إذا كنت لاتزال في حالة من الـ"توهان" بعد مرور عامين علي الثورة في مراقبة القوي السياسية، فأنا توقفت عن تصنيف الساسة المصريين بالتصنيفات الـ"طبيعية" كاليمينيين أو اليساريين أو المتطرفين من الإتجاهين، لماذا؟ لأنهم في الحقيقة عبارة عن قطع شطرنج …
إذا وصفنا القوي السياسية في مصر برقعة الشطرنج ذات المربعات البيضاء و السوداء، ستجد أنه عند وصفك المبدئي لأي فصيل سياسي سيكون أسهل مما يكون، فالوضع هو فقط مع أو ضد الإخوان أو تيار الأغلبية الذي يشوبه حزب النور السلفي و هذه هي ألوان الرقعة أبيض أو أسود وهنا أنا لا اخصص لون لأحدٍ فيهم حسب خيالك أياً كان إنطباعك الداخلي للون، و هناك قطع الشطرنج نفسها و هي كالتالي:
– الملك: هو الشعب
حتي لا تبدأ إنتقادك هنا، الشعب المصري ثار كله علي النظام السابق و سقط في ١٨ يوم و تحليلي هذا يبدء فعلياً بعد تلك الثمانية عشر يوماً من الجنة حين أكلنا من الشجرة و نزلنا لأرض الواقع و أصبح الشعب محدود التحرك نعم يتظاهر و يتحرك لكن في حدود خطوة واحدة منتظر دعماً سياسياً من قوي -أو قطع صديقة- أخري لإنجاز إرادته.
الطابية: الجيش
عندما قام الجيش بحماية الشعب -أو هكذا ظننا- فقد قام بذلك بأسلوب "التحصين" أو ما يعرف باسم Castling و هي مناورة تقوم بها الطابية إذا كانت في مكنها الأولي -أو أن مؤسسة الجيش لم تلوث كلياً كغيرها و الشعب لازال يقدرها- … أقصد الملك في مكانه الأولي، في الوقت الذي تم فيه التحصين قامت الطابية بالتضحية بالوزير -مبارك- في سبيل الإبقاء علي الملك.
الوزير: السلطة الحاكمة أو رأس النظام
عندما قامت الطابية بالتضحية بالوزير بسبب الخطر المحدق بالشعب ظلت محلها لم تقم بأي حركة للأمام لفك الحصار، ظل الوضع ملتبس قرب الملك، ولكن نسيتم أن هناك طابية أخري تصول و تجوي في خلفية المشهد، حاولت بعض الشئ تأمين وصول قطعة معينة للترقية للوزير، لكن الصراع كان أقوي من كسبه بطابية واحدة.
كسب سباق الوزير الإخوان و أو ما قام به الوزير هو أكل الطابية الحرة في خلف المشهد و بينما هو يفعل ذلك وجد نفسه في عجز عن القيام بأي حرة حيث تراصت الأفيال و العساكر حوله فشلت حركته و لم يعد في قدرة علي العودة لجانب الملك لمؤازرته.
الفيل: الإخوان و السلفيين و النخبة السياسية علي رأسهم جبهة الإنقاذ
قد تقول أني هنا غير منصف لكن لا احد منا حقيقة منصف و هذا ما اعتبره، كل القوي السياسية محدودة التفكير داخل حيز واحد تمشي علي لون واحد كما لو كان قضبان اللون الآخر تدلها علي سلك طريق واحد أو عكسه في الإتجاه الآخر، نفس التطبيق الفيل يولد الفيل أبيض أو أسود و يظل كذلك حتي نهاية اللعبة. هذه القوي السياسية لا تري بأعين من يحرك القطع لكنها -بطبيعتها- محدودة التفكير فما هو أمامها من علي الرقعة فالفيل ليس كالحصان ليقفز من أمام العوائق.
الحصان: أحزاب الكتلة الوسطية من وسط و مصر القوية و التيار المصري و غد الثورة -مع إنه ليبرالي- …
إذا كنت من محبي الشطرنج يجب أن تعلم أن الحصان هو حل العقد فهو لا يرتبط بلون الرقعة، لا يسعي لأن يصل لنهاية الرقعة في حركتين كقدرة الفيل -إذا ما اتيح له- و الذي قد يموت ليصبح وزيراً أحياناً، كما أن حركته دائما ما تكون عجيبة و قادرة علي التخطي بالنسبة لفيل مغلق الفكر -أياً كان الفكر بلون أرضيته-، دائماً ما يوصم الحصان بالميوعة و العمالة و قلة الحيلة لكن لا يعلم الكثيرين أنه الوحيد القادر علي "إفتكاس" حل المشاكل و إظهار الحلول الوسطي.
العساكر: أفراد سياسيين ذو فكر مستقل
قد تكون تلك هي أكثر القطع إنتشاراً في الأصل لكن لم تعد كذلك، فالعسكري قد يقف علي مربع ابيض أو ينتقل لأسود أو يظل محله، فكل العساكر الصغيرة تجد عساكر صغيرة في وجهها تسد طريقهم و ينتابهم حالة من الرضي بالبقاء علي نفس الوضع في ظل البقاء علي شكل أسهم أو رقم ٨ داعمة لأنهم إذا ما سقط واحد منهم من عسكري آخر ضده سنجد العساكر تنهش في بعضها بعضاً. قد تجد منهم من يهرب بسرعة، و يترقي ليس لوزيراً، و لكن لفيل أو حصان فإما فيل و يبقي في معسكر لون واحد أو يصبح عسكري كبير -أي حصان- فهو يملك مساحة أوسع لتمثيل خطواته و بـ"إفتكاسية" أكبر أو وقع سياسي أكبر مع الحفاظ ببعض من تنوع قدرته علي تغيير لون أرضه.
قد لا تعجب بالنظرية لأن الشطرنج يعتمد علي وجود جيش أبيض و جيش أسود، و أنا لم أحدد من هنا أو من هنا. الحقيقة أن القطع تختار لونها بنفسها و هي علي الأغلب لا تغيره لكن الأزمة تكمن في أنه لا يوجد جيش ضد جيش هنا كله واحد، و لكل قطع حركة و دور يأتي فتتحرك للتحرر أو للضغط أو للمغالبة… أو فقط للتعنت.
و الحل الحصـــــان.