قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته اليوم إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتعمد حرمان المدنيين الفلسطينيين في غزة من المياه الكافية منذ أكتوبر 2023، ما أدى إلى وفاة الآلاف وبالتالي ارتكبت الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، كما ارتكبت أفعال الإبادة الجماعية.
وفي تقريرها “الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية: تعمُّدُ إسرائيل حرمان الفلسطينيين في غزة من المياه”، وجدت هيومن رايتس ووتش أن سلطات الاحتلال حرمت الفلسطينيين في غزة عمدا من المياه الآمنة للشرب والصرف الصحي اللازمة للحد الأدنى من بقاء الإنسان على قيد الحياة.
فقد أوقفت قوات الاحتلال ضخ المياه إلى غزة ثم قيّدت ذلك لاحقا؛ وعطّلت معظم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة بقطع الكهرباء وتقييد الوقود؛ وتعمّدت تدمير البنية التحتية للمياه، والصرف الصحي، ومواد معالجة المياه وإصابتها بأضرار؛ ومنعت دخول إمدادات المياه الأساسية.
قالت تيرانا حسن، المديرة التنفيذية لـ هيومن رايتس ووتش: “هذا ليس مجرد إهمال؛ إنها سياسة حرمان مدروسة أدت إلى وفاة الآلاف جرّاء الجفاف والمرض، وهو ما لا يقل عن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة وأحد أفعال الإبادة الجماعية”.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 66 فلسطينيا من قطاع غزة، و4 موظفين في “مصلحة مياه بلديات الساحل” في القطاع، و31 موظفا طبيا، و15 شخصا يعملون مع وكالات “الأمم المتحدة” ومنظمات الإغاثة الدولية في غزة. كما حللت هيومن رايتس ووتش صورا من الأقمار الصناعية وصورا فوتوغرافية وفيديوهات ملتقطة بين بداية الأعمال العدائية في أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، وبيانات جمعها أطباء، وعلماء أوبئة، ومنظمات إغاثية، وخبراء في المياه والصرف الصحي.
وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن سلطات الاحتلال خلقت عمدا ظروفا معيشية مصممة لإلحاق التدمير المادي بالفلسطينيين في غزة كليا أو جزئيا. ما يعني أن الاحتلال ارتكب جريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، والتي ما تزال مستمرة.
كما ترقى هذه السياسة إلى أحد “أفعال الإبادة الجماعية” الخمسة بموجب “اتفاقية الإبادة الجماعية” لعام 1948. ومن الممكن أيضا استنتاج وجود قصد للإبادة الجماعية من هذه السياسة، إلى جانب التصريحات التي تشير إلى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين رغبوا في تدمير الفلسطينيين في غزة، وبالتالي فإن هذه السياسة قد ترقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية.
قطع الاحتلال الإسرائيلي كل الكهرباء والوقود عن قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، وفي 9 أكتوبر، أعلن وزير جيش الاحتلال آنذاك يوآف غالانت “حصارا كاملا” لغزة، قائلا: “لن تكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا مياه، ولا وقود، كل شيء مغلق”. وفي اليوم نفسه، ولعدة أسابيع بعد ذلك، قطعت كل المياه ومنعت دخول الوقود، والغذاء، والمساعدات الإنسانية إلى القطاع.
واستمر ذلك حتى بعد أن أقرّت “محكمة العدل الدولية” تدابير مؤقتة في يناير ومارس ومايو 2024 تأمر فيها الاحتلال بحماية الفلسطينيين من الإبادة الجماعية وتوفير المساعدات الإنسانية ضمن هذه الحماية، وحددت في مارس أن ذلك يشمل المياه، والغذاء، والكهرباء، والوقود.
كما منع الاحتلال أيضا دخول جميع المساعدات المتعلقة بالمياه تقريبا إلى غزة، بما فيها أنظمة تنقية المياه، وخزانات المياه، والمواد اللازمة لإصلاح البنية التحتية للمياه.
تعمدت قوات الاحتلال مهاجمة العديد من المرافق الرئيسية للمياه، والصرف الصحي، والنظافة الصحية وإلحاق الضرر بها أو تدميرها. في حالات عدة، وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة على أن القوات البرية لجيش الاحتلال كانت تسيطر على المناطق في ذلك الوقت، ما يشير إلى أن التدمير كان متعمدا.
تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، بما فيه تتبُّع الرعاية الصحية، يعني أن الحالات المؤكدة للأمراض، والعلل، والوفيات التي يحتمل ارتباطها بالأمراض المنقولة بالمياه، والجفاف، والجوع لا يتم تتبّعها أو الإبلاغ عنها منهجيا.
وبناء على مقابلات مع مختصين بالرعاية الصحية وعلماء الأوبئة، فمن المرجح أن يكون آلاف الناس قد توفوا نتيجة أفعال الاحتلال الإسرائيلي. إضافة إلى أكثر من 44 ألف شخص قتلوا مباشرةً في الأعمال العدائية، كما سجلت وزارة الصحة في غزة.
كما أصيب مئات الآلاف بأمراض وحالات صحية من المرجح أن يكون الحرمان من المياه الآمنة والكافية تسبب أو ساهم فيها، منها الإسهال، والتهاب الكبد الوبائي أ، والأمراض الجلدية، والتهابات الجهاز التنفسي العلوي. الحرمان من المياه ضار بشكل خاص بالرُضَّع، والنساء الحوامل والمرضعات، والأشخاص ذوي الإعاقة.
جريمة الإبادة الجماعية تتطلب ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية بقصد الإبادة الجماعية. وحسب محكمة العدل الدولية، فإنه لاستنتاج هذا القصد في نمط سلوك الدولة، يجب أن يكون هذا القصد “الاستنتاج المعقول الوحيد الذي يمكن استخلاصه” من الأفعال المعنية. نتائج هيومن رايتس ووتش، والتصريحات الصادرة عن المسؤولين في الاحتلال التي تشير إلى أنهم كانوا يرغبون في تدمير الفلسطينيين في غزة، قد تشير إلى مثل هذا القصد.
كما وجدت هيومن رايتس ووتش أن بعض التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في الاحتلال الإسرائيلي الذين دعوا إلى قطع المياه والوقود والمساعدات، بالتزامن مع أفعالهم، ترقى إلى تحريض مباشر وعلني على الإبادة الجماعية.
يشكل الحصار المستمر الذي تفرضه حكومة الاحتلال على غزة، كما الإغلاق الذي تفرضه منذ أكثر من 17 عاما، يرقى أيضا إلى عقاب جماعي للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب. يشكّل الإغلاق أيضا جزءا من الجريمتين المستمرتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد اللتين ترتكبهما السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
قوّضت العديد من الحكومات جهود المساءلة واستمرت بتزويد حكومة الاحتلال بالأسلحة رغم الخطر الواضح المتمثل في التواطؤ في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي.