دكتورة هبة رءوف عزت
توقفت منذ منتصف يونيو ٢٠١٣ عن الكتابة على وسائط التواصل الاجتماعي من تويتر وفيسبوك..والتي كانت مساحتي البديلة للتفكير بصوت عالِ والتفاعل مع ما يحدث على الساحة..وذلك منذ أوقفت مقالي الأسبوعي يوم الأحد في جريدة الدستور عام ٢٠١٠ بعد أن تغيرت ملكية الجريدة وإدارتها قبل ثورة يناير ٢٠١١ وهي الجريدة التي انتظمت كتابتي فيها بعد جريدة الشعب حين كان يرأس تحريرها ا.عادل حسين ،والتي كتبت فيها لسنوات بانتظام في التسعينات.
وكنت قد تجنبت بعد الثورة الظهور في الفضائيات ووسائل الاعلام أو الادلاء بأحاديث صحفية رغم الدعوات المتكررة- حتى أثار ذلك تساؤلات البعض- لأنني ببساطة ملتزمة بالتدريس وبعملي الأكاديمي الذي أعطيه أولوية مطلقة ..وأراه دوري الأساسي في نهضة وطني من ناحية..ومن ناحية أخرى لحرصي فيما يتيسر لي من وقت على التجوال في ربوع مصر المحروسة من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها – طمعاً في فهم أكبر لعلاقة الدولة بالمجتمع ..بعيدا عن صخب الإعلام.
كان التفكير في تغيير الواقع للأفضل هو ما يشغلني..فليس في المعرفة خير إن لم تحدث تغييراً في حياة الناس للأفضل .. ولست من سكان الأبراج العاجية..ولأنني لم أزعم أبداً أن عندي الصورة الكاملة بعد تغير علاقة الدولة بالمجتمع في مصر نتيجة تغير موازين القوة وتبدل مواقع الأطراف المختلفة على خريطة الأحداث بعد ثورة ٢٥ يناير فلم أكتب مقالات طويلة للنشر في الصحف منذ عامين ونصف ..ووجدت في ترحالي أن مصر عميقة ومتنوعة بشكل مذهل.. وكلما أحسست أني بدأت أفهمها أظهرت لي جانبا خفياً منها لم اعرفه..فلا يزيدني ذلك إلا إقراراً بجهلي.. لذلك سيتذكر من يتابعني على تويتر- الذي كان أحياناً أسهل في تدوين الأفكار السريعة من الفيسبوك- أنني كنت أحياناً أتوقف لمراجعة بعض القضايا وأعلن أن التغريدات موقوفة عدة أيام: للإصلاح والتجديد.
لم أكن يوماً عضواً في تنظيم أو حزب أو أي حملة رئاسية..رغم كوني من أبناء الصحوة الإسلامية الأوسع في السبعينات والثمانينات..و كنت دوماً منشغلة بتطوير الرؤية الإسلامية سواء في قضايا المرأة أم المواطنة أم رؤية العالم وشروط تغييره في زمن العولمة أم في تناول قضايا التمدن والعنف (كتبت دراسة نشرها مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية عن الخيال السياسي للإسلاميين ٢٠٠٤ .. و سلسلة مقالات ٢٠٠٨ تحت عنوان أحلام العصافير للدعوة لتجديد خطاب وحركة الإخوان بهدف رفع سقف تفعيل الحياة المدنية والسياسية بأطيافها)..وكانت مقالاتي في نقد الاستبداد والتفكير في الاصلاح، وهو ما اعتبرته دوماً واجباً شرعياً في التفاعل مع الواقع الاجتماعي والسياسي ..ومسئولية مجتمعية وأخلاقية كمواطن وناخب.
ومن عادة البعض أن ينشغل بتصنيف الناس من نشطاء أو رموز سياسية كي يمكنه تجاهل مضمون ما يكتبون، وحدث هذا معي كثيراً، و للتذكير بلقطات عن موقعي في المشهد العام نذكر من يتهم بالسلبية والاكتفاء بجهاد الانترنت أنه بعد إغلاق صناديق الاقتراع في انتخابات الرئاسة وبعد أن حسم الناخبون اختيارهم بالفعل قامت مجموعة متنوعة الخلفيات بجهد لمواصلة حماية أهداف للثورة وتم طرحها على المرشح الرئاسي محمد مرسي للتعهد بالوفاء بها حال فوزه والاصطفاف لتحقيقها كجبهة حال فوز المرشح الآخر – فكان لقاء فندق فيرمونت قبل إعلان النتائج بأيام ،ومع احترامي للجميع فإنني لم أكن يوماً تابعة لشخص أو فصيل سياسي ومواقفي موجودة وآرائي منشورة منذ نهاية الثمانينات- واجتهادي قد يكون أصاب أو أخطأ- لكنني أرجو أن أكون قصدت به وجه الله….وإن ظل لهواة الاستقطاب والتصنيف والمزايدة والتطاول ..منطق آخر.
