من السهل أن تتلفظ بما تريد من كلمات وأنت تجلس مع أصدقائك فى مجلس خاص، ورغم هذه الخصوصية فمع درجة احترامك لمن تجلس معهم سيكون انتقاؤك لمفرداتك وكلماتك حتى لا تضايق أحداً، أما إذا كنت شخصية عامة أو فى موقع مسؤولية فعليك مهمة صعبة تتمثل فى انتقاء أفضل المفردات والمعانى التى تخاطب بها الجمهور، أما إذا كنت مسؤولاً عن شعب وممثلًا لدولة عظيمة بحجم مصر، فعليك أن تمارس أعلى درجات الانضباط اللفظى وأنت تتحدث مع شعبك أو تتحدث فى محفل إقليمى أو دولى تجلس فيه ممثلاً لاسم مصر.
سك الرئيس مرسى مفردات لفظية وعبارات صادمة غير مسبوقة فى تاريخ رؤساء مصر، مثل «الحارة المزنوقة»، «الأصابع التى تلعب فى مصر»، «القرداتى لما القرد يموت يشتغل إيه» و«جراب الحاوى مليان مرة يطلع حمامة ومرة يطلع تعبان». وكلمات أخرى انفرد بها الرئيس الذى لم يفرق بين هيبة المقام الرئاسى وجلاله وبين محاولته التبسط مع من يتحدث معهم، لكن هذا التبسط وصل لدرجة مذهلة من التردى اللفظى الذى لا يليق برئيس مصر ولا بمقام الرئاسة.
إن محاولة التبسط والتقرب من الناس خصلة حميدة، لكن حين لا تحسن صناعتها فأنت تخسر هؤلاء الناس وتفقد تأثيرك عليهم وتتلاشى هيبتك بعد قليل، ولا علاقة لهذا من قريب أو بعيد بمسألة التواضع وخفض الجناح، بل هو تحول الشىء إلى نقيضه.
ليس كل ارتجال أمراً محموداً، خاصة حين يختلط عليك الحدث، فلا تستطيع أن تفرق بين المحفل العام والمحفل الخاص، وبين كونك تتحدث مع أصدقائك المقربين ورفاق طفولتك، وبين كونك قائداً ورئيساً لدولة ينبغى أن يدقق فيما يقول.
مسلسل الضعف الذى يعانى منه المطبخ السياسى للرئيس مستمر، وخطابات الرئيس دليل قاطع على هذا الفشل، فلو كانت هناك متابعة وتقييم مستمر ما تكررت هذه الأخطاء وما استفحلت لهذه الدرجة المزعجة.
لا نولد ونحن نتقن بروتوكولات الرؤساء والملوك، لكن نستطيع أن نتعلم كل يوم مقتضيات المكان الذى أصبحنا موجودين فيه، وليس هذا تألهاً على الناس أو تكبراً، بل احترام لهذا المقام الذى ينعكس على الصورة العامة للدولة فى الداخل والخارج.
الشخص الماهر هو الذى يستطيع التعلم بسرعة واكتساب مهارات جديدة، والتعامل مع متطلبات المرحلة بما تقتضيه، والأمانة تحتم على من حوله من المخلصين التنبيه عليه بمواضع الخلل لتجنبها. بعض من سيرفضون هذا الكلام ويعتبرونه هجوماً على الرئيس يجب أن يدركوا أن ما نتحدث عنه لا يخص شخص الرئيس، بل هو حق لكل المصريين أن يروا من يتحدث باسمهم لا يضيع مقام وهيبة هذا المنصب عبر خطابات بمفردات غير لائقة ويبقى الجمال جمالاً والقبح قبحاً.