نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا حول وعود الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن الدفاع عن الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، لافتة إلى أن فريقه غير مستعد لتطبيقها في منطقة الشرق الأوسط لا سيما مصر.
وذكرت الصحيفة أن بايدن انتقد خلال حملته الانتخابية، “الغرام” بين دونالد ترامب مع حكام مستبدين مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه الرئيس الأميركي السابق بـ”الديكتاتور المفضل لديه”. لكن منذ تولي بايدن لمنصبه، واصلت إدارته النمط الأميركي الطويل المتمثل في التشدق بحقوق الإنسان في مصر مع تجنب أي إجراءات قد تؤثر في العلاقات الثنائية، مثل حجب مبالغ كبيرة من المساعدات العسكرية.
وفي فبراير، وافقت وزارة خارجية بايدن على بيع صواريخ بقيمة 200 مليون دولار للجيش المصري – بعد أيام فقط من اعتقال السلطات المصرية لأفراد عائلة ناشط حقوق الإنسان الأميركي محمد سلطان، الذي تعرض للتعذيب سابقا في أحد السجون المصرية.
وفي كل عام منذ ما يقرب من عقد من الزمان، تنازل وزير الخارجية عن أحكام القانون الذي يشترط الإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية المصرية بإحراز تقدم كبير في مجال حقوق الإنسان هناك – وهو جزء من إجمالي 1.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي الذي تمنحه واشنطن للقاهرة كل عام. وفي يونيو، حثت جماعات حقوق الإنسان وزير الخارجية أنطوني بلينكين على كسر النمط ومنع المساعدات، مشيرة إلى انزلاق السيسي المستمر نحو البلطجة الاستبدادية.
ويوم الثلاثاء، أخطرت وزارة الخارجية الكونغرس بأنها توصلت إلى حل وسط. فكما ذكرت صحيفة بوليتيكو، لن يصادق بلينكين على أن مصر تحرز تقدما كبيرا في مجال حقوق الإنسان، ولكن الأهم من ذلك أنه لن يتنازل عن القيود المنصوص عليها في القانون أيضا.
ونقلت عن مسؤولين أنه سيتم منح 170 مليون دولار لمصر بموجب استثناء في القانون لبنود تتعلق بمكافحة الإرهاب وأمن الحدود والحد من الانتشار، وسيتم تأجيل 130 مليون دولار أخرى ضمن هذا المبلغ الإجمالي البالغ 300 مليون دولار، في الوقت الحالي، في انتظار المزيد من الإجراءات من قبل الحكومة المصرية.
ونقلت عن مسؤول كبير في الإدارة قوله: “نشعر حقا أن علاقتنا الثنائية مع مصر ستكون أقوى وأن مصالح أمريكا ستُخدم بشكل أفضل من خلال التفاعل” لمحاولة تعزيز مصالح الأمن القومي لأمريكا ومعالجة حقوق الإنسان في نفس الوقت.
وأشار المسؤول إلى أن السيسي أصدر هذا الأسبوع أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في مصر. وقدمت الإدارة قائمة بخطوات محددة يجب على الحكومة المصرية اتخاذها للإفراج عن بقية الأموال، لكن المسؤول رفض ذكر أي منها. كما أشار المسؤول إلى أن لدى أمريكا ومصر الكثير من جهود التعاون الأمني المستمرة التي تعود بالنفع على الجانبين.
وقال المسؤول إن فريق بايدن “لا يزال قلقا” بشأن مجموعة متنوعة من ممارسات حقوق الإنسان للحكومة المصرية، والتي تشمل، وفقا لأحدث تقرير لوزارة الخارجية حول هذه المسألة، عمليات قتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري والتعذيب والاعتقال التعسفي والانتقام بدوافع سياسية وقيود خطيرة على حرية التعبير والصحافة والإنترنت.وانتقد رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ كريس ميرفي (ديمقراطي من كونيكت) تصرف بلينكن في بيان مساء الاثنين، واصفا إياه بأنه “تنفيذ فاتر للنظام الأساسي” و”فرصة كبيرة ضائعة للوقوف بقوة وبشكل لا لبس فيه من أجل حقوق الإنسان”. وكان ميرفي يضغط على إدارة بايدن لفعل المزيد بشكل علني وسري.
