من الطبيعي أن اتعرض لهذا السؤال بإستمرار منذ عدتُ من سوريا فالناس تريد أن تتعرف على الواقع بشكلٍ أكثر دقة وعن الأمور التي تجري هناك حقيقةً.
كانت الأيام الأولى هناك عصيبةً علينا فأنت تتخيل الموت في كل لحظة ولا تدري من أين يأتيك حتى تعرفت على الناس وتعلمت منهم كيف أعيش أو اتعايش مع هكذا واقع لا شك أنني تعلمت من أطفال سوريا الكثير.
أبو محمود لم يكن يعجبه الواقع لكنه صابر وقال لي لولا فضل الله أولاً ولطفه وبعض الناس الخيرين لا الحكومات لكان وضعنا أسوء من ذلك بمراحل، أنهم يكذبون علينا كما يتنفسون ولا مبادرة تمسُ الواقع هنا.
استوقفني شخصٌ آخر قال أنه من الجزيرة العربية لا من "السعودية" فهو يكفر بهذا الوصف وكان لديه فكر بعيد عن وسطية الإسلام حاولت ان استوضح منه لكنه كان متحفظاً بشكلٍ كبير وأغرب ما سمعت منه أنه يرى تونس من ضمن البلاد التي يجب أن يجاهد فيها بحد السيف.
بغض النظر فهذا وأمثاله هناك بضع عشراتٍ أو مئات ولا أحد يمكنه إنكار وجودهم ولكن الخوف الحقيقي أن تقاعص أهل الفكر المعتدل عن أداء دورهم هناك أن يتمدد فكر هذا الشخص في تلك البيئة التي تم محاربة الإسلام فيها لعقودٍ طويلة.
أمامي تغير فكر شاب 3 أو 4 مرات في فترة وجودي هناك أحياناً يميل إلى التطرف وأحياناً إلى الإعتدال ومرةً إلى الإنعزال، وفصيل مسلح كبير اسمه أحرار الشام بأكمله لم يكن يؤمن بالإنتخابات أصبح الآن مؤمناً بها كأسلوب للتغيير والحكم بعد الثورة، أنت تتحدث عن واقع غير مستقر ومن الطبيعي أن تجد فيه هذه المتنقدات وحتى نجدها في مجتمعات أوضاعاها مستقرة ولكن التضخيم الإعلامي هنا مقصود وأطرافٌ كثيرة لا تريد لسوريا الخير.
حدث أن قام خطيب ليخطب بالناس وينهاهم ويأمرهم ويكفر هذا ويدخلُ ذاك الجنة حتى أكتشف الناس بعد رحيله أنه عنصر في جهاز إستخباري "ما"، يسهلُ هناك أن تطلق لحيتك وتدعي أنك اعلم الناس بالحلال والحرام، وهذا بسبب تقصير الثقات لا براعة الدخلاء.
ذُبح شخص ونحن هناك بالطريقة التي تستخدمها مجمعة بعينهاً أو بعض أفرادها أحياناً والمذبوح شقيق قائد في الجيش الحر والمتهم حسب طريقة الذبح هن من يُشتهر عنهم ذلك حتى تبين في النهاية أن من قام بهذه الخطوة عميلٌ للنظام تم القبض عليه.
محاولات الوقيعة بين الثوار لا تكاد تتوقف أو تنتهي وواجب الثوار أن يسعوا في المقابل إلى أن يرصوا صفوفهم وأذكرهم بقوله تعالى : "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين".
الكثير من الناس تعلقت في أذهانهم أفكار غريبة حول الثورة السورية ومعظمها مرتبط بأشخاص أو اطراف زعمت أنها مع الشعب السوري ومع ثورته وحقوقه والواقع بعيدٌ عن ذلك.
اسأل هؤلاء هل يتحمل أطفال درعا المدينة التي كانت معقلاً لحزب البعث الحاكم نوايا هذا الشخص أو ذاك في حين أنهم تعرضوا لظلمٍ لم يسبق له مثيل ما ذنب الرضع من "المؤامرات الكونية" ما ذنب الشيوخ والنساء ما ذنبهم تيتموا وترملوا وتشردوا إنها نكبة حقيقية تشبه كثيراً ما حصل لأجدادي في فلسطين، لقد انتفض الشعب السوري ضد الظلم لا ضد تاريخ أو شعارات جوفاء ضد سنواتٍ وسنوات من القهر والضيم ممتدة حتى حماة.
يأتي آخر ويقول لي ألم يكن بشار ونظامه داعمين للمقاومة الفلسطينية وأفضل من غيره في هذا الجانب وقدموا الكثير من أجل الشعب الفلسطيني, أقول والله لو كان بشار أو أي شخصٍ من زمرته من سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وقام ما قام به من إجرام وظلم لوقفنا له وردعناه عن ذلك مثلنا في ذلك حبيبنا المصطفى حين قال "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" فعن أي تاريخ تحدثني يا هذا كان ذلك أم لم يكن فالواقع مليءٌ بالدماء التي سفكها على غير وجه حق، هل يهدد حمزة الخطيب أو تهدد ريان وغيرهم مشروع الممانعة أي حصانة تتطلبها أتشتري التاريخ بالواقع إنك ثملٌ بالتجارة حد الخيانة.
"أصدقاء سوريا" أو أعدائها على حدٍ سواء لا يريدون في هذه المرحلة "على الأقل" غالباً أو مغلوب لأن سوريا القادمة المتحررة من التبعية كما "المارد" الذي أنطلق من قمقمه ولا يعلم احدٌ إلى أين يصل.
تاريخ الكثير من الحضارات بدأ أو انتهى من منطقة شرق البحر المتوسط هذه المنطقة الحساسة التي ينظر إليها "الغرب" بخطورة وخوف وهي المنطقة التي تربط الشام بالهلال الخصيب وبأرض أحفاد عثمان المنطقة التي ربما إن لم يحكموا السيطرة عليها فستصدر لهم الخطر، المنطقة ستنتهي فيها المحاور العقيمة، وربما تغير وجه العالم، ربما ينهضُ منها شيء ربما تعود من خلالها أمة.
نعم هي الشام وهي دمشق بوابة القدس على مر العصور.