وبعد نجاح د.محمد مرسي بأسابيع وقفت تلك الجبهة الوطنية موقفاً معارضاً للرئيس عند اختيار د.هشام قنديل لرئاسة الوزراء لأنها ارتأت أن اللحظة تحتاج شخصية أقوى سياسياً ..وكان الموقف علنياً في مؤتمر صحفي بساقية الصاوي- كما وجدنا أنه لم يتم الالتزام بالنقاط المتفق عليها – لكن رغم ذلك وحرصاً على خلق توافقاً عاماً بين التيارات والقوى على الحد الأدنى بشأن الدستور تم الاستقرار على تشكيل لجنة فنية استشارية من عشرة أشخاص لمراجعة مسودة الدستور بالتشاور مع الجمعية التأسيسية ووجدت اسمي بينهم..ولما تعثر دورها من الناحية العملية لأن الجمعية التأسيسية شرعت في التصويت النهائي على المواد دون أخذ تعديلاتنا المقترحة على المواد في الاعتبار البتة "لضيق الوقت" -كما قيل- وبعد عمل متواصل لمدة شهر كامل .. انسحب ثمانية من العشرة -وكنت منهم ،وأعلنوا الأسباب –وهي منشورة- (وتم اتهامهم بمحاولة فرض آراءهم وهو غير صحيح) ثم توزعوا على أطياف الساحة السياسية مرة أخرى كما كانوا من قبل ليواصل كل واحد اجتهاده في مساره الحزبي أو السياسي ..و في حالتي : مساره في ساحة المجال العام .
توحد الناس في ميدان التحرير منذ ٢٨ يناير ٢٠١١ ..قبل تنامي الانقسام منذ ١١ فبراير ٢٠١١..والذي أظهرته بوضوح النسب والأرقام في التصويت على التعديلات الدستورية ثم الانقسام الظاهر في الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية ثم في التصويت على الدستور ٢٠١٢.
وكان يهمني في الحركة والتفكير تجميع التيار الرئيسي.. والدفع لبناء مؤسسة رئاسة لمصر، وهو ما كتبته في حينه بالتفصيل في مبادرة ونشرته..ثم قدمت تباعاً تصورات عن خطوات ومباديء أساسية لإدارة دولة مصرية بعد الثورة ..وإذا كان الرئيس المدني المنتخب لم يتمتع بالضرورة بدعم كل أجنحة السلطة.. فقد كان هدف النقد والتصويب الذي كنت أنشره رفع كفاءة الإدارة للمساحة المحدودة المتاحة بأقصى طاقة، وخلق جدل صحي للنقاش العام يكون مصدرا لاحترام الرأي والرأي الآخر ومتابعة الناس للمستجدات..وكان منهجي في التواصل مع كافة أطياف المشهد السياسي والاجتماعي: التفكير بصيغة الجمع.. وبمنطق الوطن ..وعلى قواعد التصور الإسلامي الذي أحمله- بمكونات العقيدة والأخلاق والتشريع والعمران والحضارة –وسأظل.
تفاصيل كثيرة توالت ..وفي ١٢ يونيو ٢٠١٣ وصلت لقناعة أنني لا أستطيع أن أفعل كل ما أتمنى على كل الجبهات المفتوحة، وأن لي حدوداً في الجهد والطاقة والصحة وذلك مع تلاحق الأحداث وأيضاً مع تقدمي في العمر ..أن الباقي لي من أعوام أحب أن أرتبه بشكل يسمح بإعطاء وقت أكثر للتعليم في المجال العام لمنهج التفكير حيث وجدت في الحوارات المتتالية المباشرة والالكترونية ضعفاً في فهم السنن والقواعد الاجتماعية ..وكذلك تأكيد مركزية الأخلاق الدينية والفضائل المدنية..و تأسيس الوعي وترجمته عبر مواصلة دعم مبادرات شبابية قادرة علي التأثير في واقع الناس مع انشغال غالبية الأطراف المتواجدة علي الساحة بأولوياتها السياسية العاجلة عن دوائر العمل المجتمعي والدعوي.
ثم كان ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ..ونزول قطاع من الشعب للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة ..فسارع وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة بإعلان "استجابته" لمن خرجوا من المواطنين ..وتم وقف العمل بالدستور.. والتحفظ على الرئيس وفريقه -وأعلن وضع الجيش خارطة الطريق للمسار السياسي..وكان قد أعلن قبل نهاية يونيو تحذيراً وطالب القوى السياسية بالتوافق وامتنعت قوى المعارضة عن الجلوس مع الرئاسة كما فعلت كثيراً- وبدا رد فعل الرئاسة غير مناسب للحظة ولا يرتقي لخطورة عامل الوقت – ولذلك تحليل يطول شرحه ..وظهرت في تصريحات وحوارات صحفية لرموز سياسية ما يكشف أن الإعداد لهذه اللحظة سبق بشهور ….وأمام هذا المشهد كان أمامي إما خيار العودة لكتابة تعليقات وتغريدات تلهث وراء تفاصيل الأحداث، أو كان البديل هو : البحث عن مخرج مع تنامي موجة الكراهية وانتشار الدم وتصاعد التحريض من كل فصيل ضد الآخرين من على كل المنصات وتحت كل الشعارات -وهي آفة المشهد السياسي لشهور ..وكان لزاماً التفكير في كيفية التعامل مع وقف وإجهاض المسار الانتخابي والدستوري الذي كان خارطة الطريق التي ارتضاها أغلبية الشعب بانتخاب نوابه ثم بانتخاب أول رئيس مدني والتصويت على دستور..أياً ما كان رأينا في مجلس الشعب أو في الدستور أو في شخص أو أداء الرئيس.
