نشرت مجلة بوليتيكو الأميركية تقريرا أكد أن مصر كانت تأمل من تنظيم مؤتمر المناخ كوب 27 على أراضيها إلى جذب الاستثمارات وإدارة حملة علاقات عامة ناجحة لتحسين صورة مصر خارجيّا؛ غير أن ذلك يتحول بسرعة إلى كابوس مزعج للسلطات المصرية مع حجم الإخفاقات والمشاكل التي تحيط بالمؤتمر.
وقالت في التقرير: “إنه كان من المفترض أن تعرض استضافة المؤتمر مصر كبطل طموح للطاقة المتجددة ووجهة سياحية وفاعل دولي موثوق به، كما كان من المفترض أن تدفع المحادثات نفسها – التي عقدت في منتجع على شاطئ البحر – الاستجابة العالمية لتغير المناخ”.
وتبين الصحيفة أنه بدلا من ذلك، كان كبار المسؤولين من أوروبا وأماكن أخرى يحققون في تقارير تفيد بأن مندوبي الشباب قد تركوا بدون أسرِّة، وتعرضوا للابتزاز، وأُجبروا على النوم في غرف بدون أقفال، واستيقظوا في الليل بسبب مطالب تعسفية للحصول على وثائق؛ وهذا كله، رغم أنهم جزء من برنامج ترعاه وزارة الشباب والرياضة المصرية.
وأوضحت الصحيفة أن وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على الوضع؛ فقد وصل حوالي 80 مندوبا شابّا دفعوا حوالي 700 دولار لكل منهم، مقابل إقامتهم في فندقهم في وقت متأخر من يوم السبت، ليجدوا إما أنه ليس لديهم غرف، أو طُلب منهم دفع رسوم إضافية تتراوح بين 300 و600 دولار في الليلة، وبعد مفاوضات استمرت ساعات، اضطر البعض إلى العثور على سكن جديد في الساعات الأولى من الصباح.
أما أولئك الذين دخلوا غرفهم أخيرا – في بعض الحالات بعد الموافقة على الرسوم الإضافية -، فقد وجدوها قذرة وبها أربعة أسرة فقط لستة أو سبعة أشخاص، وأُجبر العديد منهم على النوم في غرف بلا أقفال، وأيقظهم رجال يدخلون ويطالبون بجوازات سفرهم.
ولفتت الصحيفة إلى أن منظمي المؤتمر من المصريين، يتعرضون الآن لضغوط دبلوماسية شديدة بسبب الوضع، وذلك بعد أن اضطر المفاوضون الرئيسيون إلى مغادرة المحادثات لضمان سلامة مندوبيهم الشباب، فيما أعرب الاتحاد الأوروبي ووفود أخرى عن مخاوفهم خلال حديثهم مع الحكومة المصرية، وذلك وفق ما قاله جاكوب ويركسمان، كبير مستشاري سياسة المناخ الدوليين في الاتحاد الأوروبي.
وفي سياق آخر؛ أفادت الصحيفة أن جلسات المؤتمر تعرضت لانتقادات بسبب إمدادات الغذاء والماء فيها؛ حيث أشار بعض المندوبين إلى أن المحادثات بدت وكأنها محاكاة للحرمان على غرار “ألعاب الجوع” التي يهدد بها تغير المناخ الملايين من الناس. وهو ما دفع المنظمين – يوم الخميس – إلى خفض أسعار المواد الغذائية إلى النصف، وجعل المشروبات مجانية، ما يعني أن المندوبين لم يعودوا بحاجة لدفع ثمن زجاجات كوكا كولا؛ الراعي الرسمي للمؤتمر، التي هي في الوقت نفسه أكبر ملوث للبلاستيك على وجه الأرض.
وتشير الصحيفة إلى أنه كان هناك قدر من التعاطف بين المندوبين لجهود مصر لاستضافة المؤتمر، رغم أنها تمر بأزمة غذائية واقتصادية كبيرة؛ حيث إن أغنى الدول تكافح تحت ضغط استضافة الأحداث الدبلوماسية الكبرى التي قد تنطوي على 30,000 أو أكثر من المندوبين ينزلون إلى المدينة المضيفة، فيما يبلغ عدد الحاضرين في مؤتمر المناخ “كوب 27” 46,028، وذلك مقارنة بقمة العام الماضي التي استضافتها المملكة المتحدة، والتي وصفها مسؤول في الأمم المتحدة بأنها أسطورية بسبب “السندويشات الحزينة وطوابير الانتظار الطويلة”، فيما قال أبو المجد: “أعتقد أن الناس يرون أننا وضعنا أفضل ما في وسعنا كدولة نامية، لإعداد مكان لجمع الناس معا لتحقيق النجاح”.
