هو الذي جعل ضابطا مثل يوسف السباعي من أشهر الروائيين
المصريين، وهو الذي جعل ضابطا آخر مثل الدكتور ثروت عكاشة هو صاحب الفضل
الأكبر في بناء صرح الثقافة في مصر، وغيرهم الكثير والكثير .. والسؤال
هنا: هل أفرز النظام التعليمي الذي تم تجريفه طوال العقود الماضية بعد
1952 مثل هذه القامات العظيمة؟!!!
لعل ذلك من أهم أسباب كون 23 يوليو من الثورات المحظوظة في التاريخ المصري.
السبب الثاني المرتبط أيضا بالنظام التعليمي هو أن النخبة المصرية من
المثقفين وخريجي الجامعات وقطاعات كبيرة من المجتمع من المهنيين والعمال
والفلاحين والطلبة ترعرعت في ظل مناخ عام يجاهد من أجل التخلص من المحتل
الأجنبي والاستعمار البريطان. هذه النخبة تميزت بالانتماء والإخلاص
للوطن والتضحية في سبيله وإعلاء المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، ولذلك
نجح الانقلاب العسكري عام 1952 في التحول لثورة شعبية شاملة.
ما حدث في يناير وفبراير 2011 كان ثورة شعبية بكل ما تعنيه الكلمة في
المصطلح السياسي. مئات الآلاف خرجوا في تظاهرة سلمية إلى أهم ميدان في
قلب العاصمة المصرية للتعبير عن احتجاجهم واعتصموا في الميدان لمدة 18
يوما وزادت أعدادهم ليصبحوا بالملايين في ميادين العاصمة والأقاليم وقامت
شرطة النظام باستخدام كافة أشكال القمع ضدهم لكن إرادتهم لم تنكسر، ولم
تنهزم حتى سقط رأس النظام. باختصار إذا لم تكن هذه ثورة .. فما هي الثورة
إذن؟!!
نعم هي ثورة لكنها بعكس ثورة 1952 لم تغير وجه الحياة في مصر إلى
الأفضل. الأسباب كثيرة، وإذا كان المجال لا يتسع لسردها جميعا فإن الأهم
هو استخلاص العبرة والدرس.
انقلاب عسكري يأتي على مجتمع به نظام تعليمي جيد، ونخبة تنتمي للوطن
وتعلي مصالح الشعب فوق كل اعتبار، يتحول إلى ثورة شعبية شاملة. وثورة
شعبية كاملة تأتي على مجتمع يعاني من نظام تعليمي متخلف تم تجريفه لعقود
طويلة، ونخبة تعلي من مصالحها الشخصية وانحيازاتها الضيقة قاد ثورة عظيمة
على غرار ثورة 25 يناير 2011 إلى مجرد انقلاب عسكري!!
قصة ثورتي 1952 و2011 في مصر تحتاج لمراجعات بهدف الاستفادة من دروسهما
في إعادة بناء الدولة المصرية مجددا، قصة الثورتين تحتاج لروائي قدير مثل
تشارلز ديكنز الذي كتب روايته العظيمة " قصة مدينتين" ليحكي تفاصيل
الثورة الفرنسية في لندن وباريس والهجوم على سجن الباستيل، وبروز شعار
الثورة : " حرية- إخاء- مساواة". متى نسمع ونرى ونقرأ عمن يضع شعار
الثورة المصرية: عيش-حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية" في المكان
اللائق به في تاريخ الإنسانية؟!!