نعم ..أرى أنه كان من حق قطاع من المواطنين الحشد والنزول للشارع والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة ..رغم أنني لم أكن ممن دعا لذلك كما فعل البعض ..لأسباب قد أدونها بالتفصيل لاحقاً..إلا أنَ من قام بالتوقيع على استمارة تمرد كانت مطالبه سياسية ولم يكن التوقيع على تدخل الجيش لعزل د.محمد مرسي ..ورغم أن الجيش ذكر في بيانه ٣ يوليو – بدعم من الأحزاب والمؤسسات الدينية والإعلامية ومؤسسات الدولة التي وقفت وراءه- أنه "يستجيب لإرادة الشعب"، إلا أنه من المعلوم أن الشعب لم يكن كله داعما لحركة تمرد ولا كان كله في الميادين ٣٠ يونيو..وعندما خرجت حشود أخرى تعترض على إهدار أصواتها الانتخابية وإرادتها السياسية استمر تصويرها باعتبارها – حصراً – من جماعة الإخوان والتنظيمات والأحزاب الإسلامية..وصاعدت الحرب الإعلامية لشيطنة هؤلاء بكل السبل..رغم أن المتمسكين بمسار الشرعية الانتخابية والدستورية (وليس بمحمد مرسي) هم من أبناء هذا الشعب ..أيضاً .
كان رأيي لمن كان يقول لي أن محمد مرسي لم يترك خياراً آخر..هو أن "الملايين" التي نزلت ٣٠ يونيو لو بقيت في الشوارع أسبوعاً وبشكل سلمي وحافظت على المسار الديمقراطي الانتخابي لتغير المشهد برمته ولكن وفق نفس القواعد السلمية الديمقراطية..ولما وصلنا لهذا المأزق .. وكان سيغدو لهم كمواطنين كامل الحق في الإصرار على ذلك..لكن ما حدث هو أن قطاعاً من الشعب حظي بالحماية والمساندة ، وكان حظ ملايين أخرى الاستباحة الإعلامية والقتل العشوائي- دون تمييز بين من يحمل سلاحاً يحق للدولة القبض عليه ومن يتحرك بسلمية ينبغي حمايته لا تسليمه للقتل وإعمال القنص..واختلط الحابل بالنابل ودقت طبول الحرب وزاد نزيف الدم.
ولست بغافلة عن لجوء البعض للعنف ولا عن العنف المقابل مع تبادل للمواقع والأدوار بحسب الحدث والواقعة والمكان ..فأنا لست ممن يميلون للتعميم والدمغ..وقد تأملت طويلاً في نقاشات التمييز بين الأهالي والبلطجية..وكنت طول الوقت أتحفظ على وصف المعارضين بالبلطجية.. حيث كان يتم إطلاق الوصف على غالبية من يتحرك في الشارع..كما يتم الآن تماماً وبالمقابل إطلاق وصف الإرهابي على من يفتح فمه محتجاً على ما آلت إليه الأمور (ووصفه بأنه إرهابي..خلايا إخوانية نائمة..أو السخرية من أنه من دعاة "المصالحة "..التي صارت كلمة تخوين.. وبألفاظ أقرب للعنصرية).
وتبقى الحقيقة أن كثيراً من المسيرات السلمية تعرضت للبلطجة الإجرامية ولم تحظ بالتأمين الكافي بل وتحرك البلطجية حول الضباط أحياناً…و تنامت أعداد القتلى بشكل مخيف (أعلاها سقوط ما يقارب ١٠٠ قتيل أمام الحرس الجمهوري) حتى صار القتل خبراً يومياً..في الاشتباكات السياسية أو حتى في الاشتباكات الطائفية..وصار بعض الدم أولى بالبكاء والشجب من الدم الآخر..سواء كان دم أطراف متناحرة من الشعب أم دم ضباط وجنود.
لم أكتب منذ منتصف يونيو تعليقاً على الأحداث المتصاعدة لسبب قد يبدو للبعض عجيباً وهو إدراكي أن عودة الجيش للمشهد السياسي بعد خروجه من صدارة المشهد السياسي بانتخاب أول رئيس مدني..يأتي في لحظة انقسام طاحن مجتمعي وسياسي يتزامن مع فراغ أمني..وأن صيغة "خروجه الثاني" ينبغي أن تتزامن مع توافق مجتمعي وتحديد دوره في تأمين للبلاد -فها هو يعود "ملتحفاً بالمظاهرات ". لم تكن الإدانة تكفيني لابراء الذمة وتسجيل الموقف بل البحث عن حل – ورغم أن الشتائم والطعن واللمز والاستهزاء والتطاول قد تراكم عندي في حسابي على تويتر والفيسبوك من أطراف شتى نظرا لغيابي عن التعليق اليومي (مع امتناني لمن سأل مستفهماً أو مطمئناً) فقد شغلني التفكير والتشاور بشأن آليات إثناء الجيش عن المواصلة في هذا الطريق..بما يحفظ للقوات المسلحة المصرية هيبتها ويردها لمسئوليتها عن خارطة الطريق الأمنية والدفاعية- وليس السياسية – ويفك أزمة استحكمت حلقاتها حتى استغلقت عند البعض على الحل وتلطخ المشهد بدماء المصريين..فكيف نحافظ على الجيش كدرع للوطن والمواطن بنفس درجة الحرص والحفاظ على مدنية السياسة.. وعلى سلمية الشارع ..وعلى وحدة مصر في لحظة إقليمية ودولية عاصفة بل عاتية…
واصلت – كمواطن وناخب – بعد ٣ يوليو السير والنظر وجولات فهم الشارع وتوجهاته ورؤية الناس الذين يتكلم الجميع باسمهم ولا ينصت لهم أحد..قررت أن أستمع بدلاً من أن أتكلم.. وجربت التأكد من المعلومات التي وجدت أنها كثيراً ما تفتقر للدقة على تويتر والفيسبوك أو في الإعلام..وزرت بعض الأحياء التي شهدت صدامات، وبدأت بحي "بين السرايات" المجاور للجامعة حيث قمت بالتواجد ساعات طويلة في جامع القاهرة تطميناً لأفراد أمن الجامعة المدني الذي فوجيء بنفسه في وسط اشتباكات مسلحة من ناحية – وتحركت أستطلع ما حدث من أهل حي السرايات..وتفاوتت روايات من سألتهم عن بداية الأحداث ونهايتها ومن كان في أي موقع وأين.. سألت الأهالي واللجان الشعبية التي صارت مسلحة من اليوم التالي وأصحاب المحال ….وقمت بزيارة للمستشفيات..وسماع للشهادات..وكان َهمي الأساسي هو فهم ما يجري والتفكير في المخرج.. والتشاور مع من أعرف من القوى التي رفضت- وأحيانا التي أيدت- الخروج عن مسار الصندوق وإردة الناخبين كمعيار واضح لخيارات الشعب ، لأجمع التصورات والنقاط المشتركة المتفق عليها، وأبحث عن حل يبني على المبادرات المدنية التي ظهرت ..وتعرضت للأسف رغم جديتها لهجوم ساحق في ظل الاستقطاب ، وأرى أنها كانت تستحق نقاشاً جاداً ومتزناً….وزرت محافظات مختلفة .. ألتمس حكمة الشيوخ ورؤى الشباب..أجلس مع عسكريين قدامى لفهم منطق تفكيرهم وشيوخ بدو لأستطلع تقييمهم للمشهد المصري برمته ومساراته في ذاكرتهم وفي الواقع..ووجدت أن الهاجس الأساسي لدى قطاع من المؤيدين لهيمنة الجيش على مقاليد الأمور هو بوضوح: الهاجس الأمني..والذي تمثل –عند فريق التمسك بشرعية الصندوق- في مواجهة عودة جهاز أمن الدولة وتآكل مساحة الحرية والحقوق وإهدار نتائج الانتخاب والاستفتاء ليسيطر منطق القوة والبطش ..بمثلما كان هناك هاجس الأمن اليومي العام في ظل طول مدة الفراغ الأمني في الشارع والذي يمثل عبئاً على المؤيد والمعارض على حد سواء- كمواطنين يعيشون في وطن واحد.
من هنا كان ما شغلني في التفكير والتشاور والحركة بين الناس خلال الأسابيع الماضية هوالبحث في أمرين:
أولاً : مدى قدرة جيشنا المصري عملياً -على تأمين الجبهة الداخلية والخارجية معاً بعد أن فقدنا تماسك الجبهة السياسية الداخلية ودب الشقاق حول القواعد الأساسية -وليس القضايا والرؤى والسياسات..وقدرته على التعامل مع اتساع مساحة المهام الملقاة على عاتقه والتوقعات المتزايدة في ظل عدم تطهير الداخلية وإعادة هيكلتها (وهو الحديث الذي اختفى تماماً من الخطاب السياسي والاعلامي بعد ٣٠ يونيو.)
