"المساعدات الخارجية ليست خيرية … إنها إستثمار من أجل أمريكا أقوى … " جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أثناء خطابه في جامعة فرجينيا 20-2-2013
بعض الأخبار الصغيرة تكشف الكثير حول ما يحدث كثقب في جدار أسود يخفي وراءه عالما كاملا , منها ما أوردته تقارير أمريكية الأسبوع الماضي حول تحذير الولايات المتحدة الامريكية لأردوغان من التوسع في حملة التطهير التي يقوم بها في الجيش . حيث أن " التوسع في الإعتقالات عن الحد الذي تم الإتفاق عليه يضر بالعلاقات التركية الأمريكية و المصالح المشتركة للبلدين . هل تخشى الولايات المتحدة على رجالها في الجيش التركي ؟ هل يعني هذا أن الجيش التركي ليس مؤسسة وطنية خالصة ؟ ما الذي يجعل الولايات المتحدة تتدخل على هذا النحو الفج في الشئون التركية ؟ هل يعتبر النفوذ الأمريكي في الجيش التركي أمرا شديد الحيوية بحيث تخاطر أمريكا بعلاقاتها السياسية مع الحكومة التركية من اجل إنقاذه ؟ لنربط الأمور بعضها ببعض … الإعتقالات تتم في الجيش التركي على خلفية محاولات إنقلاب على الحكومة المنتخبة سابقة و حالية , و في نفس الوقت أقلقت هذه الإعتقالات الولايات المتحدة باعتبار انها تخل باستقرار تركيا .حيث أكدت المصادر أن فحوى رسالة أمريكا الموجهة إلى أردوغان هى "تصفية الجيش بإطار محدود النطاق، ولكن إيصالكم عملية الاعتقالات بصفوف الجيش إلى أبعاد خطيرة، لذا من الضرورة تعديل الوضع لأن استقرار تركيا ودورها وتأثيرها بالمنطقة ضروري من أجل مصلحتنا المشتركة " فالإستقرار في تركيا يعني من وجهة النظر الأمريكية أن يتساوى – أو يتفوق – النفوذ الأمريكي في الجيش مع نفوذ الحكومة المنتخبة الممثلة للإرادة الشعبية . و إذا كانت الإعتقالات في الجيش التركي ستطيح بكل رجال أمريكا أو تجعل عدد الضباط الوطنيين أكثر من عدد ضباط أمريكا فإن هذا يضرب الإستقرار في تركيا و يضر بالعلاقات التركية الأمريكية !! . و بالتالي يجب تعديل الوضع بحيث يعود النفوذ التركي في الجيش التركي مساويا للنفوذ الأمريكي !! لماذا ؟ لأن تاريخ العلاقات الأمريكية التركية يخبر بأن الولايات المتحدة شريك أساسي في صناعة الجيش التركي الحديث و بالتالي يجب أن يكون كل إجراء بخصوص الجيش التركي في إطار متفق عليه مع الولايات المتحدة لأنها أعطت لنفسها حق الشراكة في ملكيته و أعطت له واجب الشراكة في حفظ مصالحها … و كيف يكون ذلك ؟ إنه بالإنقلابات على الحكومات التي تحاول إجتياز حدودها . ترى هل تكررت القصة في بقعة أخرى على ظهر الأرض ؟؟ ..
و لأن القصة قدرها أن تكتمل فقد تزامن تسريب رسالة التحذير الأمريكية لأردوغان مع خطاب لرأس الدبلوماسية الأمريكية في جامعة فيرجينيا تحدث فيه باستفاضة عن المعونات الأمريكية للدول الصديقة و أهميتها للمصالح الأمريكية العليا . كان الرجل يخاطب الداخل الأمريكي و أراد إقناع مواطنيه بضرورة إقتطاع جزء مما يدفعونه كضرائب في ظل الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها الأمريكيون من لتكون معونات إقتصادية و عسكرية لدول تحتاجها . و قد كانت هذه فرصة رائعة لنعرف كيف يفكر الأمريكيون في ما يدفعونه لنا بخصوص ما يجنون من أرباح من خلاله . و بعد الإستماع لهذا الخطاب يجب توجيه السؤال التالي للمؤسسة العسكرية … كيف أصبحت الولايات المتحدة أكثر قوة من خلال إستثمارها في الجيش المصري ب" المساعدات " العسكرية منذ توقيع إتفاقية كامب ديفيد ؟ .
على القوات المسلحة التي أصبح الذود عن شرفها و الدفاع عنها و عن قادتها السابقين و الحاليين , المخطيء منهم و المصيب أسرع ما يتم في مصر ما بعد الثورة أن تجيب على هذا السؤال الجوهري في ظل إعتراف وزير الخارجية الامريكي . ما الدور الذي لعبه الجيش المصري قبل الثورة و بعدها في مقابل المعونات التي اخبرنا جون كيري أنها ليست خيرية ؟ الحقيقة أننا ننتظر التعرف على تفاصيل النسخة المصرية من القصة التركية آنفة الذكر ! . إن الإطمئنان الأمريكي الذي يترجم نفسه في صورة عدم التدخل في الشئون المصرية إنما هو ثقة في " إستقرار " الأوضاع في الجيش المصري … ذلك النوع من الإستقرار الذي تفتقده حاليا في الجيش التركي !. و التهديد في تصريحات اخيرة من قيادات الجيش بالتدخل في حالة سقوط الدولة يأتي في سياق الدور المستثمر فيه و إلا فإن حفظ كيان الدولة هو مهمة الشعب المصري و كياناته السياسية المعبرة عن إرادته و ليس العسكر حماة الحدود … فقط . الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أننا لم نصل بعد إلى الإستقلال الوطني التام فالخارج مازال له أذرع في أوطاننا و لن تحقق الثورة كامل أهدافها إلى عندما تصلنا رسالة التحذير … الأمريكية .".