استبعدت إيكونوميست أن يؤدي الحوار الوطني الذي دعا إليه عبد الفتاح السيسي، المقرر أن يبدأ رسميا خلال شهر يوليو الجاري، إلى عكس اتجاه مصر نحو الاستبداد.
وأشارت إلى أن النظام المصري استبعد جماعة الإخوان المسلمين المحظورة التي أدارت الحكومة السابقة ولديها أكبر مجموعة من السجناء السياسيين، من المحادثات.
ولفتت إلى أن أحزاب المعارضة الأخرى تشارك في “الحوار الوطني” بهدف إخراج أعضائها من السجون، مشيرة إلى أن زعيم المعارضة اليساري المعتدل حمدين صباحي، ظهر على شاشة التلفزيون وهو يعانق السيسي بعد الإعلان عن الحوار، عقب يومين من إطلاق سراح رفيق مقرب له هو حسام مؤنس.
وأكدت أن السيسي، قام في البداية بقمع خصومه الإسلاميين حين تولى السلطة، وخاصة منهم حركة الإخوان المسلمين، لكن في السنوات الأخيرة، كان القمع موجها على نطاق أوسع إلى أي شخص ينتقد السياسة الاقتصادية للرئيس، أو يشكو من التحرش الجنسي، أو يسيء إلى الأعراف المحافظة.
وأضافت: “كل هؤلاء النقاد يخاطرون بالذهاب إلى السجن. المحاكمات العادلة نادرة”.
ونبهت إلى أن الأقل عرضة للمساءلة عن الانتهاكات في مصر هي الأجهزة الأمنية، مشيرة إلى أن الفترة الماضية شهدت تسريب مقطع مصور يظهر التعذيب في قسم شرطة القاهرة، وبدلاً من التحقيق مع الشرطة، فقد قدم المدعي العام الضحايا المزعومين إلى المحاكمة، متهما إياهم بتقويض الشرطة من خلال اختلاق قصة تعذيب.
وأكدت أن السلطات المصرية تتحكم في الخطاب العام بشكل أكثر صرامة من أي وقت مضى بعد وصول السيسي إلى السلطة، حيث اشترت أجهزة المخابرات العديد من القنوات التلفزيونية الرئيسية، ويقوم المسؤولون بإدخال نقاط الحوار في برامج الشؤون الجارية والموافقة على نصوص المسلسلات التلفزيونية.
وأشارت إلى أن من ينتقدون السيسي معظمهم يعيشون في الخارج، “لكن حتى هؤلاء لم يسلموا، حيث يتعرض أقارب المدافعين عن حقوق الإنسان لحظر السفر، وكثيرا ما يتم تجميد أصولهم”.
وتابعت: “من المستحيل حساب عدد الأشخاص وراء القضبان بسبب المعارضة غير العنيفة، لكن يجب أن يصل عددهم إلى عشرات الآلاف”.
وبينت أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم الدقة هو أن الكثير من نظام العدالة أصبح تحت سيطرة نيابة أمن الدولة العليا الغامضة في مصر، فقد ارتفع عدد القضايا التي يحضرها في عهد السيسي من 529 حالة جديدة في عام 2013 إلى 2800 حالة العام الماضي.
وعادة ما يتم اتهام المشتبه بهم بالانضمام إلى منظمة إرهابية أو نشر معلومات كاذبة. وفي كثير من الأحيان لا يتم إخبارهم بالجماعة المسلحة المتهمين بالانضمام إليها – “لأسباب تتعلق بالأمن القومي”.
وفي العام الذي تلا انقلاب السيسي، أحصت جماعات حقوق الإنسان التي يتزعمها السيسي حوالي 45 ألف معارض قدموا إلى المحكمة. تم تحميل حصيلة القضايا على وثيقة مفتوحة المصدر تمت مشاركتها على نطاق واسع تسمى Wiki Thawra (ثورة Wiki). لكن سرعان ما أصبح من الصعب تتبع الأرقام.
وبمجرد اتهام أحد الناقدين بأنه يستحق إسكاته بأنه إرهابي، فإنه يتم التعامل مع قضيته من قبل الأمن المصري، والذي غالبًا ما يمنع الوصول إلى محامي الدفاع ويبقي الأدلة وملفات القضية سرية – مرة أخرى، لأسباب تتعلق بالأمن القومي. عندئذ يصبح عد السجناء أو تعقبهم أكثر صعوبة، بل يستحيل في بعض الأحيان.
وصعوبة أخرى في جمع الأرقام هي أن قضية واحدة يمكن أن تشمل عددًا كبيرًا من المتهمين. ووجدت مجموعة حقوقية أنها فتحت 2800 قضية العام الماضي. وحتى 7 حزيران/ يونيو، تمت إحالة تسعة منهم فقط للمحاكمات، من بينهم 336 متهمًا.
وفي عام 2016، قدّرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي مجموعة حقوقية مصرية أُجبرت على الإغلاق هذا العام، أن عدد السجناء السياسيين قد ارتفع إلى 60 ألفًا.
ويحدد القانون المصري مهلة عامين قبل محاكمة المشتبه بهم أو الإفراج عنهم. لكن المدعين العامين يتغلبون على هذا ببساطة من خلال إعادة تكليف المشتبه بهم بقضايا جديدة، وهو جهاز شائع جدًا لدرجة أنه يُعرف باسم “التناوب”. وبالتالي، فإنه يمكن إعادة ضبط الساعة واحتجاز المشتبه بهم إلى أجل غير مسمى دون محاكمة، حتى لو كانت جريمتهم الأولية الوحيدة هي نشر ملاحظة مقلقة على الإنترنت.
ويقوم المحققون بانتظام بتعذيب المشتبه بهم بالصدمات الكهربائية أو تعليقهم من أطرافهم على أمل أن يعترفوا. وأصبح الحكم أشد. وأدانت المحاكم المصرية ما لا يقل عن 356 شخصا بالإعدام العام الماضي، وهو أعلى رقم في العالم بعد الصين وإيران.
وغالبًا ما يتعرض النزلاء للضرب والحرمان من الزيارات ومن الهواء النقي والرعاية الطبية العاجلة. ويمكن أن تكون زنزانات الحبس الانفرادي صغيرة للغاية بحيث لا يمكن الاستلقاء فيها.
وتوفي أكثر من 1000 شخص في الحجز منذ عام 2013، بما في ذلك الرئيس الذي أطاح به السيسي، محمد مرسي، أحد قيادات الإخوان المسلمين، إثر نوبة قلبية في المحكمة في عام 2019 بعد حرمانه من العلاج في السجن لارتفاع ضغط الدم والسكري.
وفي محاولة لتحسين الصورة المتلطخة، أعادت السلطات المصرية تسمية السجون هذا العام بـ”مراكز الإصلاح والتأهيل”، وتم تغيير تسمية حراس السجون إلى “المديرين”، وتم كذلك نقل بعض السجناء إلى مجمعين جديدين يفترض أن ظروفهما أفضل.