وثانياً البحث عن صيغة توضح للرأي العام ولقيادة الجيش خطورة وآثار التماهي الذي حدث بين أدوار الجيش و الداخلية بعد ثورة ٢٥ يناير نتيجة انهيار قبضة الداخلية ، وقد كنت أرى أنه بدلاً من توظيف ودعم الجيش لقوات الداخلية في الشارع دون البدء في إعادة الهيكلة –لأن الأصل أن لكل منهما منطق مختلف في التعامل مع أمن المواطن ..وهو ما أدى تجاهله لسقوط قتلى طول الوقت في الشارع الثوري لم يُحاسب عليهم أحد ..من أحداث الثورة.. لماسبيرو لمحمد محمود ١ و ٢..لاستاد بورسعيد لغيرها من المحافظات في أحداث مختلفة .ولأن العقلية العسكرية تفكر بمنطق القوة فلابد أن يقابل ذلك من يفكرون للوطن بمنطق الخرائط المجتمعية والمدنية للموتزنة وحفظ المصالح العليا للوطن ..من جهة القوى المدنية والأهلية.
ويُلاحظ أنه في مشروعات ومبادرات للاصلاح الأمني كان الجيش هو المرشح الأول لإعادة هيكلة الداخلية– وكان ينبغي عليه عدم الزج بقوات المظلات في الشارع بما أسقط ضحايا في التحرير سابقاً ثم أمام الحرس الجمهوري ..وكان يقع على عاتقه في الحقيقة ضم قوات مكافحة الإرهاب والشغب والقناصة للجيش كما طالبت أكثر من مبادرة متكاملة قدمتها منظمات ومجموعات لتطهير الداخلية..وساهمت في توصيل بعضها بمستشار الرئيس للشئون السياسية في اجتماع طويل منذ تسعة أشهر بمثلما ساهمت في ضم حقوقيين للجنة التي شكلتها الرئاسة منذ عام من رجال دولة لبحث ملفات المعتقلين آنذاك (تم ضم المحامي المخضرم أحمد سيف الإسلام والمحامي إسلام لطفي..برديف من منظمات ونشطاء حقوقيين للدعم ورصد الحالات) ..
لذا فبحكم خبرتي المتواضعة أرى أنه يلزم الجيش أن يضع نصب عينه السعي لعودة الشرطة كقوة مدنية وكذا ترسيخ قواعد واضحة لاستعانة وزارة الداخلية بالجيش حين تواجه خطرا يهدد الأمن العام والاستقرار .ولكن بعد ٣٠ يونيوعاد ضباط أمن الدولة وضباط الشرطة للساحة وكأن ثورة لم تقم في ٢٥ يناير ٢٠١١ -ودون أدنى إعادة هيكلة أو تطوير أو تطهير .. بل عادت قيادات قديمة للوزارة… وتم التعامل مع الخصوم السياسيين من خلال الاعتقال ومصادرة الأموال ، وأرى أن هذا سيورط الجيش في مواجهات تستنزف قوته التي ينبغي توجيهها للإشراف على خارطة طريق للمنظومة الأمنية برمتها كما كنا ندعو طول الوقت أيام المجلس العسكري..وقبل الانتخابات الرئاسية..ثم بعدها- كي يمكن مواجهة ظاهرة البلطجة الإجرامية- وبعد ذلك بدء جمع السلاح من المدنيين والتعامل مع مشكلة تسلح المجتمع التي لم تعرفها كثير من المساحات الاجتماعية في مصر من قبل ولها آثار وخيمة على المِزاج العام- مثلما حدث في دول أخرى للحفاظ على مدنية المجتمع .
نعم كنت أبحث عن حلول توقف نزيف الدم تراهن على تحويل مسار الجيش ليلعب دوره الأساسي والسيادي والحفاظ على مكانته ووحدة صفه من أجل حماية الوطن -في مواجهة العدو الرئيسي وهو إسرائيل -في نفس الوقت الذي كنت أبحث فيه عن مخرج سياسي يضمن العودة لارادة الناخبين في لحظة بدا أننا فقدنا فيها القدرة على التفاوض السياسي المدني ولم نعد نجيد سوى الاقتتال. وفي ظل استقطاب وتخوين متبادل بين الناس ومع رؤية الدم يسيل بين أبناء الوطن..كنت كمن يحمل في احدى يديه أمانة مجتمع يتعرض للانفراط وفي الأخرى أمانة جيش لا بد من حفظ وحدته وهيبته-رغم كل ما سبق ورغم موقفي من حركة قيادة الجيش ٣ يوليو ٢٠١٣..ولأن الكلمة أمانة واللحظة بالغة الدقة فقد انتظرت كي انتقي كلامي بحساسية بالغة لموازنة كل هذه المصالح العامة وكي لا أكون طرفاً في تحريض أو تهييج أو يُستغل كلامي مقتطعاً من سياقه من فريق أو آخر كما تكرر سابقاً أكثر من مرة..وكان آخر تغريدة لي ٢٤يونيو وأنا أرى المشهد يسير لما انتهى إليه أن: كل حرف في الميزان..دنيا وآخرة .