وفي خطاب ألقاه في يوليو، أشار ميرفي إلى أن السيسي يسجن ما يصل إلى 60 ألفا من معارضيه السياسيين كجزء من حملة واسعة النطاق ضد الديمقراطية. (يزعم السيسي أنه ليس لديه سجناء سياسيون). وأشار ميرفي أيضا إلى أن السيسي فاز في انتخاباته الأخيرة بنسبة 97% من الأصوات، بعد ترهيب أي معارضة حقيقية، بدون أي تراجع واضح من أميركا.
وقال: “أصبحت مصر تعتقد أنها تستطيع أن تتصرف بالطريقة التي تريدها، وأن بإمكانها القيام بحملة واسعة من القمع السياسي، وأن الكونغرس والرئيس الأميركي، سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا، سيستمر في دفع الأموال”.
ومن غير المرجح أن يسمع فريق بايدن الكثير من الانتقادات لقراره بشأن مصر من بقية أعضاء الكونغرس. بموجب شروط ترتيب التمويل العسكري، ستتدفق الأموال إلى حد كبير إلى مقاولي الدفاع الأميركيين، الذين يتمتعون بالدعم من شقي الكونغرس، الذي من المتوقع أيضا أن يقوم هذا الأسبوع بالإفراج عن 900 مليون دولار من أصل المليار دولار المتبقي من المساعدات العسكرية لمصر التي تم تعليقها، كما أخبر أحد موظفي مجلس الشيوخ في الحزب الجمهوري الكاتب. ويشعر المشرعون بالقلق من أن السيسي يزيد تعاونه العسكري مع موسكو، بما في ذلك من خلال شراء طائرات روسية. لكن منظمات حقوق الإنسان لم تتراجع عن انتقاداتها، وقال بيان مشترك لعدد منها يوم الثلاثاء: “لقد تعهدت هذه الإدارة مرارا بوضع حقوق الإنسان في قلب سياستها الخارجية وعلى وجه التحديد علاقتها مع مصر. هذا القرار، مع ذلك، هو خيانة لهذه الالتزامات”.
ونقلت الصحيفة، عن بريان كاتوليس، زميل بارز في مركز Center for American Progress (CAP)، أن فريق بايدن يحاول تجنب الانتقادات من خلال صياغة حل يجعل مجتمع حقوق الإنسان والحكومة المصرية غير سعداء للغاية ولكن غير غاضبين للغاية. لكنها فكرة خرقاء.
قال: “إنهم يحاولون قسم الطفل من المنتصف.. لكن هذا أدى إلى مقاربة ‘أن تكون كل شيء لكل شخص’، ويترك انطباعا مشوشا لدى الجميع، وخاصة مصر. وفي الوقت نفسه، هذا لا يفعل شيئا لجعل حقوق الإنسان أولوية ولا يفعل شيئا يذكر لتوطيد علاقتنا الأمنية الثنائية مع مصر”.
في تقرير حديث عن الأشهر الستة الأولى من سياسة إدارة بايدن في الشرق الأوسط، جادل كاتوليس وبيتر جول من CAP بأن فريقه يركز على الحد من تواجد أمريكا في المنطقة. وهذا يعني تجنب السعي وراء أي نوع من أي تغيير جوهري قد يتطلب نهجا استراتيجيا جديدا من واشنطن. وتدعم أفعال بايدن في أفغانستان وتونس، حيث لم تعترض إدارة بايدن على استيلاء الرئيس على السلطة، هذا التحليل.
وكتبا: “أحد الشعارات الشائعة بين بعض أعضاء فريق الشرق الأوسط في إدارة بايدن هو ‘لا مزيد من الدول الفاشلة’، مما يشير إلى أهداف متواضعة وعملية لسياسة أمريكا في المنطقة”.
ورأت الصحيفة أنه قد يبدو استمرار الوضع الراهن المتمثل في التغاضي الفعلي عن قمع السيسي الاستبدادي أمرا عمليا. لكن هذا ليس ما وعد به بايدن كمرشح، وهي مأساة لأولئك الذين صدقوه. باختصار، لا يمكن لفريق بايدن الانسحاب من الشرق الأوسط وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان هناك في نفس الوقت.