مع كل بزوغ لهلال شهر رمضان المبارك، يتبادل المسلمون التهاني، مستحضرين شعائره المرتبطة به دون سائر شهور العام، وفي صدارتها «صلاة التراويح» وما يقترن بها من تلاوة للقرآن الكريم، واجتماع للمسلمين -باختلاف طبقاتهم وأعمارهم- طوال ليالي الشهر المُعظم، في رحاب مساجد الله تعالى
أثار الحديث حول صلاة الترويح الجدل مؤخرا في مصر بعد تصريحات لعدد من الإعلاميين بأنها ليست سنة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي فيه يجتمع المسلمون عليها باختلاف طبقاتهم وأعمارهم عليها، حيث اختلف الفقهاء حول حكمها، ووصلت عقوبة مُصليها في عهد الفاطميين إلى الإعدام، ونتعرف على تاريخ صلاة التراويح وحكمها ونشأتها وأصل تسميتها.
أصل التراويح:
يرجع تاريخ نشأة «صلاة التراويح» في الإسلام إلى عهد الرسول ﷺ، وليس كما يتوهّم البعض أن من وضعها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل هو أول من جمع الناس عليها في المساجد بإمام واحد، حيث إنهم كانوا يصلونها في زمن النبي فرادًا
وجاء في فضلها العديد من الأحاديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. رَوَاهُ الشيخين.
عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى الثَّانِيَةَ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فَلَمْ يَمْنَعنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَان. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
«كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ أَوْزَاعًا، يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ الشَّيْءُ مِنْ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ مَعَهُ النَّفَر الْخَمْسَةُ أَوْ السَّبْعَةُ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، قَالَتْ: فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَفَعَلْتُ، فَخَرَجَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةَ، فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِهِمْ، وَذُكِرَتْ الْقِصَّةُ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا: أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عبدالْقَارِي قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ليلة فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ، يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
أنوار التراويح:
نشاهد زيادة الأنوار داخل المساجد وخارجها في شهر رمضان المبارك؛ ابتهاجًا بقدوم الشهر المُعظم، ويرجع الفضل في تلك الفكرة أيضًا إلى الصحابي الجليل عمر بن الخطاب، حيث إنه أول من فعل ذلك عندما جمع الناس على التراويح، وسُمِّيت بهذا الاسم؛ لاستراحة المصلين فيها بعد كل 4 ركعات
حكم التراويح:
استقر حكم صلاة التراويح الفقهي -عند علماء أهل السُنة- على أنها «سُنة لا فرض»، وساقوا جمعها في المساجد مثالًا نموذجيًا على «البدعة الحسنة»، وبرغم ذلك فإن هناك آراء أنكرت شرعيتها باعتبارها «بدعة عُمَرية»؛ كما ترى الشيعة، والمعتزلة يرون أنها «لا تجوز صلاتها».
منع الفاطميون صلاة التراويح في حُقب من تاريخ حكمهم الذي شمل مصر والشام والحجاز والمغرب العربي؛ بزعم أنها «ليست من سُنة النبي ﷺ وإنما سنّها عمر بن الخطاب»، حتى إن عقوبة من يُصليها وصلت في عهد «الحاكم بأمر الله» إلى الإعدام