لكن تصريحات وزير الدفاع ونداءه لنزول "الشرفاء" يجعل كل المساعي والجهود للتفكير المتكامل في البحث عن مخرج تصاب بالخذلان والشلل التام ..وذلك لأنه يقوم وللمرة الثانية -و خلال أسابيع – بالقفز حتى على الواجهة الديمقراطية الهشة التي يحاول بها تحسين صورة الأوضاع أمام العالم. فدعوته "الشعب"مباشرة للنزول للشارع لمنحه تفويضاً بمكافحة "الإرهاب" – هكذا- دون أن يحدد ما نطاقه وتعريفه..ولا توضيح الفارق والتمييز بين ما يجري في سيناء من جماعات مسلحة مثلا وما يحدث في شوارع القاهرة أياً كانت درجة عنفه وطبيعة أطرافه.. ودون إطار قانوني واضح..وخارج الصندوق تماما ..وفي غياب دستور ومجلس شعب..يجعل الفريق عبد الفتاح السيسي محتكراً-للمرة الثانية- للحديث باسم الإرادة الشعبية ومتجاوزاً ..للمرة الثانية ..رئيس الجمهورية المؤقت بعد أن قام سابقاً بإزاحة وإخفاء الرئيس المدني المنتخب في "مكان آمن"- ويبدو أنه سيكون المكان الآمن الوحيد في مصر لو أصبحت الحرب على الإرهاب عقيدة الجيش المركزية بتعريف مفتوح وغامض لمن هو الإرهابي وما هو الإرهاب.(جيلي يذكر مشهد التسعينات في مصر..ثم مشهد الولايات المتحدة نفسها داخليا في ظل حملة الحرب على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر)
هذه الدعوة التي وجهها وزير الدفاع عامة للناس للنزول لدعمه تنذر باقتتال أهلي مفتوح لا نرجوه لمصر..- بدلاً من دور الجيش الذي كان منشوداً في نزع فتيل ذلك- والذي أراه ما زال ممكناً وما زال مطلوباً بأسرع وقت ، فهناك مواجهة مطلوبة للإرهاب الحقيقي للقوى التي تريد شراً بمصر وترجو تفكيكها وتجعل ذلك غايتها ..في اطار رؤية للأمن القمي المصري..وقد رصدت ثلاثة متغيرات في العامين الماضيين في حركتي وتجوالي في المحافظات ومتابعتي لتغير التوازنات الاجتماعية والسياسية في مصر تجعل انفراد العقلية العسكرية اليوم بتحديد ما هو الإرهاب والتحرك لضربه بغطاء اجتماعي "بإسم الحشود التي قامت بتفويض الجيش" دون رقابة ولا محاسبة يمثل خطراً على وحدة الوطن في المدى القريب مع ما نراه من استقطاب سياسي داخلي– والثلاث مستجدات التي ستلقي بظلالها وتلزمنا بتوحيد الصف الوطني من خلال انسحاب الجيش من صدارة المشهد السياسي والمسحة الشمولية للاعلام الذي يذكرني بإعلام نهاية الستينات- هي:
–عنصر الفراغ الأمني الذي دفع المواطنين لحمل السلاح لتأمين أنفسهم وهو ما رفع درجة العنف المجتمعي ثم العنف السياسي المتبادل في الشارع ..وبالتالي-وبدون منظومة أمنية واضحة- يمكن قتل أي مواطن يحمل سلاحا باعتباره إرهابيا بدلاً من وضع خطة للأمن العام تدفع المواطن للاقتناع بتسليم سلاحه ..ثم جمع الأسلحة من المواطنين من خلال خطة واضحة كما حدث في بلدان كثيرة.
– تحولات المشهد السيادي على حدود مصر الغربية والجنوبية بخلخلة أنظمة الحكم المركزية في ليبيا نتيجة الثورة وظروف السودان، خلاف الحاجة لبسط السيادة على الحدود الشرقية والأوضاع في سيناء..وهي ملفات معقدة وشائكة.وهو ما يحمل الجيش المصري عبئاً غير مسبوق في تأمين الحدود والأمن القومي ينبغي إعطاءه الأولوية بدلاً من تفكيك المسار الانتخابي الذي كان يضمن تأمين الجبهة الوطنية بفواعد واضحة وبدلاُ من قطع الطريق والدخول في مواجهة مع الناخبين المعارضين – ليس فقط الإخوان والقوى الأحزاب المتحالفة معهم بل والملايين غيرهم.