وتستدرك الصحيفة قائلة؛ إن هذا التعاطف يختفي إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بسجل الحكومة المصرية في مجال حقوق الإنسان، فقد وصفت جماعات حقوقية متعددة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – وهو جنرال عسكري سابق -، بأنه حاكم استبدادي حبس المنتقدين وختم الاحتجاجات، وقالت أغني أوشيس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “نحن نحضر مؤتمر الأطراف في خضم أزمة المناخ، وفي خضم أزمة حقوق الإنسان”، مضيفة: “هذا ليس مجرد احتجاز غير قانوني لواحد أو اثنين، بل إن هناك الآلاف من الاعتقالات غير القانونية؛ هذا هو أكبر سجن على هذا الكوكب في الوقت الحالي للمعارضة السياسية”.
وتحدثت الصحيفة مع محللين قالوا؛ إن تطبيق الهاتف الذكي “كوب 27” الرسمي، الذي شجعت الحكومة المصرية المندوبين على تنزيله؛ هو “سلاح إلكتروني” يمكن أن يسمح للسلطات بالاستماع إلى المحادثات الخاصة، والوصول إلى النصوص المشفرة ورسائل البريد الإلكتروني، وهو ما نفاه وائل أبو المجد، الممثل الخاص لمصر لدى رئيس مؤتمر المناخ “كوب 27″، مصرّا على أن ذلك “مستحيل تقنيا”؛ بسبب التدقيق الذي تضعه متاجر تطبيقات غوغل وآبل على المنتجات.
وذكرت الصحيفة أن انتقاد حملة الحكومة المصرية على المعارضة السياسية يركز على معاملة الناشط المسجون علاء عبد الفتاح، الذي صعَّد إضرابه عن الطعام المستمر منذ أشهر، ليتزامن مع اليوم الأول من القمة؛ حيث كانت القضية محط تركيز معظم التغطية الإعلامية العالمية لمؤتمر المناخ “كوب 27″، لاسيما في المملكة المتحدة؛ التي يحمل علاء عبد الفتاح جنسيتها بجوار الجنسية المصرية؛ وقد دعا رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأولاف شولز الألماني، علاء عبد الفتاح لحضور اجتماعات مؤتمر الأطراف 27 مع السيسي.
وردّا على سؤال حول القضية؛ قال أبو المجد: “لقد تحدثنا مباشرة مع المملكة المتحدة وقدمنا شرحا كاملا للعديد من الادعاءات التي تم الإدلاء بها”، وأشار إلى أن شقيقة عبد الفتاح، سناء سيف، قد سافرت إلى القمة وأقامت مناسبات عامة للدفاع عن شقيقها؛ حيث اعتبر أبو المجد أن حضور سناء سيف كان “جزءا من حرية التعبير”، مضيفا: “لكن في الوقت نفسه، رغم أنها قضية مهمة، لكننا لا نريد أن نفقد التركيز على كارثة المناخ التي تقتل الناس في جميع أنحاء العالم”، وأشار إلى القرار التاريخي الذي اتخذ يوم الأحد لإجراء محادثات حول تمويل التعافي من الكوارث المناخية، باعتباره نتيجة كبيرة للمؤتمر.
وردّا على سؤال من بوليتيكو عما إذا كانت القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان تركت الحكومة قلقة حول صورة مصر أمام العالم، قال أبو المجد: “حتى الآن، أعتقد أن سجلنا يسير على ما يرام”.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول؛ إن نشطاء حقوق الإنسان يجادلون بأن تغير المناخ والعدالة مرتبطان ارتباطا وثيقا، فقد قالت كالامارد إنه حتى لو لم يصدق المصريون ذلك حقّا، فعليهم على الأقل التظاهر بشكل أكثر إقناعا بأنهم يفعلون ذلك، وأضافت: “إذا لم يفعلوا ذلك بدافع الرحمة، فعليهم أن يفعلوا ذلك بدافع المصلحة الذاتية”، محذرة من أنه إذا مات علاء عبد الفتاح: “يمكنني أن أؤكد لكم أنه لن يتذكر أحد مؤتمر “كوب 27″ بأي طريقة تاريخية أخرى غير وفاة علاء”.