– تصاعد اللامركزية في حركة الشارع بالمحافظات المختلفة على خريطة مصر،والتي لم تكن تشهد هذه الدرجة من الاحتجاجات والحراك السياسي من قبل، والتي لاحظت شخصيا مؤشراتها منذ قطع السكك الحديدية في قنا أيام أزمة المحافظ ٢٠١١ حين ذهبت لفهم ما يجري..وجلست مع المجموعات على شريط القطار نتجاذب أطراف الحديث..والتفكير ، وما وجدته في محافظات مختلفة من بنيان قوي للقبائل..وما هو قائم في الدلتا من روابط عائلية وقَبَلية مترابطة ..وأنا لا أتكلم هنا عن قوة تيار سياسي ولا أقصد تهديدات فصائل مسلحة .. بل أتحدث عن مستوى الواقع الاجتماعي بشكل عملي يفرض الحاجة لاعادة لَم شمل المحافظات والقطاعات الأهلي المختلفة حول توافق مجتمعي وسياسي واضح دون استئثار نخب القاهرة المدنية والعسكرية والمتعسكرة برسم المسار المستقبلي دون أي مشاركة للمحافظات التي تعاني الاهمال ولم تحصل على أدنى استحقاقات ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ –و مهم إدراك أن عودة الشرطة دون تطوير في أداءها وعودة أمن الدولة لسابق عهده ستخلق مقاومة جتمعية شديدة وبصيغ مدنية مختلفة لمستها من فئات وقطاعات شتى. فجرائم النظام البوليسي لمبارك ما زالت حاضرة في الأذهان خاصة بين الفقراء والمستضعفين..وفي سيناء ومطروح والصعيد سمعت في أكثر من زيارة هموم القبائل..وشعور الشباب بالتهميش الاقتصادي وتجاهل العاصمة لمطالب قرى سوهان ونجوع النوبة في أسوان – وغير ذلك كثير في المحافظات.
…إن هناك -يا سادة – حدوداً للقوة وللسيطرة .. والسلطة السيادية لا تقوم على أدوات القوة وحدها أبدا بل تستند أصلاً وشرعية على توافق مجتمعي وثقافي في الحد الأدنى يشهد اليوم انحساراً ..وزاده تدخل الجيش في المشهد استقطاباً ،وهناك مهام للمؤسسات العسكرية في الدولة الحديثة وهناك منطق للمجتمعات ودورات حياة للقيم المدنية، والديمقراطية ليست وثناً لكنها آليات وصيغ توافقية على انتقال السلطة لتجنيب الشعوب ويلات النزاعات الأهلية..وصراع محتمل بين المجتمع والسلطة.استخدام القوة في حسم الخلاف يدفع ثمنه الجميع عاجلاً أم آجلاً..، والأمن الشامل الذي يحلم به المواطن المصري يحتاج خطة واضحة ومساراً محدداً..والكرامة والإرادة الشعبية لها مؤشرات ومسارات. وتعلمنا في الدراسات الاجتماعية أنه كلما قلت درجة التوافق على قواعد إدارة الثروة والسلطة ارتفعت درجة العنف..سواء أكان عنف الدولة أم عنف المجتمع. (أبجديات مكررة)
بدأت كتابة هذا المقال صباح الثلاثاء في سيناء وأنا أسجل ملاحظات ورؤى أبناء هذا الجزء العزيز من الوطن على ما يجري في الوادي..أجلس في الوديان مع مشايخ وشباب ونحن نحتسي الشاي بالحَبَق بعد الافطار.. يروون لي تاريخ الاحتلال الاسرائيلي..وحبهم للوطن ..وينظرون بعين البصيرة للخرائط ويؤكدون لي أنه لا مناص من تفاوض القوى السياسية (قال لي أحدهم لو كانت المشكلات عندنا لجلسنا وقمنا بحلها ) ويتحدثون معي عن إشكاليات تعامل الدولة مع سيناء كملف أمني فقط .. وأقيس ما عندهم من حكمة السنين مع ما عندي من رؤية للواقع تجمع بين المعرفة النظرية في مجال الاجتماع والسياسة -غايتها الحفاظ على الوطن وأهله وناسه وجيشه وكرامة مواطنيه وناخبيه ..وحرمة دماء كل إنسان فيه.
وها أنا أكتب في طريقي للعودة للعاصمة ..المركز..القاهرة.
الساعات القادمة بالغة الخطورة ..وأنا أعرف الغضب لدى كل من حمل جثة ابنه أو زميله أو صديقه..ورأيت الدم في الشوارع طول الوقت منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ على الأسفلت وفي المستشفيات حتى صار كابوساً في الصحو قبل النوم..وغايتي أن يصل كلامي لمن يحشد للدم بين الناس بعد أن فقد الثقة في إمكانية القصاص والعدل (تحت شعار دم.. بدم ..وسنثأر) ، ومن ما زال الدم في بعض الجهات لم يجف بعد . أوجه كلامي للجميع..ولمن يراهن على استباحة دم المعارضة من رموز النخب التي كانت ترفع شعارات الديمقراطية..دون تمييز بيم مُحرض ومجرم ومواطن مسالم لا ينتمي لأيهما..وأوجهه لعقل من يهدد ويتوعد من نزلوا يدافعون عن إرادتهم من خلال الصندوق التي تم إهدارها ..وقبلهم جميعاً من يملك قوة الآلة العسكرية التي كان تأسيس الدولة المصرية الحديثة قائماً على أنها تحمي الناس دون تمييز وتحرس مدنية وعمران المجتمع- ولا تؤسس صراعاً مجتمعياً بل تحقن الدماء الزكية.. تحت مظلة قانون يتسع لمتطلبات النظام والأمن..وقضاء لا يدخل في خصومة سياسية -واحترام للشرعية الانتخابية والدستورية- وبعد ذلك فلتقم القوات المسلحة بتعريف العنف والإرهاب بوضوح وتتحمل مسئولية أفعالها أمام السلطات الثلاث عن أداءها..فهي ليست فوق المحاسبة..أكرر : ليست فوق المحاسبة.
إن مطلب الأمن الشامل لن يتحقق إلا بالعودة لقواعد احترام إرادة الناخبين وسلمية المجتمع وقيام السلطة بدورها في تأمين كل المواطنين دون تمييز واحترام القانون وتفعيل مسار الاصلاح الأمني بشفافية ، والعودة قبل فوات الأوان -ليس لحكم مرسي ولا حكم الإخوان- بل لمعيار إرادة الناخبين كما يعبرون عنها في الصناديق وعبر الانتخابات..وليس بالترويج لحشد الحشود بدعوة من وزير الدفاع ..أو القبول بديمقراطية الكاميرات التي تدور بها الطائرات الحربية والمروحيات ..لتعلن الفضائيات –إن أرادت-أن الشعب كله في الشارع..بدون حصر ولا عد..ولا مراجعة..ولا محاسبة.
إن القوى السياسية مدعوة للجلوس دون شروط مسبقة للاتفاق على خارطة طريق لا تقفز فوق إرادة الملايين وتعيد بناء التيار العام وتوقف الاقتتال الأهلي..وترسم للجيش حدود والقواعد التي سيتحرك في إطارها..خارطة طريق يحترم فيها الإعلام إنسانية البشر وأمانة النقل وتقديم المصالح العامة..ويضع فيها هذا المشهد أوزاره..وتعترف القوى المختلفة بأخطاءها (لا أحد هنا يعترف باي أخطاء) وتحدد أولويات المرحلة القادمة مع إعطاء أولوية لملف مياه النيل وإنقاذ الاقتصاد.
وإذا كان هناك لجنة للحقيقة والعدالة ثم المصالحة الوطنية نحتاجها الآن فإن على النخب أن تفسح المجال لصوت أهالينا في المحافظات..فاحتكار نخبة القاهرة والطبقات الوسطى والعليا الحديث باسم مصر أهلكنا ..أو يوشك.
ستخرج مصر من هذه الحقبة..نأمل فقط أن يكون ذلك بأقل خسائر..فقد سمحت لي ظروفي بدراسة التجربة الألمانية في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين بشكل تفصيلي، والاطلاع على تجربة جنوب افريقيا بزيارتين لهذا البلد بعد سقوط نظام الفصل العنصري في التسعينات ..وقرأت الكثير من أدبيات الحرب اللبنانية…..ونعم ..كان هناك دوماً في التاريخ قطاع من الشعوب يقبل كما رأينا نمو فاشية عسكرية أو فاشية دينية أو حتى سياسات فصل عنصري ..حدث هذا وتكرر في تاريخ الإنسانية.. ولم يشعر هؤلاء الذين قبلوا ذلك بالعار إلا بعدها بسنوات طويلة.
نعم..حدث بالفعل.
نرجو أن يتعلم الناس من التاريخ ..ومن سنة الله في الذين خَلَوا من قبل.
كان ضمن آخر ما كتبته في جريدة الدستور ٢٠١٠ قبل ثورة ٢٥ يناير سلسلة مقالات تحت عنوان "عودة الجمهورية" تحدثت فيها عن رفض التوريث والاستبداد والقبضة البوليسية التي لا تحترم كرامة وحقوق المواطن ليس فقط لأنها ضد الديمقراطية بل لأنها تهدم قيم الجمهورية ، ولم تكن غايتنا من ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ فقط تأسيس ديمقراطية كنا نطالب بها لسنوات طويلة في الشارع مروراً بالدفاع عن القضاة ٢٠٠٦..بل حراسة وحماية "الجمهورية" .. بعد دعوة الفريق السيسي على الجميع أن يعرف حساسية وخطورة ما نحن بصدده ..وخيارات الناس في النهاية أماناتهم في الدنيا والآخرة — وأخشى أن مخاطبة الفريق السيسي مباشرة للشعب بالنزول لتفويضه في مكافحة العنف والإرهاب ينقل مصر اليوم من طريق الجمهورية إلى مسار "الجماهيرية"..وعلى المصريين أن يفكروا جيداً في عواقب ذلك على كرامتهم وحريتهم ..وأمنهم.
والله أعلم..
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين
رب اجعل هذا البلد آمناً
..
هبة رءوف عزت
مواطنة مصرية